فصول : امتناع أخذ الضوال لغير الإمام أو نائبه .
فصل : فإن أخذ هذا الحيوان الذي لا يجوز أخذه على سبيل الالتقاط ضمنه إماما كان أو غيره لأنه أخذ ملك غيره بغير إذنه ولا أذن الشارع له فهو كالغاصب فإن رده إلى موضعه لم يبرأ من الضمان وبهذا قال الشافعي وقال مالك : يبرأ لأن عمر Bه قال أرسله في الموضع الذي أصبته فيه وجرير طرد البقرة التي لحقت ببقره .
ولنا أن ما لزمه ضمانه لا يزول عنه إلا برده إلى صاحبه أو نائبه كالمسروق والمغصوب وأما حديث جرير فإنه لم يأخذ البقرة ولا أخذها راعيه إنما لحقت بالبقر فطردها عنها فأشبه ما لو دخلت داره فأخرجها فعلى هذا متى لم يأخذها بحيث ثبتت يده عليها لا يلزمه ضمانها سواء طردها أو لم يطردها وإن أخذها فلزمه ضمانها فدفعها إلى الإمام أو نائبه زال عنه الضمان لأن له نظرا في ضوال الناس بدليل أن له أخذها فكان نائبا عن أصحابها فيها .
فصل : وللإمام أو نائبه أخذ الضالة على وجه الحفظ لصاحبها لأن عمر Bه حمى موضعا يقال له النقيع لخيل المجاهدين والضوال ولأن للإمام نظرا في حفظ مال الغائب وفي أخذ هذه حفظ لها عن الهلاك ولا يلزمه تعريفها لأن عمر Bه لم يكن يعرف الضوال ولأنه إذا عرف ذلك فمن كانت له ضالة فإنه يجيء إلى موضع الضوال فإذا عرف ضالته أقام البينة عليها وأخذها ولا يكتفي فيها بالصفة لأنها ظاهرة بين الناس فيعرف صفاتها من رآها من غير أهلها فلا تكون الصفة لها دليلا على ملكه لها ولأن الضالة قد كانت ظاهرة بين الناس حين كانت في يد مالكها فلا يختص هو بمعرفة صفاتها دون غيره فلم يكن ذلك دليلا ويمكنه إقامة البينة عليها لظهورها للناس ومعرفة خلطائه وجيرانه بملكه إياها .
فصل : وإن أخذها غير الإمام أو نائبه ليحفظها لصاحبها لم يجز له ذلك ولزمه ضمانها لأنه لا ولاية له على صاحبها وهذا ظاهر مذهب الشافعي ولأصحابه وجه أن له أخذها لحفظها قياسا على الإمام ولا يصح لأن النبي A منع أخذها من غير تفريق بين قاصد الحفظ وقاصد الالتقاط ولا يصح القياس على الإمام لأن له ولاية وهذا لا ولاية له وإن وجدها في موضع يخاف عليها به مثل أن يجدها بأرض مسبعة يغلب على الظن أن الأسد يفترسها إن تركت به أو فرسا من دار الحرب يخاف عليها من أهلها أو بموضع يستحل أهله أموال المسلمين كواد التيم أو في برية لا ماء بها ولا مرعى فالأولى جواز أخذها للحفظ ولا ضمان على آخذها لأن فيه إنقاذها من الهلاك فأشبه تخليصها من غرق أو حريق فإذا حصلت في يده سلمها إلى نائب الإمام وبرئ من ضمانها ولا يملكها بالتعريف لأن الشرع لم يرد بذلك فيها .
فصل : وما يحصل عند الإمام من الضوال فإنه يشهد عليها ويسمها بأنها ضالة ثم إن كان له حمى ترعى فيه تركها فيه إن رأى ذلك وإن رأى المصلحة في بيعها وحفظ ثمنها أو لم يكن له حمى باعها بعد أن يحليها ويحفظ صفاتها ويحفظ ثمنها لصاحبها فإن ذلك أحفظ لها لأن تركها يفضي إلى أن تأكل جميع ثمنها