مسألة وفصول ابن السبيل .
مسألة : قال : وابن السبيل وهو المنقطع به وله اليسار في بلده فيعطى من الصدقة ما يبلغه .
ابن السبيل هو الصنف الثامن من أهل الزكاة ولا خلاف في إستحقاقه وبقاء سهمه وابن السبيل هو المسافر الذي ليس له ما يرجع به إلى بلده وله اليسار في بلده فيعطى ما يرجع به وهذا قول قتادة ونحوه قال مالك وأصحاب الرأي وقال الشافعي هو المختار ومن يريد إنشاء السفر إلى بلد أيضا فيدفع إليهما ما يحتاجان إليه لذهابهما وعودهما لأنه يريد السفر لغير معصية فأشبه المجتاز .
ولنا أن ابن السبيل هو الملازم للطريق الكائن فيها كما يقال ولد الليل للذي يكثر الخروج فيه والقاطن في بلده ليس في طريق ولا يثبت له حكم الكائن فيها لهذا لا يثبت له حكم السفر بهمه به دون فعله ولأنه لا يفهم من ابن السبيل إلا الغريب دون من هو في وطنه ومنزله وإن انتهت به الحاجة منتاها فوجب أن يحمل المذكور في الآية على الغريب دون غيره وإنما يعطى وله اليسار في بلده لأنه عاجز عن الوصول إليه والانتفاع به فهو كالمعدوم في حقه فإن كان ابن السبيل فقيرا في بلده أعطي لفقره وكونه ابن السبيل لوجود الأمرين فيه ويعطى لكونه ابن سبيل قدر ما يوصله إلى بلده لأن الدفع إليه للحاجة إلى ذلك فتقدر بقدره وتدقع إليه وإن كان موسرا في بلده إذا كان محتاجا في الحال لأنه عاجز عن الوصول إلى ماله فصار كالمعدوم وإن فضل معه شيء بعد رجوعه إلى بلده رده لأنه أخذه للحاجة وقد حصل الغنى بدونه فأشبه ما لو أخذه لغزو فلم يغز وإن كان فقيرا أو اتصل بسفره أخذ الفضل لفقره لأنه إن فات الاستحقاق بكونه ابن سبيل حصل الاستحقاق بجهة أخرى وإن كان غارما أخذ الفضل لغرمه .
فصل : وإن كان ابن السبيل مجتازا يريد بلدا غير بلده فقال أصحابنا يجوز أن يدفع إليه ما يكفيه في مضيه إلى مقصده ورجوعه إلى بلده لأن فيه إعانة على السفر المباح وبلوغ الغرض الصحيح لكن يشترط كون السفر مباحا إما قربة كالحج والجهاد وزيارة الوالدين أو مباحا كطلب المعاش والتجارات فأما المعصية فلا يجوز الدفع إليه فيها لأنه إعانة عليها وتسبب إليها فهو كفعلها فإن وسيلة الشيء جارية مجراه وإن كان السفر للنزهة فيه وجهان : أحدهما يدفع إليه لأنه غير معصية و الثاني : لا يدفع إليه لأنه لا حاجة به إلى هذا السفر ويقوى عندي أنه لا يجوز الدفع للسفر إلى غير بلده لأنه لو جاز ذلك لجاز للمنشىء للسفر من بلده ولأن هذا السفر إن كان لجهاد فهو يأخذ له من سهم سبيل الله وإن كان حجا فغيره أهم منه وإذا لم يجز الدفع في هذين ففي غيرهما أولى وإنما ورد الشرع بالدفع إليه للرجوع إلى بلده لأنه أمر تدعو حاجته إليه ولا غنى به عنه فلا يجوز الحاق غيره به لأنه ليس في معناه فلا يجوز قياسه عليه ولا نص فيه فلا يثبت جوازه لعدم النص والقياس .
فصل : وإذا ادعى الرجل أنه ابن سبيل ولم يعرف ذلك ولم يقبل إلا ببينة وإن ادعى الحاجة ولم يكن عرف له مال في مكانه الذي هو به قبل قوله من غير بينة لأن الأصل عدمه معه وإن عرف له مال في مكانه لم تقبل دعواه للفقر إلا ببينة كما لو ادعى إنسان المسكنة .
فصل : وجملة من يأخذ مع الغنى خمسة : العامل والمؤلف قلبه والغازي والغارم لإصلاح ذات البين وابن السبيل الذي له اليسار في بلده وخمسة لا يعطون إلا مع الحاجة : الفقير والمسكين والمكاتب والغارم لمصلحة نفسه في مباح وابن السبيل واربعة يأخذون أخذا مستقرا لا يلزمهم رد شيء بحال : الفقير والمسكين والعامل والمؤلف واربعة يأخذون أخذا غير مستقر : المكاتب والغارم والغازي وابن السبيل .
فصل : ومن سافر لمعصية فأراد الرجوع إلى بلده لم يدفع إليه ما لم يتب فإن تاب احتمل جواز الدفع إليه لأن رجوعه ليس بمعصية فأشبه رجوع غيره بل ربما كان رجوعه إلى بلده تركا للمعصية وإقلاعا عنها كالعاق يريد الرجوع إلى أبويه والفار من غريمه أو امرأته يريد الرجوع إليهما ويحتمل أن لا يدفع إليه لأن سبب ذلك المعصية فأشبه الغارم في المعصية