مسائل وفصول : من أوصى بثلث ماله لرجل فقتل عمدا والتخصيص بالوصية .
مسألة : قال : ومن أوصى بثلث ماله لرجل فقتل عمدا أو خطأ وأخذت الدية فلمن أوصى له بالثلث ثلث الدية في احدى الروايتين والأخرى ليس لمن أوصى له بالثلث من الدية شيء .
اختلفت الرواية عن أحمد فيمن أوصى بثلث ماله أو جزء منه مشاع فقتل الموصي وأخذت ديته هلل للوصي منها شيء أو لا ؟ فنقل مهنا عن أحمد أنه يستحق منها وروي ذلك عن علي Bه في دية الخطأ وهو قول الحسن و مالك ونقل ابن منصور عن أحمد لا يدخل الدية في وصيته وروي ذلك عن مكحول وشريك و أبي ثور و داود وهو قول إسحاق وقال مالك في دية العمد لأن الدية إنما تجب للورثة بعد موت الموصي بدليل أن سببها الموت فلا يجوز وجوبها قبله لأن الحكم لا يتقدم سببه ولا يجوز أن تجب للميت بعد موته لأنه بالموت تزول أملاكه الثابتة له فكيف يتجدد له ملك ؟ فلا يدخل في الوصية لأن الميت إنما يوصي بجزء من ماله لا بمال ورثته ووجه الرواية الأولى أن الدية تجب للميت لأنها بدل نفسه ونفسه له فكذلك بدلها ولأن بدل أطرافه في حال حياته له فكذلك بدلها بعد موته ولهذا تقضى منها ديونه ويجهز منها إن كان قبل تجهيزه وإنما يزول من أملاكه ما استغنى عنه فأما ما تعلقت به حاجته فلا ولأنه يجوز أن يتجدد له ملك بعد الموت كمن نصب شبكة فسقط فيها صيد بعد موته فإنه يملك بحيث تقضى ديونه منه ويجهز فكذلك ديته لأن تنفيذ وصيته من حاجته فأشبهت قضاء ديته .
فصل : فإن كانت الوصية بمعين فعلى الرواية الأولى يعتبر خروجه من ثلث ماله وديته وعلى الأخرى يعتبر خروجه من أصل ماله دون ديته لأنها له ليست من ماله .
فصل : وإن أوصى ثم استفاد مالا قبل الموت فأكثر أهل العلم يقولون أن الوصية تعتبر من جميع ما يخلفه من التلاد والمستفاد ويعتبر ثلث الجميع هذا قول النخعي و الأوزاعي و مالك و الشافعي و أبي ثور وأصحاب الرأي وسواء علم أو لم يعلم وحكي عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك : لا يدخل في وصيته إلا ما علم إلا المدبر فإنه يدخل في كل شيء : .
ولنا أنه من ماله فدخل في وصيته كالمعلوم .
مسألة : قال : وإذا أوصى إلى رجل ثم أوصى بعده إلى آخر فهما وصيان إلا أن يقول قد أخرجت الأول .
معنى أوصى إلى رجل أي جعل له التصرف بعد موته فيما كان له التصرف فيه من قضاء ديونه واقتضائها ورد الودائع واستردادها وتفريق وصيته والولاية على أولاده الذين له الولاية عليهم من الصبيان والمجانين ومن لم يؤنس رشده والنظر لهم في أموالهم بحفظها والتصرف فيها بما لهم الحظ فيه فأما من لا ولاية له عليهم كالعقلاء الراشدين وغير أولاده من الأخوة والأعمام وسائر من عدا الأولاد فلا تصح الوصية عليهم لأنه لا ولاية للموصى عليهم في الحياة فلا يكون ذلك لنائبه بعد الممات ولا نعلم في هذا كله خلافا وبه يقول مالك و أبو حنيفة و الشافعي إلا أن أبا حنيفة و الشافعي قالا للجد ولاية على ابن ابنه وإن سفل لأن له ولادة وتعصيبا فأشبه الأب ولأصحاب الشافعي في الأم عند عدم الأب والجد وجهان : أحدهما : أن لها ولاية لأنها أحد الأبوين فأشبهت الأب .
