مسألة وفصول : ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث فلم يمت حتى صار الموصى له وارثا وفروع في صحة نكاح الأمة .
مسألة : قال : ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث فلم يمت الموصي حتى صار الموصى له غير وارث فالوصية له ثابتة لأن اعتبار الوصية بالموت : .
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن اعتبار الوصية بالموت فلو أوصى لثلاثة إخوة له متفرقين ولا ولد له ومات قبل أن يولد له ولد لم تصح الوصية لغير الأخ من الأب إلا بالإجازة من الورثة وإن ولد له ابن صحت الوصية لهم جميعا من غير إجازة إذا لم تتجاوز الوصية الثلث وإن ولدت له بنت جازت الوصية لأخيه من أبيه وأخيه من أمه فيكون لهما ثلثا الموصى به بينهما نصفين ولا يجوز للأخ من الأبوين لأنه وارث وبهذا يقول الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر وأصحاب الرأي وغيرهم ولا نعلم عن غيرهم خلافهم ولو أوصى لهم وله ابن فمات ابنه قبل موته لم تجز الوصية لأخيه من أبويه ولا لأخيه من أمه وجازت لأخيه من أبيه فإن مات الأخ من الأبوين قبل موته لم تجز الوصية للأخ من الأب أيضا لأنه صار وارثا .
فصل : ولو أوصى لامرأة أجنبية أو أوصت له ثم تزوجها لم تجز وصيتهما إلا بالإجازة من الورثة وإن أوصى أحدهما للآخر ثم طلقها جازت الوصية لأنه صار غير وارث إلا أنه إن طلقها في مرض موته فقياس المذهب أنها لا تعطى أكثر من ميراثها لأنه يتهم في أنه طلقها ليوصل إليها ماله بالوصية فلم ينفذ لها ذلك كما لو طلقها في مرض موته أو وصى لها بأكثر مما كانت ترث .
فصل : وإن أعتق أمته في صحته ثم تزوجها في مرضه صح وورثته بغير خلاف نعلمه وإن أعتقها في مرضه ثم تزوجها وكانت تخرج من ثلثه فنقل المروذي عن أحمد أنها تعتق وترث وهذا اختيار أصحابنا وهو قول أبي حنيفة لأنها امرأة نكاحها صحيح ولم يوجد في حقها مانع من موانع الإرث وهي الرق والقتل واختلاف الدين فترث كما لو كان أعتقها في صحتها وقال الشافعي تعتق ولا ترث لأنها لو ورثت لكان إعتاقها وصية لوارث فيؤدي توريثها إلى إسقاط توريثها لأن ذلك يقتضي إبطال عتقها فيبطل نكاحها ثم يبطل إرثها فكان إبطال الإرث وحده وتصحيح العتق والنكاح أولى .
فصل : وإن أعتق أمة لا يملك غيرها ثم تزوجها فالنكاح صحيح في الظاهر فإن مات ولم يملك شيئا آخر تبين أن نكاحها باطل ويسقط مهرها إن كان لم يدخل بها وهذا قول أبي حنيفة و الشافعي ويعتق منها ثلثها ويرق ثلثاها فإن كان قد دخل بها ومهرها نصف قيمتها عتق منها ثلاثة أسباعها ويرق أربعة أسباعها وحساب ذلك أن تقول عتق منها شيء ولها بصداقها نصف شيء وللورثة شيئان فيجمع ذلك ويكون ثلاثة أشياء ونصف نبسطها فتكون سبعة لها منها ثلاثة ولهم أربعة ولا شيء للميت سواها فنجعل لنفسها منها ثلاثة أسباعها يكون حرا والباقي للورثة وإن أحب الورثة أن يدفعوا إليها حصتها من مهرها وهو سبعاه ويعتق منها سبعاها ويسترقوا خمسة أسباعها فلهم ذلك وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يحسب مهرها من قيمتها ولها ثلث الباقي وتسعى فيما بقي وهو ثلث قيمتها فإن كان يملك مع الجارية قدر نصف قيمتها ولم يدخل بها عتق منها نصفها ورق نصفها لأن نصفها هو ثلث المال وإن دخل بها عتق منها ثلاثة أسباعها ولها ثلاثة أسباع مهرها وإنما قل العتق فيها لأنها لما أخذت ثلاثة أسباع مهرها نقص المال به فيعتق منها ثلث الباقي وهو ثلاثة أسباعها وحسابها أن تقول عتق منها شيء ولها بمهرها نصف شيء وللورثة شيئان يعدل ذلك الجارية ونصف قيمتها