فصول : الوصية بثمرة الشجرة ونخلة الدار وإجارة العبد وحلم نفقة العبد الموصى بخدمته .
فصل : وإن أوصى بثمرة شجرة أو بستان أو غلة دار أو خدمة عبد صح سواء وصى بذلك في مدة معلومة أو بجميع الثمرة والمنفعة في الزمان كله هذا قول الجمهور منهم مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي وقال أبي أبي ليلى : لا تصح الوصية بالمنفعة لأنها معدومة .
ولنا أنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة فتصح الوصية بها كالأعيان ويعتبر خروج ذلك من ثلث المال نص عليه أحمد في سكنى الدار وهو قول كل من قال بصحة الوصية بها فان لم تخرج من الثلث أجيز منها بقدر الثلث وبهذا قال الشافعي وقال مالك : إذا أوصى بخدمة عبده سنة فلم يخرج من الثلث فالورثة بالخيار بين تسليم خدمته سنة وبين تسليم ثلث المال وقال أصحاب الرأي و أبو ثور : إذا أوصى بخدمة عبده سنة فإن العبد يخدم الموصى له يوما والورثة يومين حتى يستكمل الموصى له سنة فإن أراد الورثة بيع العبد بيع على هذا .
ولنا أنها وصية صحيحة فوجب تنفيذها على صفتها إن خرجت من الثلث أو بقدر ما يخرج من الثلث منها كسائر الوصايا أو كالأعيان إذا ثبت هذا فمتى أريد تقويمها فإن كانت الوصية مقيدة بمدة قوم الموصى بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة ثم تقوم المنفعة في تلك المدة فينظركم قيمتها وإن كانت الوصية مطلقة في الزمان كله فقد قيل تقوم الرقبة بمنفعتها جميعا ويعتبر خروجهما من الثلث لأن عبدا لا منفعة له وشجرا لا ثمر له لا قيمة له غالبا وقيل تقوم الرقبة على الورثة والمنفعة على الموصى له وصفة ذلك أن يقوم العبد بمنفعته فإذا قيل قيمته مائة قيل كم قيمته لا منفعة فيه ؟ فإذا قيل عشرة علمنا أن قيمة المنفعة تسعون .
فصل : وإن أراد الموصى له إجارة العبد أو الدار في المدة التي أوصى له بنفعها جاز وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز إجازة المنفعة المستحقة بالوصية لأنه إنما أوصى له بإستيفائه .
ولنا أنها منمفعة يملكها ملكا تاما فملك أخذ العوض عنها بالأعيان كما لو ملكها بالإجارة وإن أراد الموصى له إخراج العبد عن البلد فله ذلك وبه قال أبو ثور وقال أصحاب الرأي لا يخرجه إلا أن يكون أهله في غير البلد فيخرجه إلى أهله ولنا أنه مالك لنفعه فملك إخراجه كالمستأجر .
فصل : وإذا أوصى له بثمرة شجرة مدة أو بما يثمر أبدا لم يملك واحد من الموصى له والوارث إجبار الآخر على سقيها لأنه لا يجبر على سقي ملكه ولا سقي ملك غيره وإن أراد أحدهما سقيها على وجه لا يضر بصاحبه لم يملك الآخر منعه وإذا يبست الشجرة كان حطبها للوارث وإن وصى له بثمرتها سنة بعينها فلم تحمل تلك السنة فلا شيء للموصى له وإن قال لك ثمرتها أول عام تثمر صح وله ثمرتها أول عام تثمر وكذلك إذا أوصى له بما تحمل جاريته أو شاته وإن وصى لرجل بشجرة ولآخر بثمرتها صح وكان صاحب الرقبة قائما مقام الوارث وله ماله وإن وصى له بلبن شاة وصوفها صح كما تصح الوصية بثمرة الشجرة وإن وصي بلبنها خاصة أو صوفها خاصة صح ويقوم الموصى به دون العين .
