مسألة وفصول : قال : الوصية بأكثر من الثلث وإجازة الوارث لها .
مسألة : قال : ومن أوصى لغير وارث بأكثر من الثلث فأجاز ذلك الورثة بعد موت الموصي جاز وإن لم يجيزوا رد إلى الثلث : .
وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة وما زاد على الثلث يقف على إجازتهم فإن أجازوه جاز وإن ردوه بطل في قول جميع العلماء والأصل في ذلك [ قول النبي A لسعد حين قال أوصي بمالي كله ؟ قال لا قال فبالثلثين ؟ قال لا قال فبالنصف ؟ قال لا قال فبالثلث قال الثلث والثلث كثير ] وقوله عليه السلام [ إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند مماتكم ] يدل على أنه لا شيء له في الزائد عليه وحديث عمران بن حصين في المملوكين الذين أعتقهم المريض ولم يكن له مال سواهم فدعا بهم النبي A فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا يدل أيضا على أنه لا يصح تصرفه فيما عدا الثلث إذا لم يجز الورثة ويجوز بإجازتهم لأن الحق لهم والقول في بطلان الوصية بالزائد عن الثلث كالقول في الوصية للوارث على ما ذكرنا وهل إجازتهم تنفيذا وعطية مبتدأة ؟ فيه اختلاف ذكرناه في الوصية للوارث والخلاف فيه مبني على أن الوصية به أو العطية له في مرض الموت المخوف صحيحة موقوفة على الإجازة أو باطلة فظاهر المذهب أنها صحيحة وإن الإجازة تنفيذ مجرد يكفي فيه قول المجيز أجزت ذلك أو أنفذته أو نحوه من الكلام ولا يفتقر إلى شروط الهبة ويتفرع عن هذا الخلاف أنه لو أعتق عبدا لا مال له سواه في مرضه أو وصى بإعتاقه فأعتقوه بوصيته فقد نفذ العتق في ثلثه ووقف عتق باقيه على إجازة الورثة فإن أجازوه عتق جميعه واختص عصبات الميت بولائه كله إذا قلنا بصحة إعتاقه ووصيته وإن قلنا هي باطلة والإجازة عطية مبتدأة اختص عصبات الميت بثلث ولائه وكان ثلثاه لجميع الورثة بينهم على قدر ميراثهم لأنهم باشروه بالإعتاق وكذلك لو تبرع بثلث ماله في مرضه ثم أعتق أو وصى بالإعتاق فالحكم فيه على ما ذكرنا ولو أوصى لابن وارثه بعد تبرعه بثلث ماله أو أعطاه عطية في مرضه فأجاز أبوه وصيته وعطيته ثم أراد الرجوع فيما أجازه فله ذلك إن قلنا هي عطية مبتدأة وليس له ذلك على القول بأنها إجازة مجردة ولو تزوج رجل ابنة عمه فأوصت له بوصية أو عطية في مرض موتها ثم ماتت وخلفته وأباه فأجاز أبوه وصيته وعطيته فالحكم فيه على ما ذكرنا ولو وقف في مرضه على ورثته فأجازوا الوقف صح إن قلنا إجازتهم تنفيذ ولم يصح إن قلنا هي عطية مبتدأة ولأنهم يكونون واقفين على أنفسهم ولا فرق في الوصية بين المرض والصحة وقد روى حنبل عن أحمد أنه قال إن أوصى في المرض فهو من الثلث وإن كان صحيحا فله أن يوصي بما شاء يعني به العطية قاله القاضي أما الوصية فإنها عطية بعد الموت فلا يجوز منها إلا الثلث على كل حال .
فصل : ولا يعتبر الرد والإجازة إلا بعد موت الموصي فلو أجازوا قبل ذلك ثم ردوا أو أذنوا لموروثهم في حياته بالوصية بجميع المال أو بالوصية لبعض ورثته ثم بدا لهم فردوا بعد وفاته فلهم الرد سواء كانت الإجازة في صحة الموصي أو مرضه نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وروي ذلك عن ابن مسعود وهو قول شريح و طاوس و الحكم و الثوري و الحسن بن صالح و الشافعي و أبي ثور و ابن المنذر و أبي حنيفة وأصحابه وقال الحسن وعطاء وحماد بن أبي سليمان وعبد الملك بن يعلى و الزهري وربيعة و الأوزاعي و ابن أبي ليلى ذلك جائز عليهم لأن الحق للورثة فإذا رضوا بتركه سقط حقهم كما لو رضي المشتري بالعيب وقال مالك إن أذنوا له في صحته فلهم أن يرجعوا وإن كان ذلك في مرضه وحين يحجب عن ماله فذلك جائز عليهم .
ولنا أنهم أسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم كالمرأة إذا أسقطت صداقها قبل النكاح أو أسقط الشفيع حقه من الشفعة قبل البيع ولأنها حالة لا يصح فيها ردهم للوصية فلم يصح فيها إجازتهم كما قبل الوصية .
فصل : وإذا وصى بأكثر من الثلث فأجاز الوارث الوصية وقال إنما أجزتها ظنا أن المال قليل فبان كثيرا فإن كانت للموصي بينة تشهد باعترافه بمعرفة قدر المال أو كان المال ظاهرا لا يخفى عليه لم يقبل قوله إلا على قول من قال الإجازة هبة مبتدأة فله الرجوع فيما يجوز الرجوع في الهبة في مثله وإن لم تشهد بينة باعترافه بذلك فالقول قوله مع يمينه لأن الإجازة تنزلت منزلة الإبراء فلا يصح في المجهول والقول قوله في الجهل به مع يمينه لأن الأصل عدم العلم ويحتمل أن لا يقبل قوله لأنه أجاز عقدا له الخيار في فسخه فبطل خياره كما لو أجاز البيع من له الخيار في فسخه بعيب أو خيار وإن أوصى بمعين كعبد أو فرس يزيد على الثلث فأجاز الوصية بها ثم قال ظننت المال كثيرا تخرج الوصية من ثلثه فبان قليلا أو ظهر عليه دين لم أعلمه لم تبطل الوصية لأن العبد معلوم لا جهالة فيه ويحتمل أن يملك الفسخ لأنه قد يسمح بذلك ظنا منه أنه يبقى له من المال ما يكفيه فإذا بان خلاف ذلك لحقه الضرر في الإجازة فملك الرجوع كالمسألة التي قبلها .
فصل : ولا تصح الإجازة إلا من جائز التصرف فأما الصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه فلا تصح الإجازة منهم لأنها تبرع بالمال فلم تصح منهم كالهبة وأما المحجور عليه لفلس فإن قلنا الإجازة هبة لم تصح منه لأنه ليس له هبة ماله وإن قلنا هي تنفيذ صحت