فصل ومسائل في أحكام الرقاب وهم المكاتبون .
مسألة : قال : وفي الرقاب وهم المكاتبون .
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في ثبوت سهم الرقاب ولا يختلف المذهب في أن المكاتبين من الرقاب يجوز صرف الزكاة إليهم وهو قول الجمهور وخالفهم مالك فقال : إنما يصرف سهم الرقاب في أعناق العبيد ولا يعجبني أن يعان منها مكاتب وخالف أيضا ظاهر الآية لأن المكاتب من الرقاب لأنه عبد واللفظ عام فيدخل في عمومه إذا ثبت هذا فإنه يدفع إلى المكاتب جميع ما يحتاج إليه لوفاء كتابته فإن لم يكن معه شيء جاز أن يدفع إليه جميعها وإن كان معه شيء له يتم ما يتخلص به لأن حاجته لا تندفع إلا بذلك ولا يدفع إلى من معه وفاء كتابته شيء لأنه مستغن عنه في وفاء الكتابة قيل ولا يدفع إليه بحكم الفقر شيء لأنه عبد ويجوز أن يدفع إليه في كتابته قبل حلول النجم لئلا يحل النجم ولا شيء معه فتنفسخ الكتابة ولا يدفع إلى مكاتب كافر شيء لأنه ليس من مصارف الزكاة ولا يقبل قول المكاتب إنه مكاتب إلا ببينة لأن الأصل عدمها فإن صدقه السيد ففيه وجهان : أحدهما : يقبل لأن الحق في العبد لسيده فإذا أقر بإنتقال حقه عنه قبل والثاني : لا يقبل لأنه منهم في أنه متهم في أنه يواطئه ليأخذ به المال .
فصل : ويجوز للسيد دفع زكاته إلى مكاتبه لأنه قد صار معه في باب المعاملة كالأجنبي حتى يجري بينهما الربا فصار كالغريم يدفع زكاته إلى غريمه ويجوز للمكاتب ردها إلى سيده بحكم الوفاء لأنها رجعت إليه بحكم الإيفاء أشبه إيفاء الغريم دينه بها قال ابن عقيل ويجوز دفع الزكاة إلى سيد المكاتب وفاء عن الكتابة وهو الأولى لأنه أعجل لعتقه وأوصل إلى المقصود الذي كان الدفع من أجله فإنه إذا أخذه المكاتب قد يدفعه وقد لا يدفعه .
ونقل حنبل أنه قال سفيان لا تعطي مكاتبا لك من الزكاة قال وسمعت أبا عبد الله يقول : وأنا أرى مثل ذلك .
وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل : أيعطى المكاتب من الزكاة ؟ قال : المكاتب بمنزلة العبد فكيف يعطى ؟ ومعناه والله أعلم لا يعطي مكاتبه من الزكاة لأنه عبده وماله يرجع إليه إن عجز وإن عتق فله ولاؤه ولا تقبل شهادته لمكاتبه ولا شهادة مكاتبه له .
مسألة : قال : وقد روي عن عبد الله C رواية أخرى أنه يعتق منها .
اختلفت الرواية عن أحمد C في جواز الإعتاق من الزكاة فروي عنه جواز ذلك وهو قول ابن عباس و الحسن و الزهري و مالك و إسحاق و أبي عبيد و العنبري و أبي ثور لعموم قول الله تعالى : { وفي الرقاب } وهو متناول للقن بل هو ظاهر فيه فإن الرقبة إذا أطلقت انصرفت إليه كقوله تعالى : { فتحرير رقبة } وتقدير الآية وفي أعتاق الرقاب ولأنه إعتاق للرقبة فجاز صرف الزكاة فيه كدفعه في الكتابة والرواية الأخرى لا يجوز وهو قول إبراهيم و الشافعي لأن الآية تقتضي صرف الزكاة إلى الرقاب كقوله : { في سبيل الله } يريد الدفع إلى المجاهدين كذلك ههنا والعبد القن لا يدفع إليه شيء قال أحمد في رواية أبي طالب قد كنت أقول يعتق من زكاته ولكن أهابه اليوم ولأنه يجر الولاء وفي موضع آخر قيل له فما يعجبك من ذلك ؟ قال : يعين من ثمنها فهو أسلم .
