فصلان : في جوائز السلطان وأحكامها ورأي الأئمة فيها .
فصل : في جوائز السلطان .
كان الإمام أبو عبد الله C يتورع عنها ويمنع بنيه عمه من أخذهات وهجرهم حين قبلوها وسد الأبواب بينه وبينهم حين أخذوها ولم يكن يأكل من بيوتهم شيئا ولا ينتفع بشيء يصنع عندهم وأمرهم بالصدقة بما أخذوه وإنما فعل ذلك لأم أموالهم تختلط بما يأخذونه من الحرام من الظلم وغيره فيصير شبهة وقد [ قال النبي A : الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن واقع الشبهات أوشك أن يقع في الحرام كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ] و [ قال النبي A : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ] واحتج أحمد بأن جماعة من الصحابة تنزهوا عن مال السلطان منهم حذيفة وأبو عبيدة ومعاذ وأبو هريرة وابن عمر ولم ير أبو عبد الله ذلك حراما فإنه سئل فقيل له مال السلطان حرام ؟ فقال لا وأحب إلي أن يتنزه عنه وفي رواية قال ليس أحد من المسلمين إلا وله في هذه الدراهم حق فكيف أقول أنها سحت وقد كان الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وكثير من الصحابة يقبلون جوائز معاوية .
وروي عن علي رضي عنه أنه قال لا بأس بجوائز السلطان ما يعطيكم من الحلال أكثر مما يعطيكم من الحرام وقال : لا تسأل السلطان شيئا فإن أعطاك فخذ فإن ما في بيت المال من الحلال أكثر مما فيه من الحرام .
وروى عمر بن شيبة البحتري في كتاب القضاء أن الحسن و ابن سيرين و الشعبي دخلوا على عمر بن هبيرة فأمر لكل واحد منهم بألف درهم ألف درهم وأمر لـ الحسن بألفي درهم فقبض الحسن جائزته وأبى ابن سيرين أن يقبض فقال لـ ابن سيرين ما لك لا تقبض ؟ قال حتى يعم الناس فقال الحسن الله لو عرض لك ولي لص فأخذ ردائي ورداءك ثم بدا له أن يرد علي ردائي كنت أقول لا أقبل ردائي حتى ترد على ابن سيرين رداءه ؟ كنت أحب أن تكون أفقه مما أنت يا ابن سيرين ولأن جوائز السلطان لها وجه في الإباحة والتحليل فإن له جهات كثيرة من الفيء والصدقة وغيرهما .
فصل : قال أحمد جوائز السلطان أحب إلي من الصدقة يعني أن الصدقة أوساخ الناس صين عنه النبي A وآله لدناءتها ولم يصانوا عن جوائز السلطان وسئل أحمد عمن عامل السلطان فربح ألفا وآخر اجازة السلطان بألف أيهما أحب إليك ؟ قال الجائزة وذلك لأن الذي يربح عليه ألفا لا يربحها في الغالب إلا بنوع من التدليس والغبن الفاحش والجائزة عطاء من الإمام برضاه لا تدليس فيها ولا غبن وقال أحمد إذا كان بينك وبين السلطان رجل يعني فهو أحب إلي من أخذه منه وذلك لأن الوسائط كلما كثرت قربت إلى الحل لأنها مع البعد تتبدل وتحصل فيها أسباب مبيحة والله أعلم