فالشيء سبعاها وسبعا نصف قيمتها وهو ثلاثة أسباعها فهو الذي عتق منها وتأخذ نصف ذلك من المال بمهرها وهو ثلاثة أسباعه فإن كان يملك معها مثل قيمتها ولم يدخل بها عتق ثلثاها ورق ثلثها وبطل نكاحها وإن كان دخل بها عتق أربعة أسباعها ولها أربعة أسباع مهرها ويبقى للورثة ثلاثة أسباعها وخمسة أسباع قيمتها وذلك يعدل مثلي ما عتق منها وحسابها أن تجعل السبعة الأشياء معادلة لها ولقيمتها فيعتق منها بقدر سبعي الجميع وهو أربعة أسباعها وتستحق سبع الجميع بمهرها وهو أربعة أسباع مهرها وإن كان يملك معها مثلي قيمتها عتقت كلها وصح نكاحها لأنها تخرج من الثلث إن أسقطت مهرها وإن أبت أن تسقطه لم ينفذ عتقها ويبطل نكاحها فإن كان لم يدخل بها فينبغي أن يقضي بعتقها ونكاحها ولا مهر لها لأن إيجابه يفضي إلى إسقاطه وإسقاط عتقها ونكاحها فإسقاطه وحده أولى وإن كان قد دخل بها عملنا فيها على ما تقدم فيعتق ستة أسباعها ولها ستة أسباع مهرها ويبطل عتق سبعها ونكاحها ولو أعتقها ولم يتزوجها ووطئها كان العمل فيها في هذه المواضع كما لو تزوجها وهذا مذهب الشافعي وذكر القاضي في مثل هذه المسألة التي قبل الأخيرة ما يقتضي صحة عتقها ونكاحها مع وجوب مهرها فإنه قال فيمن أعتق في مرضه أمة قيمتها مائة وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهما مهر مثلها يصح العتق والصداق والنكاح لأن المائتين صداق مثلها وتزويج المريض بمهر المثل صحيح نافذ وهذا غير جيد فإن ذلك يفضي إلى نفوذ العتق في المرض من جميع المال ولا أعلم به قائلا ولو أنه أتلف المائتين أو أصدقهما لامرأة أجنبية ومات ولم يخلف شيئا لبطل عتق ثلثي الأمة فإذا أخذتهما هي كان أولى في بطلانه والصحيح ما ذكرنا إن شاء الله تعالى وقال أبو حنيفة فيما إذا ترك مثلي قيمتها وكان مهرها نصف قيمتها تعطى مهرها وثلث الباقي بحسب ذلك من قيمتها وهو نصفها وثلثها فيعتق ذلك وتسعى في سدسها الباقي ويبطل نكاحها فأما إن خلف أربعة أمثال قيمتها صح عتقها ونكاحها وصداقها في قول الجميع لأن ذلك يخرج من الثلث وترث من الباقي في قول أصحابنا وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا ترث وهو مقتضى قول الخرقي لأنها لو ورثت لكان عتقها وصية لوارث واعتبار الوصية بالموت .
فصل : ولو أن امرأة مريضة أعتقت عبدا قيمته عشرة وتزوجها بعشرة في ذمته ثم ماتت وخلفت مائة اقتضى قول أصحابنا أن تضم العشرة التي في ذمته إلى المائة فيكون ذلك هو التركة ويرث نصف ذلك ويبقى للورثة خمسة وخمسون وهذا مذهب أبي حنيفة وقال صاحباه تحسب عليه قيمته أيضا وتضم إلى التركة ويبقى للورثة ستون وقال الشافعي لا يرث شيئا وعليه أداء العشرة التي في ذمته لئلا يكون إعتاقه وصية لوارث وهذا مقتضى قول الخرقي إن شاء الله تعالى .
فصل : ولو تزوج المريض امرأة صداق مثلها خمسة فأصدقها عشرة لا يملك غيرها ثم مات وورثته بطلت المحاباة لأنها وصية لوارث ولها صداقها وربع الباقي بالميراث فإن ماتت قبله صحت المحاباة ويدخلها الدور فيقول لها مهرها وهو خمسة وشيء بالمحاباة يبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء ثم رجع إليهم نصف مالها وهو ديناران ونصف شيء صار لهم سبعة ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين أجبر وقابل يتبين أن الشيء ثلاثة فيكون لورثتها أربعة ولورثته ستة وإن خلفت مع ذلك دينارين عاد إلى الزوج من ميراثها ثلاثة ونصف شيء فصار له ثمانية ونصف إلا نصف شيء أجبر وقابل يخرج الشيء ثلاثة وخمسين فصار لورثته ستة وأربعة أخماس ولورثتها خمسة وخمس .
