مسألة وفصول : قال : والوصية بالحمل وللحمل جائزة وفروع في الوصية بالحمل .
فصل : وإذا أوصى لجماعة لا يمكن حصرهم واستيعابهم كالقبيلة العظيمة والفقراء والمساكين صح وأجزأ الدفع إلى واحد منهم وبه قال الشافعي في أحد الوجهين إلا أنه قال يدفع إلى ثلاثة منهم لأنه أقل الجمع وقال أبو حنيفة : لا تصح الوصية للقبيلة التي لا يمكن حصرها لأنها يدخل فيها الأغنياء والفقراء وإذا وقعت للأغنياء لم تكن قربة وإنما تكون حقا لآدمي وحقوق الآدميين إذا دخلت فيها الجهالة لم تصح كما لو أقر لمجهول .
ولنا أن كل وصية صحت لجماعة محصورين صحت لهم وإن لم يكونوا محصورين كالفقراء وما ذكروه غير صحيح فإن الوصية للأغنياء قربة وقد ندب النبي A إلى الهدية وإن كانت لغني وأما جواز الدفع إلى واحد فمبني على الدفع في الزكاة وقد مضى الكلام فيه هناك .
مسألة : قال : والوصية بالحمل وللحمل جائز إذا أتت به لأقل من ستة أشهر منذ تكلم بالوصية : .
أما الوصية بالحمل فتصح إذا كان مملوكا بأن يكون رقيقا أو حمل بهيمة مملوكة له لأن الغرر والخطر لا يمنع صحة الوصية فجرى مجرى إعتاق الحمل فإن انفصل ميتا بطلت الوصية وإن انفصل حيا وعلمنا وجوده حال الوصية أو حكمنا بوجوده صحت الوصية وإن لم يكن كذلك لم تصح لجواز مع الغرر وأما الوصية للحمل فصحيحة أيضا لا نعلم فيه خلافا وبذلك قال الثوري و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي وذلك لأن الوصية جرت مجرى الميراث من حيث كونها انتقال المال من الإنسان بعد موته إلى الموصى له بغير عوض كانتقاله إلى وارثه وقد سمى الله تعالى الميراث وصية بقوله سبحانه : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } : وقال سبحانه : { فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله } والحمل يرث فتصح الوصية له ولأن الوصية أوسع من الميراث فإنها تصح للمخالف في الدين والعبد بخلاف الميراث فإذا ورث الحمل فالوصية له أولى ولأن الوصية تتعلق بخطر وغرر فتصح للحمل كالعتق فإن انفصل الحمل ميتا بطلت الوصية لأنه لا يرث ولأنه يحتمل أن لا يكون حيا حين الوصية فلا تثبت له الوصية والميراث بالشك وسواء مات لعارض من ضرب البطن أو ضرب دواء أو غيره لما بينا من أنه لا يرث وإن وضعته حيا صحت الوصية له إذا حكمنا بوجوده حال الوصية نقل الخرقي إذا أتت به لأقل من ستة أشهر وليس ذلك شرطا في كل حال لكن إن كانت المرأة فراشا لزوج أو سيد يطؤها فأتت به لستة أشهر فما دون علمنا وجوده حين الوصية وإن أتت به لأكثر منها لم تصح الوصية له لاحتمال حدوثه بعد الوصية وإن كانت بائنا فأتت به لأكثر من أربع سنين من حين الفرقة وأكثر من ستة أشهر من حين الوصية لم تصح الوصية له وإن أتت به لأقل من ذلك صحت الوصية له لأن الولد يعلم وجوده إذا كان لستة أشهر ويحكم بوجوده إذا أتت به لأقل من أربع سنين من حين الفرقة وهذا مذهب الشافعي وإن وصى لحمل امرأة من زوجها أو سيدها صحت الوصية له مع اشتراط الحاقة به وإن كان منتفيا باللغان أو دعوى الإستبراء لم تصح الوصية له لعدم نسبه المشروط في الوصية فأما إن كانت المرأة فراشا لزوج أو سيد إلا أنه لا يطؤها لكونه غائبا في بلد بعيد أو مريضا مرضا يمنع الوطء أو كان أسيرا أو محبوسا أو علم الورثة أنه لم يطأها وأقروا بذلك فإن أصحابنا لم يفرقوا بين هذه الصور وبين ما إذا كان يطؤها لأنهما لم يفترقا في لحوق النسب بالزوج والسيد فكانت في حكم من يطؤها ويحتمل أنه متى أتت به في هذه الحال لوقت يغلب على الظن أنه كان موجودا حال الوصية مثل أن تضعه لأقل من غالب مدة الحمل أو تكون أمارات الحمل ظاهرة أو أتت به على وجه يغلب على الظن أنه كان موجودا بامارات الحمل بحيث ثحكم لها بكونها حاملا صحت الوصية له لأنه يثبت له أحكام الحمل من غير هذا الحكم وقد انتفت أسباب حدوثه ظاهرا فينبغي أن تثبت له الوصية والحكم بالحاقه بالزوج والسيد في هذا الصور إنما كان احتياطا للنسب فإنه يلحق بمجرد الاحتمال وإن كان بعيدا ولا يلزم من إثبات النسب بمطلق الاحتمال نفي استحقاق الوصية فإنه لا يحتاط لإبطال الوصية كما يحتاط لإثبات النسب فلا يلزم إلحاق ما لا يحتاط له بما يحتاط مع ظهور ما يثبته ويصححه .
فصل : وإن وصى بأصل الموجود اعتبر وجوده في حمل الأمة بما يعتبر وجود الحمل الموصى له وإن كان حمل بهيمة اعتبر وجوده بما يثبت به وجوده في سائر الأحكام .
فصل : وإذا أوصى لما تحمل هذه المرأة لم يصح وقال بعض أصحاب الشافعي : يصح كما تصح الوصية بما تحمل هذه الجارية .
ولنا أن الوصية تمليك فلا تصح للمعدوم بخلاف الموصى به فإنه يملك فلم يعتبر وجوده ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث ولو مات إنسان لم يرثه من الحمل إلا من كان موجودا كذلك الوصية ولو تجدد الميت مال بعد موته بأن يسقط في شبكته صيد لورثته ورثته ولذلك قضينا بثبوت الإرث في ديته وهي تتجدد بعد موته فجاز أن تملك بالوصية فإن قيل فلو وقف على من يحدث من ولده أو ولده فلان صح فالوصية أولى لأنها تصح بالمعدوم والمجهول بخلاف الوقف قلنا : الوصية أجريت مجرى الميراث ولا يحصل الميراث إلا لموجود فكذا الوصية والوقف يراد للدوام فمن ضرورته إثباته للمعدوم .
فصل : وإذا أوصى لحمل امرأة فولدت ذكرا فالوصية لهما بالسوية لأن ذلك عطية وهبة فأشبه ما لو وهبهما شيئا بعد ولادتهما وإن فاضل بينهما فهو على ما قال كالوقف وإن قال : إن كان في بطنها غلام فله ديناران وإن كان فيه جارية فلها دينار فولدت غلاما ودارية فلكل واحد منهما ما وصى له به لأن الشرط وجد فيه وإن ولدت أحدهما منفردا فله وصيته ولو قال : إن كان حملها أو إن كان ما في بطنها غلاما فله ديناران وإن كانت جارية فلها دينار فولدت أحدهما منفردا فله وصيته وإن ولدت غلاما وجارية فلا شيء لهما لأن أحدهما ليس هو جميع ولا كل ما في البطن وبهذا قال أصحاب الرأي وأصحاب الشافعي و أبو ثور