مسألة وفصول : ما يجوز به التيمم وما لا يجوز .
مسألة : قال : يضرب بيديه على الصعيد وهو التراب .
وجملة ذلك أنه لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر ذي غبار يعلق باليد لأن الله تعالى قال : { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } قال ابن عباس : الصعيد تراب الحرث وقيل في قوله تعالى : { فتصبح صعيدا زلقا } ترابا أملس والطيب الطاهر وبهذا قال الشافعي و إسحاق و أبو يوسف و داود و قال مالك و أبو حنيفة : يجوز بكل حال ما كان من جنس الأرض كالنورة والزرنيخ والحجارة وقال الأوزاعي : الرمل من الصعيد وقال حماد بن أبي سليمان : لا بأس أن يتيمم بالرخام لما روى البخاري [ عن النبي A أنه قال : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ] وعن أبي هريرة [ أن رجلا أتى النبي A فقال : يا رسول الله إنا نكون بالرمل فتصيبنا الجنابة والحيض والنفاس ولا نجد الماء أربعة أشهر أو خمسة أشهر فقال النبي A : عليكم بالأرض ] وأنه من جنس الأرض فجاز التيمم به كالتراب .
ولنا : الآية فان الله سبحانه أمر بالتيمم بالصعيد وهو التراب فقال : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } ولا يحصل المسح بشيء منه إلا أن يكون ذا غبار يعلق باليد وروي عن علي Bه قال : [ قال رسول الله A : أعطيت ما لم يعط نبي من أنبياء الله جعل لي التراب طهورا ] وذكر الحديث رواه الشافعي في مسنده ولو كان غير التراب طهورا ذكره فيما من الله تعالى به عليه وقد روى حذيفة [ أن النبي A قال : جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا ] فخص ترابها بكونه طهورا ولأن الطهارة اختصت بأعم المائعات وجودا وهو الماء فتختص بأعم الجامدات وجودا وهو التراب وخبر أبي ذر نخصه بحديثنا وخبر أبي هريرة يرويه المثنى بن الصباح وهو ضعيف .
فصل : وعن أحمد رواية أخرى في السبخة والرمل أنه يجوز التيمم به قال أبو الحرث : قال أحمد : أرض الحرث أحب إلي وإن تيمم من أرض السبخة أجزأه قال القاضي : الموضع الذي أجاز التيمم بها إذا كان لها غبار والموضع الذي منع إذا لم يكن لها غبار قال : ويمكن أن يقال في الرمل مثل ذلك وعنه أنه يجوز ذلك مع الاضطرار خاصة قال وفي رواية سندي : أرض الحرث أجود من السبخ ومن موضع النورة والحصى إلا أن يضطر إلى ذلك فإن اضطر أجزأه قال الخلال : إنما سهل أحمد فيها إذا اضطر إليها إذا كانت غبرة كالتراب فأما إذا كانت قلحة كالملح فلا يتيمم بها أصلا وقال ابن أبي موسى : يتيمم عند عدم التراب بكل طاهر تصاعد على وجه الأرض مثل الرمل والسبخة والكحل وما في معنى ذلك ويصلي وهل يعيد على روايتين .
فصل : فإن دق الخزف أو الطين المحرق لم يجز التيمم به لأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب وكذا أن نحت المرمر والكذان حتى صار غبارا لم يجز التيمم به لأنه غير تراب وإن دق الطين الصلب كالأرمني جاز التيمم به لأنه تراب .
فصل : فإن ضرب بيده على لبد أو ثوب أو جوالق أو برذعة أو في شعير فعلق بيديه غبار فتيمم به جاز نص أحمد على ذلك كله وكلام أحمد يدل على اعتبار التراب حيث كان فعلى هذا لو ضرب بيده على صخرة أو حائط أو حيوان أو شيء كان فصار على يديه غبار جاز له التيمم به وإن لم يكن فيه غبار فلا يجوز وقد روى ابن عمر [ أن النبي A ضرب يديه على الحائط ومسح بهما وجهه ثم ضرب أخرى فمسح ذراعيه ] رواه أبو داود وروى الأثرم عن عمر Bه أنه قال : لا يتيمم بالثلج فمن لم يجد فضفة سرجه أو معرفة دابته وأجاز مالك و أبو حنيفة التيمم بصخرة لا غبار عليها وتراب ندي لا يعلق باليد منه غبار وأجاز مالك التيمم بالثلج والجبس وكل ما تصاعد على وجه الأرض ولا يجوز عنده التيمم بغبار اللبد والثوب لأن النبي A لما ضرب بيده نفخهما .