فصل : فأما نفقة العبد الموصى بخدمته وسائر الحيوانات الموصى بنفعها فيحتمل أن تجب على صاحب الرقبة هذا الذي ذكره الشريف أبو جعفر مذهبا ل أحمد وهو قول أبي ثور وظاهر مذهب الشافعي لأن النفقة على الرقبة فكانت على صاحبها كالعبد المستأجر وكما لو لم يكن له منفعة قال الشريف : ولأن الفطرة تلزمه والفطرة تتبع النفقة ووجوب التابع على إنسان دليل على وجوب المتبوع عليه ويحتمل أن يجب على صاحب المنفعة وهو قول أصحاب الرأي والاصطخري وهو أصح إن شاء الله لأنه يملك نفعه على التأبيد فكانت النفقة عليه كالزوج ولأن نفعه له فكان عليه ضره كالمالك لهما جميعا يحققه أن إيجاب النفقة على من لا نفع له ضرر مجرد فيصير معنى الوصية أوصيت لك بنفع عبدي وأبقيت على ورثتي ضره وإن وصى بنفعه لإنسان ولآخر برقبته كان معناه أوصيت لهذا بنفعه ولهذا بضره والشرع ينفي هذا بقوله : [ لا ضرر ولا ضرار ] ولذلك جعل الخراج بالضمان ليكون ضره على من له نفعه وفارق المستأجر فان نفعه في الحقيقة للمؤجر لأنه يأخذ الأجر عوضا عن منافعه وقيل تجب نفقته في كسبه وهذا راجع إلى إيجابها على صاحب المنفعة لأن كسبه من منافعه فإذا صرف في نفقته فقد صرف المنفعة الموصى بها إلى النفقة فصار كما لو صرف إليه شيء من ماله سواه .
فصل : وإذا أعتق الورثة العبد عتق ومنفعته باقية للموصى له بها ولا يرجع على المعتق بشيء وإن أعتقه صاحب المنفعة لم يعتق لأنالعتق للرقبة وهو لا يملكها وإن وهب صاحب المنفعة منافعه للعبد وأسقطها عنه فللورثة الانتفاع به لأن ما يوهب للعبد يكون لسيده وإن أراد صاحب الرقبة بيع العبد فله ذلك ويباع مسلوب المنفعة ويقوم المشتري مقام البائع فيما له وعليه وقيل : لا يجوز بيعه من مالك منفعته دون غيره لأن ما لا منفعة فيه لا يصح بيعه كالحشرات والميتات وقيل : يجوز بيعه من مالك منفعته دون غيره لأن مالك منفعته يجتمع له الرقبة والمنفعة فينتفع بذلك بخلاف غيره ولذلك جاز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لصاحب الشجرة دون غيره وكذلك بيع الزرع لصاحب الأرض .
ولنا أنه عبد مملوك تصح الوصية به فصح بيعه كغيره ولأنه يمكنه اعتاقه وتحصيل ولائه وجر ولاء من ينجر ولاؤه بعتقه بخلاف الحشرات : وإن وصى لرجل برقبة عيد ولآخر بنفعه صح وقام الموصى له بالرقبة مقام الوارث فيما ذكرنا وبهذا قال الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي .
فصل : وإذا أوصى لرجل بمنفعة أمته فأتت بولد من زوج أو زنا فهو مملوك حكمه حكم أمه لأن الولد يتبع الأم في حكمها كولد المكاتبة والمدبرة ويحتمل أن يكون لمالك الرقبة لأن ذلك ليس من النفع الموصى به ولا هو من الرقبة الموصى بنفعها وإن وطئت بشبهة فأوجب المهر على الواطئ لصاحب المنفعة عند أصحابنا وعندي أنه لصاحب الرقبة لأن منافع البضع لا تصح الوصية بها منفردة ولا مع غيرها ولا يجوز نقلها مفردة عن الرقبة بغير التزويج وإنما هي تابعة للرقبة فتكون لصاحبها ولا يستحق صاحب المنفعة أخذ بدلها وإن أتت بولد فهو حر وتجب قيمته يوم وضعه لصاحب الرقبة في أحد الوجهين وفي الآخر يشترى بها عبد يقوم مقامه وليس للوارث ولا لصاحب المنفعة وطؤها لأن صاحب المنفعة لا يملك رقبتها ولا هو زوج لها ولا يباح الوطء بغيرهما لقول الله D { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } وصاحب الرقبة لا يملكها ملكا تاما ولا يأمن أن تحبل منه فربما افضى إلى إهلاكها وأيهما وطئها فلا حد عليه لأنه وطء بشبهة لوجود الملك لكل واحد منهما فيها وولده حر لأنه من وطء شبهة فإن كان الواطئ مالك المنفعة لم تصر أم ولد له لأنه لا يملكها وعليه قيمة ولدها يوم وضعه وحكمها على ما ذكرنا فيما إذا وطئها غيرهما بشبهة وإن كان الواطئ مالك الرقبة صارت أم ولد له لأنها علقت منه بحر في ملكه وفي وجوب قيمته عليه الوجهان وأما المهر فعندي أنه إن كان الواطئ مالكا للرقبة فلا مهر عليه وله المهر على صاحب المنفعة إذا كان هو الواطئ وعند أصحابنا وأصحاب الشافعي بعكس ذلك فيهما وقد تقدم تعليل ذلك ويحتمل أن يجب الحد على صاحب المنفعة إذا وطئ لأنه لا يملك إلا المنفعة فلزمه الحد كالمستأجر فعلى هذا يكون ولده مملوكا .
