مسألة وأربعة فصول : خمس الفيء والغنيمة مقسوم على خمسة أسهم .
مسألة : قال : فخمس الفيء والغنيمة مقسوم على خمسة أسهم .
في هذه المسألة فصول أربعة : .
فصل الأول : أن الفيء مخموس كما تخمس الغنيمة في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي والرواية الثانية : لا يخمس نقلها أبو طالب فقال : إنما تخمس الغنيمة قال القاضي لم أجد بما قال الخرقي من أن الفيء مخموس نصا فأحكيه وإنما نص على أنه غير مخموس وهذا قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر ولا تحفظ عن أحد قبل الشافعي في الفيء خمس كخمس الغنيمة وأخبار عمر تدل على ما قاله الشافعي ولأن الله تعالى قال : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } ـ إلى قوله ـ { والذين جاؤوا من بعدهم } الآية فجعله كله لهم ولم يذكر خمسا ولما قرأ عمر هذه الآية قال : هذه استوعبت المسلمين ووجه الأول قول الله تعالى : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } فظاهر هذا أن جميعه لهؤلاء وهم أهل الخمس : وجاءت الأخبار عن عمر دالة على اشتراك جميع المسلمين فيه فوجب الجمع بينهما كيلا تتناقض الآية والأخبار وتتعارض وفي إيجاب الخمس فيه جمع بينهما وتوفيق فإن خمسه للذي سمي في الآية وسائره ينصرف إلى من في الخبر كالغنيمة ولأنه مال مشترك مظهور عليه فوجب أن يخمس كالغنيمة والركاز و [ روى البراء بن عازب قال لقيت خالي ومعه الراية قلت إلى أين ؟ فقال بعثني رسول الله A إلى رجل عرس بامرأة أبيه أن أضرب عنقه وأخمس ماله ] .
الفصل الثاني : إن الغنيمة مخموسة ولا اختلاف في هذا بين أهل العلم بحمد الله وقد نطق به الكتاب العزيز فقال الله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } لكن اختلف في أشياء : منها سلب القاتل وأكثر أهل العلم على أنه لا يخمس فإن عمر Bه قال كنا لا نخمس السلب وقول النبي : [ من قتل قتيلا فله سلبه ] يقتضي أنه له كله ولو خمس لم يكن جميعه له وعن ابي قتادة [ أن رسول الله A نفله سلب رجل قتله يوم حنين ولم يخمس ] رواه سعيد في سننه ومنها إذا قال الإمام من جاء بعشرة رؤوس فله رأس ومن طلع الحصن فله كذا من النفل فالظاهر أن هذا غير مخموس لأنه في معنى السلب ومنها إذا قال الإمام من أخذ شيئا فهو له وقلنا يجوز ذلك فقد قيل لا خمس فيه لأنه في معنى الذي قبله والصحيح أن الخمس لا يسقط لأنه يدخل في عموم الآية ولا يدخل في معنى السلب والنفل لأن ترك تخميسهما لا يسقط خمس الغنيمة بالكلية وهذا يسقطه فلا يكون تخصيصا بل نسخا لحكمها ونسخها بالقياس غير جائز اتفاقا ومنها إذا دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير إذن الإمام فقد قيل إن ما غنموه لهم من غير أن يخمس والصحيح أنه يخمس ويدفع إليهم أربعة أخماسه لدخوله في عموم الآية وعدم دليل يوجب تخصيصه .
الفصل الثالث : أن الخمس مما يجب خمسه الفيء والغنيمة شيء واحد في مصرفهما وحكمهما ولا إختلاف في هذا بين القائلين بوجوب الخمس فيهما فإن القائل بوجوب الخمس في الفيء غير من قاله من أصحابنا الشافعي وقد وافق على هذا فإنه قال في الفيء والغنيمة يجتمعان في أن فيهما الخمس لمن سماه الله تعالى يعني في سورة الأنفال في قوله سبحانه وتعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية وفي سورة الحشر في قوله تعالى : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } الآية والمسلمون في الآيتين شيء واحد .