ولنا : قول الله تعالى : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } ومن للتبعيض فيحتاج أن يمسح بجزء منه والنفخ لا يزيل الغبار الملاصق وذلك يكفي .
فصل : إذا خالط التراب ما لا يجوز التيمم به كالنورة والزرنيخ والجص فقال القاضي : حكمه حكم الماء إذا خالطته الطاهرات إن كانت الغلبة للتراب جاز وإن كانت الغلبة للمخالط لم يجز وقال ابن عقيل : يمنع وإن كان قليلا وهو مذهب الشافعي لأنه ربما حصل في العضو فمنع وصول التراب إليه وهذا فيما يعلق باليد فاما ما لا يعلق باليد فلا يمنع فان أحمد قد نص على أنه يجوز التيمم من الشعير وذلك لأنه لا يحصل على اليد منه ما يحول بين الغبار وبينها .
فصل : إذا كان في طين لا يجد ترابا فحكي عن ابن عباس أنه قال : يأخذ الطين فيطلي به جسده فإذا جف تيمم به وإن خاف فوات الوقت قبل جفافه فهو كالعادم أنه أن كان يجف قريبا انتظر جفافه وإن فات الوقت لأنه كطالب الماء القريب والمشتغل بتحصيله من بئر ونحوه وأن لطخ وجهه بطين لم يجزه لأنه لم يقع عليه اسم الصعيد ولأنه لا غبار فيه أشبه التراب الندي .
فصل : وإن عدم بكل حال صلى على حسب حاله وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي : لا يصلي حتى يقدر ثم يقضي لأنها عبادة لا تسقط القضاء فلم تكن واجبة كصيام الحائض وقال مالك : لا يصلي ولا يقضي لأنه عجز عن الطهارة فلم تجب عليه الصلاة كالحائض وقال ابن عبد البر : هذه رواية منكرة عن مالك وذكر عن أصحابه قولين كقول أبي حنيفة والثاني يصلي حسب حاله ويعيد .
ولنا : ما روى مسلم في صحيحه [ أن النبي A بعث أناسا لطلب قلادة أضلتها عائشه فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا النبي A فذكروا ذلك له فنزلت آية التيمم ولم ينكر النبي A ذلك ولا أمرهم بالإعادة ] فدل على أنها غير واجبة ولأن الطهارة شرط فلم تؤخر الصلاة عند عدمها كالسترة واستقبال القبلة وإذا ثبت هذا فاذا صلى على حسب حاله ثم وجد الماء أو التراب لم يلزمه إعادة الصلاة إحدى الروايتين والأخرى عليه الإعادة وهو مذهب الشافعي لأنه فقد شرط الصلاة أشبه ما لو صلى بالنجاسة والصحيح الأول لما ذكرنا من الخبر ولأنه أتى بما أمر فخرج من عهدته ولأنه شرط من شرائط الصلاة فيسقط عند العجز عنه كسائر شروطها وأركانها ولأنه أدى فرضه على حسب فلم يلزمه الإعادة كالعاجز عن السترة إذا صلى عريانا والعاجز عن استقبال إذا صلى إلى غيرها والعاجز عن القيام إذ صلى جالسا وقياس أبي حنيفة على الحائض في تأخير الصيام لا يصح لأن الصوم يدخله التأخير بخلاف الصلاة بدليل أن المسافر يؤخر الصوم دون الصلاة ولأن عدم الماء لو قام مقام الحيض لاسقط الصلاة بالكلية لأن قياس الصلاة على الصلاة أولى من قياسها على الصيام وأما قياس مالك فلا يصح لأن النبي A قال : [ إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ] وقياس الطهارة على سائر شرائط الصلاة أولى من قياسها على الحائض فإن الحيض أمر معتاد يتكرر عادة والعجز ههنا عذر نادر غير معتاد فلا يصح قياسه على الحيض ولأن هذا عذر نادر فلم يسقط الفرض كنسيان الصلاة وفقد سائر الشروط والله تعالى أعلم