مسألة وفصول في صنف الغارمين .
مسألة : قال : والغارمين .
وهم المدينون العاجزون عن وفاء ديونهم هذا الصنف السادس من أصناف الزكاة ولا خلاف في استحقاقهم وثبوت سهمهم وان المدينين العاجزين عن وفاء ديونهم منهم لكن ان غرم في معصية مثل أن يشتري خمرا أو يصرفه في زنا أو قمار أو غناء ونحوه لم يدفع اليه قبل التوبة شيء لأنه اعانه على المعصية وان تاب فقال القاضي يدفع اليه واختاره ابن عقيل لأن ابقاء الدين في الذمة ليس من المعصية بل يجب تفريعها والاعانة على الواجب قربة لا معصية فأشبه من أتلف ماله في المعاصي حتى افتقر فانه يدفع اليه من سهم الفقراء وفي وجه آخر لا يدفع إليه لأنه استدانة للمعصية فلم يدفع اليه كما لو لم يتب ولأنه لا يؤمن أن يعود إلى الاستدانة للمعاصي ثقة منه بان دينه يقضى بخلاف من أتلف ماله في المعاصي فإنه يعطى لفقره لا لمعصيته .
فصل : ولا يدفع إلى غارم كافر لأنه ليس من أهل الزكاة ولذلك لا يدفع إلى فقيرهم ولا مكاتبهم وإن كان من ذوي القربى فقال أصحابنا يجوز الدفع إليه لأن علة منعه من الأخذ منها لفقره صيانة عن أكلها لكونها أوساخ الناس وإذا أخذها لغرمه حرفها إلى الغرماء فلا يناله دناءة وسخها ويحتمل أن لا يجوز لعموم النصوص في منعهم من أخذها وكونها لا تحل لهم ولأن دناءة أخذها تحصل سواء أكلها أو لم يأكلها ولا يدفع منها إلى غارم له بما يقضي به غرمه لأن الدفع إليه لحاجته وهو مستغن عنها .
فصل : ومن الغارمين صنف يعطون مع الغنى وهو غرم لإصلاح ذات البين وهو أن يقع بين الحيين وأهل القريتين عداوة وضغائن يتلف فيها نفس أو مال ويتوقف صلحهم على من يتحمل ذلك فيسعى إنسان في الإصلاح بينهم ويتحمل الدماء التي بينهم والأموال فيسمى ذلك حمالة بفتح الحاء وكانت العرب تعرف ذلك وكان الرجل منهم يتحمل الحمالة ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤديها فورد الشرع بإباحة المسألة فيها وجعل له نصيبا من الصدقة ف [ روى قبيصة بن المخارق قال تحملت حمالة فأتيت النبي A وسألته فيها فقال : أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ـ ثم قال ـ يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة رجل تحمل حمالة فيسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش ـ أو ـ قواما من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فلحت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش ـ أو ـ قواما من عيش وما سوى ذلك فهو سحت يأكلها صاحبها سحتا يوم القيامة ] أخرجه مسلم وروى أبو سعيد الخدري [ أن النبي A قال : لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة ] ذكر منها الغارم ولأنه إنما يقبل ضمانة وتحمله إذا كان مليا وبه حاجة إلى ذلك مع الغنى وإن أدى ذلك من ماله لم يكن له أن يأخذ لأنه قد سقط الغرم وإن استدان وأداها جاز له الأخذ لأن الغرم باق والمطالبة قائمة والفرق بين هذا الغرم والغرم لمصلحة نفسه إن هذا الغرم يأخذ لحاجتنا إليه لإطفاء الثائرة وإخماد الفتنة فجاز له الأخذ مع الغنى كالغازي والمؤلف والعامل والغارم لمصلحة نفسه يأخذ لحاجة نفسه فاعتبرت حاجته وعجزه كالفقير والمسكين والمكاتب وابن سبيل وإذا كان الرجل غنيا وعليه دين لمصلحة لا يطيق قضاءه جاز أن يدفع إليه ما يتم به قضاءه مع ما زاد عن حد الغنى فإذا قلنا الغنى يحصل بخمسين درهما وله مائة وعليه مائة جاز أن يدفع له خمسون ليتم قضاء المائة من غير أن ينقص غناه قال احمد لا يعطى من عنده خمسون درهما أو حسابها من الذهب إلا مدينا فيعطى دينه وإن كان يمكنه قضاء الدين من غير نقص من الغناء لم يعط شيئا .
فصل : وإذا أراد الرجل دفع زكاته إلى الغارم فله أن يسلمها إليه ليدفعها إلى غريمه وإن أحب أن يدفعها إلى غريمه قضاء عن دينه فعن احمد فيه روايتان إحداهما : يجوز ذلك نقل أبو الحارث قال قلت لـ أحمد رجل عليه ألف وكان على رجل زكاة ماله ألف فأداها عن هذا الذي عليه الدين يجوز هذا من زكاته ؟ قال نعم ما أرى بذلك بأسا وذلك لأنه دفع الزكاة في قضاء دينه فأشبه ما لو دفعها إليه يقضي بها دينه والثانية لا يجوز دفعها إلى الغريم قال احمد أحب إلي أن يدفعه إليه حتى يقضي هو عن نفسه قيل هو محتاج يخاف أن يدفعه إليه فيأكله ولا يقضي دينه قال فقل له يوكله حتى يقضيه فظاهر هذا لأنه لا يدفع الزكاة إلى الغريم إلا بوكالة الغارم لأن الدين إنما هو على الغارم فلا يصح قضاؤه إلا بتوكيله ويحتمل أن يحمل هذا على الإستحباب ويكون قضاؤه عنه جائزا وإن كان دافع الزكاة الإمام جاز أن يقضي بها دينه من غير توكيله لأن للإمام ولاية عليه في إبقاء الدين ولهذا يجبره عليه إذا امتنع منه وإذا ادعى الرجل أن عليه دينا فإن كان يدعيه من جهة إصلاح ذات البين فالأمر فيه ظتهر لا يكاد يخفى فإن خفي ذلك لم يقبل منه إلا ببينة وإن غرم لمصلحة نفسه لم يدفع .
إليه إلا ببينة أيضا لأن الأصل عدم الغرم وبراءة الذمة فإن صدقه الغريم فعلى وجيهن كالمكاتب إذا صدقه سيده