مسألة وفصول لا نكاح إلا بولي وشاهدين .
مسألة : قال : ولا نكاح إلا بولي وشاهدين من المسلمين .
في هذه المسألة أربعة فصول .
الفصل الأول : أن النكاح لا يصح إلا بولي ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها ولا توكيل غير وليها في تزويجها فإن فعلت لم يصح النكاح روي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة Bهم وإليه ذهب سعيد بن المسيب و الحسن و عمر بن عبد العزيز و جابر بن زيد و الثوري و ابن أبي ليلى و ابن شبرمة و ابن المبارك و عبيد الله العنبري و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد وروي عن ابن سيرين و القاسم بن محمد و الحسن بن صالح و ابي صالح و أبي يوسف لا يجوز لها ذلك بغير إذن الولي فإن فعلت كان موقوفا على إجازته .
وقال أبو حنيفة لها أن تزوج نفسها وغيرها وتوكل في النكاح لأن الله تعالى قال : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } أضاف النكاح إليهن ونهى عن منعهن منه ولأنه خالص حقها وهي من أهل المباشرة فصح منها كبيع أمتها ولأنها إذا ملكت بيع أمتها وهو تصرف في رقبتها وسائر منافعها ففي النكاح الذي هو عقد على بعض منافعها أولى .
ولنا [ أن النبي A قال : لا نكاح إلا بولي ] روته عائشة وأبو موسى وابن عباس قال المروذي سألت أحمد ويحيى عن حديث : [ لا نكاح إلا بولي ] فقالا صحيح .
وروي عن عائشة [ عن النبي A أنه قال : أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ] رواه أحمد و أبو داود وغيرهما فإن قيل فإن الزهري رواه وقد أنكره قال ابن خديج سألت الزهري عنه فلم يعرفه قلنا له لم يقل هذا عن ابن خديج غير ابن علية كذلك قال الإمام أحمد ويحيى ولو ثبت هذا لم يكن حجة لأنه قد نقله ثقاة عنه فلو نسيه الزهري لم يضره لأن النسيان لم يعصم منه إنسان .
[ قال النبي A : نسي آدم فنسيت ذريته ] ولأنها مولى عليها في لانكاح فلا تليه كالصغيرة وأما الآية فإن عضلها الامتناع من تزويجها وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي ويدل عليه أنها نزلت في شأن معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته فدعاه النبي A فزوجها وأضافه إليها لأنها محل له إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز لها تزويج أحد وعن احمد لها تزويج أمتها وهذا يدل على صحة عبارتها في النكاح فيخرج منه أن لها تزويج نفسها بإذن وليها وتزويج غيرها بالوكالة وهو مذهب محمد بن الحسن وينبغي أن يكون قولا لـ ابن سيرين ومن معه لقول النبي A : [ أيما امرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ] فمفهومه صحته بإذنه ولأن المرأة أنما منعت الاستقلال بالنكاح لقصور عقلها فلا يؤمن انخداعها ووقوعه منها على وجه المفسدة وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها والصحيح الأول لعموم قوله : [ لا نكاح إلا بولي ] وهذا يقدم على دليل الخطاب والتخصيص ههنا خرج مخرج الغالب فإن الغالب أنها لا تزوج نفسها إلا بغير إذن وليها والعلة في منعها صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها وروعونتها وميلها إلى الرجال وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة والله أعلم .
فصل : فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم أو كان المتولي لعقده حاكما لم يجز نقضه وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة وخرج القاضي في هذا وجها خاصة أنه ينقض وهو قول الأصطخري من أصحاب الشافعي لأنه خالف نصا والأول أولى لأنها مسألة مختلف فيها ويسوغ فيها الإجتهاد فلم يجز نقض الحكم كما لو حكم بالشفعة للجار وهذا النص متأول وفي صحته كلام وقد عارضه ظواهر .
الفصل الثاني : أن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين وهذا المشهور عن أحمد وروي ذلك عن عمر وعلي وهو قول ابن عباس و سعيد بن المسيب و جابر بن زيد و الحسن و النخعي و قتادة و الثوري و الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد أنه يصح بغير شهود وفعله ابن عمر والحسن ابن علي وابن الزبير وسالم وحمزة ابنا ابن عمر وبه قال عبد الله بن إدريس وعبد الرحمن بن مهدي ويزيد ابن هارون و العنبري و أبو ثور و ابن المنذر وهو قول الزهري و مالك إذا أعلنوه .
قال ابن المنذر لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر وقال ابن عبد البر قد روي عن النبي A : [ لا نكاح إلا بولي وشاهدين عدلين ] من حديث ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر إلا أن في نقله ذلك ضعيفا فلم أذكره .