فصل : وإذا أوصى بجارية لزوجها الحر فقبلها انفسخ النكاح لأن النكاح لا يجتمع مع ملك اليمين وظاهر المذهب أن الموصى له إنما يملك بالقبول فحينئذ ينفسخ النكاح وفيه وجه آخر أنه إذا قبل تبينا أن الملك كان ثابتا من حين موت الموصي فتبين حينئذ أن النكاح انفسخ من حين موت الموصي وإن أتت بولد لم تخل من ثلاثة أحوال أحدها : أن تكون حاملا به حين الوصية ويعلم ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر منذ أوصى فالصحيح أنه يكون موصى له معها لأن للحمل حكما ولهذا تصح الوصية به وإذا صحت الوصية به منفردا صحت الوصية به مع أمه فيصير كما لو كان منفصلا فأوصى بهما جميعا وفيه وجه آخر لا حكم للحمل فلا يدخل في الوصية وإنما ثبت له الحكم عند انفصاله كأنه حدث حينئذ فعلى هذا إن انفصل في حياة الموصي فهو له كسائر كسبها وإن انفصل بعد موته وقبل القبول فهو للورثة على ظاهر المذهب وإن انفصل بعده فهو للموصى له .
الحال الثاني : أن تحمل به بعد الوصية في حياة الموصي ويعلم ذلك بأن تضعه بعد ستة أشهر من حين أوصى لأنها ولدته لمدة الحمل بعد الوصية فيحتمل أنها حملته بعدها فلم يتناوله والأصل عدم الحمل حال الوصية فلا يثبته بالشك فيكون مملوكا للموصي إن ولدته في حياته وإن ولدته بعده وقلنا للحمل حكم فكذلك وإن قلنا لا حكم له فهو للورثة إن ولدته قبل القبول ولا بينة إن وضعته بعده وكل موضع كان الولد للموصى له فإنه يعتق عليه لأنه ابنه وعليه ولاء لأبيه لأنه عتق عليه بالقرابة وأمه أمة ينفسخ نكاحها بالملك ولا تصير أم ولد لأنها لم تعلق منه بحر في ملكه .
الحال الثالث : أن تحمل بعد موت الموصي وقبل القبول ويعلم ذلك بأن تضعه لأكثر من ستة أشهر من حين الموت فإن وضعته قبل القبول أيضا فهو للوارث في ظاهر المذهب لأن الملك إنما ثبت للموصي له بعد القبول وعلى الوجه الآخر يكون للموصى له وإن وان وضعته بعد القبول فكذلك لأن الظاهر أن للحمل حكما فيكون حادثا عن ملك الوارث وعلى الوجه الآخر يكون للموصى له فعلى هذا يكون حرا لا ولاء عليه لأنها أم ولد لكونها علقت منه بحر في ملكه فتصير كما لو حملت به بعد القبول ومذهب الشافعي في هذا الفصل قريب مما قلناه وقال أبو حنيفة إذا وضعته بعد موت الموصي دخل في الوصية بكل حال لأنها تستقر بالموت وتلزم فوجب أن تسري إلى الولد كالاستيلاد .
ولنا أنها زيادة منفصلة حادثة بعد عقد الوصية فلا تدخل فيها كالكسب وإذا أوصى بعتق جارية فولدت وتفارق الاستيلاد لأن له تغليبا وسراية وهذا التفريغ فيما إذا خرجت الجارية من الثالث وإن لم تخرج من الثلث ملك منها بقدر الثلث وانفسخ النكاح لأن ملك بعضها يفسخ النكاح كملك جميعها وكل موضع يكون الولد فيه لابنه فإنه يكون له منه ههنا بقدر ما ملك من أمه ويسري العتق إلى باقيه إن كان موسرا وإن كان معسرا فقد عتق منه ما ملك وحده وكل موضع قلنا تكون أم ولد فإنها تصير أم ولد ههنا سواء كان موسرا أو معسرا على قول الخرقي كما إذا استولد الأمة المشتركة قال القاضي تصير منها أم ولد بقدر ما ملك منها وهذا مذهب الشافعي والله أعلم