فصل ومسألة في المؤلفة قلوبهم .
مسألة : قال : وللمؤلفة قلوبهم وهم المشركون المتألفون على الإسلام .
هذا الصنف الرابع من أصناف الزكاة والمستحقون لها وقال أبو حنيفة انقطع سهمهم وهو أحذ أقوال الشافعي لما روي أن مشركا جاء يلتمس من عمر مالا فلم يعطه وقال : : { من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ولم ينقل عن عمر ولا عثمان ولا علي أنهم أعطوا شيئا من ذلك ولأن الله تعالى أظهر الإسلام وقمع المشركين فلا حاجة بنا إلى التأليف وحكى حنبل عن أحمد أنه قال المؤلفة قد انقطع حكمهم اليوم والمذهب على خلاف ما حكاه حنبل ولعل معنى قول أحمد انقطع حكمهم أي لا يحتاج إليهم في الغالب أو أراد أن الأئمة لا يعطونهم اليوم شيئا فأما أن احتاج إليهم جاز الدفع إليهم فلا يجوز الدفع اليهم إلا مع الحاجة .
ولنا على جواز الدفع إليهم قول الله تعالى : { والمؤلفة قلوبهم } وهذه الآية في سورة براءة وهي آخر ما نزل من القرآن على رسول الله A وقد ثبت أن رسول الله A أعطى المؤلفة من المشركين والمسلمين وأعطى أبو بكر عدي بن حاتم وقد قدم عليه بثلاثمائة جمل من إبل الصدقة ثلاثين بعيرا ومخالفة كتاب الله وسنة رسوله واطراحها بلا حجة لا يجوز ولا يثبت النسخ بترك عمر وعثمان إعطاء المؤلفة ولعلهم لم يحتلجوا إلى أعطائهم فتركوا ذلك لعدم الحاجة إليه لا لسقوطه .
فصل : والمؤلفة قلوبهم ضربان : كفار ومسلمون وهم جميعا السادة المطاعون في قومهم وعشائرهم فالكفارضربان أحدهما : من يرجى إسلامه فيعطى لتقوى نيته في الإسلام وتميل نفسه إليه فيسلم إلى ف [ إن النبي A يوم فتح مكة أعطى صفوان بن أمية الأمان واستنظره أربعة أشهر لينظر في أمره وخرج معه إلى حنين فلما أعطى النبي A العطايا قال صفوان ما لي ؟ فأومأ النبي A إلى واد فيه إبل محملة فقال : هذا لك فقال صفوان إن هذا عطاء من لا يخشى الفقر ] .
والضرب الثاني : من يخشى شره ويرجى بعطيته كف شره وكف غيره معه وروي عن ابن عباس أن قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عيه وسلم فإن أعطاهم مدحوا الإسلام وقالوا هذا دين حسن وإن منعهم ذموا وعابوا وأما المسلمون فأربعة اضرب قوم : من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار ومن المسلمين الذين لهم نية حسنة في الإسلام فإذا أعطوا رجي إسلام نظرائهم وحسن نياتهم فيجوز إعطاؤهم لأن أبا بكر أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع حسن نياتهما وإسلامهما .
الضرب الثاني : سادات مطاعون في قومهم يرجى بعطيتهم قوة إيمانهم ومناصحتهم في الجهاد فإنهم يعطون ل [ أن النبي A أعطى عيينة بن حصن والأفرع بن حابس وعلقمة بن علاثة والطلقاء من أهل مكة وقال للأنصار : يا معشر الأنصار تأسون على لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما لا إيمان لهم ووكلتكم إلى إيمانكم ؟ ] .
وروى البخاري بإسناده عن عمرو بن تغلب [ أن رسول الله A أعطى ناسا وترك ناسا فبلغه عن الذين ترك أنهم عتبوا فصعد المنبر فحمد الله وأنثى عليه ثم قال : أني أعطي ناسا وأدع ناسا والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي أعطي ناسا لما في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل ناسا إلى ما في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب ] وعن أنس قال [ حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن طفق رسول الله A يعطي رجالا من قريش مائة من الإبل فقال ناس من الأنصار يغفر الله لرسول الله A يعطي قريشا ويمنعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله A : إني أعطي رجالا حدثاء عهد بكفر أتألفهم ] متفق عليه .
الضرب الثالث : قوم في طرف بلاد الإسلام إذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين .
الضرب الرابع : قوم إذا أعطوا أجبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف وكل هؤلاء يجوز الدفع إليهم من الزكاة لأنهم من المؤلفة قلوبهم فيدخلون في عموم الآية