فصل : وليس لواحد منهما تزويجها لأن مالك المنفعة لا يملك رقبتها ومالك الرقبة لا يملك تزويجها لما فيه من ضرر صاحب المنفعة بتزويجها فإن طلبت ذلك لزم تزويجها لأنه لحقها وحقها في ذلك مقدم عليها بدليل أنها لو طلبته من سيدها الذي يملك رقبتها ونفعها أجبر عليه وقدم حقها على حقه وكذلك إن اتفقا على تزويجها قبل طلبها جاز ووليها في الموضعين مالك رقبتها لأنه مالكها والكلام في مهرها وولدها على ما تقدم في الفصل الذي قبله .
فصل : وإن قتل العبد الموصى بنفعه وجبت قيمته يشترى بها ما يقوم مقام الموصى به لأن كل حق تعلق بالعين تعلق ببدلها إذا لم يبطل سبب استحقاقها ويفارق الزوجة والعين المستأجرة لأن سبب الاستحقاق يبطل بتلفها ويحتمل أن تجب القيمة للوارث أو مالك الرقبة وتبطل الوصية لأن القيمة بدل الرقبة فتكون لصاحبها وتبطل الوصية بالمنفعة كما تبطل بالإجارة .
فصل : وإذا أوصى لرجل بحب زرعه ولآخر بنبته صح والنفقة بينهما لأن كل واحد منهما تعلق حقه بالزرع فإن امتنع أحدهما من الإنفاق فهما بمنزلة الشريكين في أصل الزرع إذا امتنع أحدهما من سقيه والإنفاق عليه فيخرج في ذلك وجهان أحدهما : يجبر على الإنفاق عليه هذا قول أبي بكر لأن في ترك الإنفاق ضررا عليهما وإضاعة المال وقد قال النبي A [ لا ضرر ولا ضرار ] ونهى عن إضاعة المال والوجه الآخر : لا يجبر لأنه لا يجبر على الإنفاق على مال نفسه ولا مال غيره إذا كان كل واحد منهما منفردا فكذلك إذا اجتمعا واصل الوجهين إذا استهدم الحائط المشترك فدعا أحد الشريكين الآخر إلى مباناته فامتنع وينبغي أن تكون النفقة بينهما على قدر قيمة حق كل واحد منهما كما لو كانا مشتركين في أصل الزرع .
فصل : وإن أوصى له بخاتم ولآخر بفصه صح وليس لواحد منهما الانتفاع به إلا بإذن صاحبه وأيهما طلب قلع الفص من الخاتم أجيب إليه وأجبر الآخر عليه وإن اتفقا على بيعه أو اصطلحا على لبسه جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما .
فصل : وإن أوصى لرجل بدينار من غلة داره وغلتها ديناران صح فإن أراد الورثة بيع نصفها وترك النصف الذي أجره دينار فله منعهم منه لأنه يجوز أن ينقص أجره عن الدينار وإن كانت الدار لا تخرج من الثلث فلهم بيع ما زاد عليه وعليهم وترك الثلث فإن كانت غلته دينارا أو أقل فهو للموصى له وإن كانت أكثر فله دينار والباقي للورثة .
وتصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه كالعبد الآبق والجمل الشارد والطير في الهواء والسمك في الماء لأن الوصية إذا صحت بالمعدوم فبذلك أولى ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث وهذا يورث فيوصى به فإن قدر عليه أخذه وسلمه إذا خرج من الثلث وللوصي السعي في تحصيله فإن قدر عليه أخذه إذا خرج من الثلث