وقد روي نحو هذا عن النخعي وسعيد بن جبير فإنهما قالا : لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة ولكن يعطي منها في رقبة ويعين مكاتبا وبه قال أبو حنيفة وصاحباه لأنه إذا أعتق من زكاته انتفع بولاء من أعتقه فكأنه صرف الزكاة إلى نفسه .
وأخذ ابن عقيل من هذه الرواية أن أحمد رجع عن القول بالإعتاق من الزكاة وهذا والله أعلم من أحمد إنما كان على سبيل الورع فلا يقتضي رجوعا لأن العلة التي تملك بها جر الولاء ومذهبه إن ما رجع من الولاء رد في مثله فلا ينتفع إذا بإعتاقه من الزكاة .
فصل : ولا يجوز أن يشتري من زكاته من يعتق عليه بالرحم وهو كل ذي رحم محرم فإن فعل عتق عليه ولم تسقط عنه الزكاة .
وقال الحسن لا بأس أن يعتق أباه من الزكاة لأن دفع الزكاة لم يحصل إلى أبيه وإنما دفع الثمن إلى بائعه .
ولنا أن نقع زكاته عاد إلى أبيه فلم يجز كما لو دفعها إليه ولأن عتقه حصل بنفس الشراء مجازاة وصلة للرحم فلم يجز أن يحتسب له به عن الزكاة كنفقة أقاربه ولو أعتق عبده المملوك له عن زكاته لم يجز لأن أداء الزكاة عن كل مال من جنسه والعبد ليس من جنس ما تجب الزكاة فيه ولو أعتق عبدا من عبيده للتجارة لم يجز لأن الواجب في قيمتهم لا في عينهم .
فصل : ويجوز أن يشتري من زكاته أسيرا مسلما من أيدي المشركين لأنه فك رقبة من الأسر فهو كفك رقبة العبد من الرق ولأن فيه اعزازا للذين فهو كصرفه إلى المؤلفة قلوبهم ولأنه يدفعه إلى الأسير لفك رقبته فأشبه ما يدفعه إلى الغارم لفك رقبته من الدين .
مسألة : قال : فما رجع من الولاء رد في مثله .
يعني يعتق به أيضا وبهذا قال الحسن و إسحاق وقال أبو عبيد الولاء للمعتق لقول النبي A : [ إنما الولاء لمن أعتق ] وقال مالك ولاؤه لسائر المسلمين لأنه مال لا مستحق له أشبه مال من لا وارث له وقال العنبري يجعله في بيت المال للصدقات لأن عتقه من الصدقة فولاؤه يرجع اليها ولأن عتقه بمال هو لله والمعتق نائب عن الله تعالى في الشراء والإعتاق فلم يكن الولاء له كما لو توكل في الاعتاق وكالساعي إذا اشترى من الزكاة رقبة وأعتقها ولأن الولاء أثر الرق وفائدة من المعتق فلم يجز أن يرجع إلى المزكي لافضائه إلى أن ينتفع بزكاته وقد روي عن أحمد ما يدل على أن الولاء له وقد سبق ذلك في باب الولاء .
فصل : ولا يعقل عنه اختاره الخلال وعن أحمد رواية أخرى أنه يعقل عنه اختارها أبو بكر لأنه معتق فيعقل عنه كالذي أعتقه من ماله وانما لم يأخذ ميراثه بالولاء لئلا ينتفع بزكاته والعقل عنه ليس بانتفاع فيبقى على الأصل ولنا أنه لا ولاء عليه فلم يعقل عنه كما لو كان وكيلا في العتق ولأنه لا يرثه فلم يعقل عنه كما لو اختلف دينهما وما ذكره يبطل بالوكيل والساعي إذا أعتق من الزكاة