قال ابن المنذر : وقد أعتق النبي A صفية ابنة حيي فتزوجها بغير شهود قال أنس بن مالك Bه : [ اشترى رسول الله A جارية بسبعة قروش فقال الناس ما ندري أتزوجها رسول الله أم جعلها أم ولد ؟ فلما أن أراد أن يركب حجبها فعلموا أنه تزوجها ] متفق عليه قال فاستدلوا على تزويجها بالحجاب : وقال يزيد بن هارون : أمر الله تعالى بالإشهاد في البيع دون النكاح فاشترط أصحاب الرأي الشهادة للنكاح ولم يشترطوها للبيع ووجه الأولى أنه قد روي [ عن النبي A أنه قال : لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل ] رواه الخلال بإسناده .
وروى الدار قطني عن عائشة [ عن النبي A أنه قال لا بد في النكاح من أربعة : الولي والزوج والشاهدان ] ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه بخلاف البيع فأما نكاح النبي A بغير ولي وغير شهود فمن خصائصه في النكاح فلا يلحق به غيره .
الفصل الثالث : أنه لا ينعقد إلا بشهادة مسلمين سواء كان الزوجان مسلمين أو الزوج وحده نص عليه أحمد وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة إذا كانت المرأة ذمية صح بشهادة ذميين قال أبو الخطاب ويتخرج لنا مثل ذلك مبنيا على الرواية التي تقول بقبول شهادة بعض أهل الذمة على بعض ولنا قوله عليه السلام [ لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ] ولأنه نكاح مسلم فلم ينعقد بشهادة كنكاح المسلمين .
فصل : فأما الفاسقان ففي انعقاد بشهادتهما روايتان إحداهما : لا ينعقد وهو مذهب الشافعي للخبر ولأن النكاح لا يثبت بشهادتهما فلم ينعقد بحضورهما كالمجنونين والثانية : ينعقد بشهادتهما وهو قول أبي حنيفة لأنها تحمل فصحت من الفاسق كسائر التحملات وعلى كلتا الروايتين لا يعتبر حقيقة العدالة بل ينعقد بشهادة مستوري الحال لأن النكاح يكون في القرى والبادية وبين عامة الناس ممن لا يعرف حقيقة العدالة فاعتبار ذلك يشق فاكتفى بظاهر الحال وكون الشاهد مستورا لم يظهر فسقه فإن تبين بعد العقد أنه كان فاسقا لم يؤثر ذلك في العقد لأن الشرط العدالة ظاهرا وهو أن لا يكون ظاهر الفسق وقد تحقق ذلك وقيل نتبين أن النكاح كان فاسدا لعدم الشرط وليس بصحيح لأنه لو كانت العدالة في الباطن شرطا لوجب الكشف عنها لأنه مع الشك فيها يكون مشكوكا في شرط النكاح فلا ينعقد ولا تحل المرأة مع الشك في صحة نكاحها وإن حدث الفسق فيهما لم يؤثر في صحة النكاح لأن لشرط إنما يعتبر حالة العقد ولو أقر رجل وامرأة أنهما نكحا بولي وشاهدي عدل قبل قولهما وثبت النكاح بإقرارهما .
فصل : ولا ينعقد بشهادة رجل وامرأتين وهذا قول النخعي و الأوزاعي و الشافعي وعن أحمد أنه قال إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز وإن كان معهن رجل فهو أهون فيحتمل أن هذا رواية أخرى في انعقاده بذلك وهو قول أصحاب الرأي ويروى عن الشعبي لأنه عقد معارضة فانعقد بشهادتين مع الرجال كالبيع .
ولنا أن الزهري قال مضت السنة عن رسول الله A أن لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق رواه أبو عبيد في الأموال وهذا ينصرف إلى سنة النبي A ولأنه عقد ليس بمال ولا المقصود منه المال ويحضره الرجال في غالب الأحوال فلا يثبت بشهادتين كالحدود وبهذا فارق البيع ويحتمل أن أحمد إنما قال هو أهون لوقوع الخلاف فيه فلا يكون رواية .
فصل : ولا ينعقد بشهادة صبيين لأنهما ليسا من أهل الشهادة ويحتمل أن ينعقد بشهادة مراهقين عاقلين ولا ينعقد بشهادة مجنونين ولا سائر من لا شهادة له لأن وجوده كالعدم ولا ينعقد بشهادة أصمين لأنهما لا يسمعان ولا أخرسين لعدم امكان الأداء منهما وفي انعقاده بحضور أهل الصنائع الزرية كالحجام ونحوه وجهان بناء على قبول شهادتهم وفي انعقاده بشهادة عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما وجهان أحدهما : ينعقد اختارة أبو عبد الله بن بطة لعموم قوله : [ إلا بولي وشاهدي عدل ] ولأنه ينعقد بهما نكاح غير هذا الزوج فانعقد بهما نكاحه كسائر العدول والثاني : لا ينعقد بشهادتهما لأن العدو لا تقبل شهادته على عدوه والابن لا تقبل شهادته لوالده .
فصل : وينعقد بشهادة عبدين وقال أبو حنيفة و الشافعي لا ينعقد ومبني الخلاف على قبول شهادتهما في سائر الحقوق ونذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وينعقد بشهادة ضريرين وللشافعية وجهان في ذلك