مسألة كون الإعطاء إلى جميع الأصناف غير واجب .
مسألة : قال : وليس عليه أن يعطي لكل هؤلاء الأصناف وإن كانوا موجودين إنما عليه أن لا يجاوزهم .
وذلك لأن الآية إنما سبقت لبيان من يجوز الصرف إليه لا لإيجاب الصرف إلى الجميع بدليل أنه لا يجب تعميم كل صنف بها وقد ذكر الله تعالى في آية أخرى صرفها إلى صنف واحد فقال سبحانه : { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } و [ قال النبي A لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ] متفق عليه فلم يذكر في الآية ولا في الخبر إلا صنفا واحدا و [ قال النبي A لقبيصة حين تحمل حمالة : أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ] فذكر دفعها إلى صنف وهو من الغارمين وأمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر وهو شخص واحد رواه أبو داود وبعث علي Bه بذهبية في تربتها فقسمها بين المؤلفة قلوبهم وهم صنف واحد والآثار في هذا كثيرة تدل على أن النبي A لم يكن يعتقد في كل صدقة ثابتة دفعها إلى جميع الأصناف ولا تعميمهم بها بل كان يدفعها إلى من تيسر من أهلها وهذا هو اللائق بحكمة الشرع وخمسه إذ غير حسنه إذ غير جائز أن يكلف الله سبحانه من وجبت عليه شاة أو ضاع من البر أو نصف مثقال أو خمسة دراهم دفعها إلى ثمانية عشر نفسا أو أحد وعشرين أو أربعة وعشرين نفسا من ثمانية أصناف لكل ثلاثة منهم ثمنها والغالب تعذر وجودهم في الإقليم العظيم وعجز السلطان عن إيصال مال بيت المال مع كثرته إليهم على هذا الوجه فكيف يكلف الله تعالى كل من وجبت عليه زكاة جمعهم وإعطاءهم وهو سبحانه القائل : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقال : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقال : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وأظن من قال بوجوب دفعها على هذا الوجه إنما يقوله بلسانه ولا يقدر على فعله وما بلغنا أن النبي A فعل هذا في صدقة من الصدقات ولا أحدا من خلفائه ولا من صحابته ولا غيرهم ولو كان هذا هو الواجب في الشريعة المطهرة لما أغفلوه ولو فعلوه مع مشقة لنقل وما أهمل إذ لا يجوز على أهل التواتر إهمال نقل ما تدعو الحاجة إلى نقله سيما مع كثرة من تجب عليه الزكاة ووجود ذلك في كل زمان وفي كل مصر وبلد وهذا أمر ظاهر وقد سبقت هذه المسألة والكلام فيها فيما تقدم