الفصل الرابع : إن الخمس يقسم على خمسة أسهم وبهذا قال عطاء و مجاهد و الشعبي و النخعي و قتادة و ابن جريج و الشافعي وقيل يقسم على ستة : سهم لله وسهم لرسوله لظاهر قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } فعد ستة وجعل الله تعالى لنفسه سهما سادسا وهو مردود على عباد الله أهل الحاجة وقال أبو العالية سهم لله D هو أنه إذا عزل الخمس ضرب بيده فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة فهو الذي سمي لله لا تجعلوا له نصيبا فإن لله الدنيا والآخرة ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة أسهم وروي عن الحسن و قتادة في سهم ذي القربى كانت طعمة لرسول الله صلى ا لله عليه وسلم في حياته فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله وروى ابن عباس أن أبا بكر وعمر قسما الخمس على ثلاثة أسهم ونحوه حكي عن الحسن بن محمد ابن الحنفية وهو قول أصحاب الرأي قالوا يقسم الخمس ثلاثة : اليتامى والمساكين وابن السبيل وأسقطوا سهم رسول الله صلى ا لله عليه وسلم وسهم قرابته أيضا وقال مالك : الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال قال ابن القاسم وبلغني عمن أثق به أن مالكا قال : يعطي الإمام أقرباء رسول الله A على ما يرى وقال الثوري و الحسن : يضعه الإمام حيث أراه الله D .
ولنا قول الله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } وسهم الله والرسول واحد كذا قال عطاء و الشعبي وقال الحسن بن محمد بن الحنفية وغيره قوله : { فأن لله خمسه } افتتاح كلام يعني أن ذكر الله تعالى لافتتاح الكلام بإسمه تبركا به لا لإفراده بسهم فإن لله تعالى الدنيا والآخرة وقد روي عن ابن عمر وابن عباس قالا كان رسول اله A يقسم الخمس على خمسة وما ذكره أبو العالية فشيء لا يدل عليه رأي ولا يقتضيه قياس ولا يصار إليه إلا بنص صحيح يجب التسليم له ولا نعلم في ذلك أثرا صحيحا سوى قوله فلا يترك ظاهر النص وقول رسول الله A وفعله من أجل قول أبي العالية وما قاله أبو حنيفة فمخالف لظاهر الآية فإن الله تعالى سمى لرسوله وقرابته شيئا وجعل لهما في الخمس حقا كما سمى للثلاثة الأصناف الباقية فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب وأما حمل أبي بكر وعمر Bهما على سهم ذي القربى في سبيل الله فقد ذكر لـ أحمد فسكت وحرك رأسه ولم يذهب إليه ورأى أن قول ابن عباس ومن وافقه أولى لموافقته كتاب الله وسنة رسول الله A فإن ابن عباس لما سئل عن سهم ذي القربى فقال إنا كنا نزعم أنه لنا فأبى ذلك علينا قومنا ولعله اراد بقوله أبى ذلك علينا قومنا فعل أبي بكر وعمر Bهما في حملهما عليه في سبيل الله ومن تبعهما على ذلك ومتى اختلف الصحابة وكان قول بعضهم يوافق الكتاب والسنة كان أولى وقول ابن عباس موافق للكتاب والسنة فان جبير بن مطعم روى [ أن رسول الله A لم يقسم لبني عبد شمس ولا بني نوفل من الخمس شيئا كما كان يقسم لبني هاشم ولبني المطلب وان أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله A غير انه لم يكن يعطي قربى رسول الله A كما كان يعطيهم وكان عمر يعطيهم وعثمان من بعده ] رواه أحمد في مسنده .
وقد تكلم في رواية ابن عباس عن أبي بكر وعمر أنهما حملا على سهم ذي القربى في سبيل الله فقيل انه يرويه محمد بن مروان وهو ضعيف عن الكلبي وهو ضعيف أيضا ولا يصح عند أهل النقل فان قالوا فالنبي A ليس بباق فكيف يبقى سهمه ؟ قلنا جهة صرفه الى النبي A مصلحة المسلمين والمصالح باقية [ قال رسول الله A : ما يحل لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس وهو مردود عليكم ] رواه سعيد