ولنا أن الجد يدلي بواسطة فأشبه الأخ والعم وفارق الأب فإنه يدلي بنفسه ويحجب الجد ويخالفه في ميراثه وحجبه فلا يصح إلحاقه به ولا قياسه عليه وأما المرأة فلا تلي لأنها قاصرة لا تلي النكاح بحال فلا تلي مال غيرها كالعبد ولأنها لا تلي بولاية القضاء فكذلك بالنسب .
إذا ثبت هذا فإنه إذا أوصى إلى رجل ثم أوصى إلى آخر فهما وصيان إلا أن يقول قد أخرجت الأول أو قد عزلته لما ذكرنا فيما إذا أوصى بجارية لبشر ثم أوصى بها لبكر ولأنه قد وجدت الوصية إليهما من غير عزل واحد منهما فكانا وصيين كما لو أوصى إليهما دفعة واحدة فأما ان أخرج الأول انعزل وكان الثاني هو الوصي كما لو عزله بعد الوصية إلى الثاني .
فصل : ويجوز أن يوصي إلى رجل بشيء دون شيء مثل أن يوصي إلى إنسان بتفريق وصيته دون غيرها أو بقضاء ديونه أو بالنظر في أمر أطفاله حسب فلا يكون له غير ما جعل إليه ويجوز أن يوصي إلى إنسان بتفريق وصيته وإلى آخر بقضاء ديونه وإلى آخر بالنظر في أمر أطفاله فيكون لكل واحد منهم ما جعل إليه دون غيره ومتى أوصى إليه بشيء لم يصر وصيا في غيره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يصير وصيا في كل ما يملكه الوصي لأن هذه ولاية تنتقل من الأب بموته لا تتبعض كولاية الجد ولنا أنه استفاد التصرف بالاذن من جهة الآدمي فكان مقصورا على ما أذن فيه كالوكيل وولاية الجد ممنوعة ثم تلك ولاية استفادها بقرابته وهي لا تتبعض والاذن يتبعض فافترقا .
فصل : ويجوز أن يوصي إلى رجلين معا في شيء واحد ويجعل لكل واحد منهما التصرف منفردا فيقول أوصيت إلى كل واحد منكما أن ينفرد بالتصرف لأنه جعل كل واحد منهما وصيا منفردا وهذا يقتضي تصرفه على الانفراد وله أن يوصي إليهما ليتصرفا مجتمعين وليس لواحد منهما الانفراد بالتصرف ولأنه لم يجعل ذلك إليه ولم يرض بنظره وحده وهاتان الصورتان لا أعلم فيهما خلافا وإن أطلق فقال أوصيت إليكما في كذا فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف وبه قال مالك و الشافعي وقال أبو يوسف له ذلك لأن الوصية والولاية لا تتبعض فملك كل واحد منهما الانفراد بها كالأخوين في تزويج أختهما .
وقال أبو حنيفة ومحمد يستحسن على خلاف القياس فيبيح أن ينفرد كل واحد منهما بسبعة أشياء : كفن الميت وقضاء دينه وإنفاذ وصيته ورد الوديعة بعينها وشراء ما لا بد للصغير منه من الكسوة والطعام وقبول الهبة له والخصومة عن الميت فيما يدعى له أو عليه لأن هذه يشق الاجتماع عليها ويضر تأخيرها فجاز الانفراد بها .
ولنا أنه بينهما في النظر فلم يكن لأحدهما الانفراد كالوكيلين وما قاله أبو يوسف نقول به فإنه جعل الولاية إليهما باجتماعهما فليست متبعضة كما لو وكل وكيلين أو صرح للوصيين بأن لا يتصرفا إلا مجتمعين ثم يبطل ما قاله بهاتين الصورتين ويبطل ما قاله أبو حنيفه بهما أيضا وإذا تعذر اجتماعهما أقام الحاكم أمينا مقام الغائب