مسائل وفصول : تفصيل وفروع في أحكام اللقطة .
مسألة : قال : وإن كان الملتقط قد مات فصاحبها غريم بها : .
وجملة ذلك أن الملتقط إذا مات واللقطة موجودة بعينها قام وارثه مقامه في إتمام تعريفها إن مات قبل الحول ويملكها بعد إتمام التعريف فإن مات بعد الحول ورثها الوارث كسائر أموال الميت ومتى جاء صاحبها أخذها من الوارث كما يأخذها من الموروث فإن كانت معدومة العين فصاحبها غريم للميت بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال أو بقيمتها إن لم تكن كذلك فيأخذ ذلك من تركته إن اتسعت لذلك وإن ضاقت التركة زاحم الغرماء ببدلها سواء تلفت بعد الحول بفعله أو بغير فعله لأنها قد دخلت في ملكه بمضي الحول وإن علم أنها تلفت قبل الحول بغير تفريطه فلا ضمان عليه ولا شيء لصاحبها لأنها أمانة في يده تلفت بغير تفريطه فلم يضمنها كالوديعة وكذلك أن تلفت بعد الحول قبل تملكها من غير تفريط على رأي من رأى أنها لا تدخل في ملكه حتى يتملكها وقد مضى الكلام في ذلك فأما إن لم يعلم تلفها ولم يجدها في تركته فظاهر كلام الخرقي أن صاحبها غريم بها سواء كان قبل الحول أو بعده لأن الأصل بقاؤها ويحتمل أن لا يلزم الملتقط شيء ويسقط حق صاحبها لأن الأصل براءة ذمة الملتقط منها ويحتمل أن تكون تلفت بغير تفريطه فلا نشغل ذمته بالشك ويحتمل أنه إن كان الموت قبل الحول فلا شيء عليه لأنها كانت أمانة عنده ولم تعلم جنايته فيها والأصل براءة ذمته منها وإن مات بعد الحول فهي في تركته لأن الأصل بقاؤها إلى ما بعد الحول ودخولها في ملكه ووجوب بدلها عليه فإن قيل فقد قلتم إن صاحبها لو جاء بعد بيع الملتقط لها أو هبته لم يكن له إلا بدلها فلم قلتم أنها إذا انتقلت إلى الوارث بملك صاحبها أخذها ؟ قلنا لأن الوارث خليفة الموروث وإنما يثبت له الملك فيها على الوجه الذي كان ثابتا لموروثه وملك موروثه فيها كان مراعى مشروطا بعدم مجيء صاحبها فكذلك ملك وارثه بخلاف ملك المشتري والمتهب فإنهما يملكان ملكا مستقرا .
مسألة : قال : وإن كان صاحبها جعل لمن وجدها شيئا معلوما فله أخذه إن كان التقطها بعد أن بلغه الجعل : .
وجملة ذلك أن الجعالة في رد الضالة والابق وغيرهما جائزة وهذا قول أبي حنيفة و مالك و الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا والأصل في ذلك قول الله D { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } وروى أبو سعيد [ أن ناسا من أصحاب رسول الله A أتوا حيا من أحياء العرب فلم يقروهم فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا هل فيكم راق ؟ فقالوا لم تقرونا فلا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا فجعلوا لهم قطيع شياه فجعل رجل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ الرجل فأتوهم بالشاء فقالوا لا نأخذها حتى نسأل عنها رسول الله A فسألوا النبي A فقال : وما أدراك أنها رقية ؟ خذوها واضربوا لي معكم بسهم ] رواه البخاري ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك فإن العمل قد يكون مجهولا كرد الآبق والضالة ونحو ذلك ولا تنعقد الإجارة فيه والحاجة داعية إلى ردهما وقد لا يجد من يتبرع به فدعت الحاجة إلى إباحة بذل الجعل فيه مع جهالة العمل لأنها غير لازمة بخلاف الإجارة ألا ترى أن الإجارة لما كانت لازمة افتقرت إلى تقدير مدة والعقود الجائزة كالشركة والوكالة لا يجب تقدير مدتها ولأن الجائزة لكل واحد منهما تركها فلا يؤدي إلى أن يلزمه مجهول عنده بخلاف اللازمة إذا ثبت هذا فإذا قال من رد علي ضالتي أو عبدي الآبق أو خاط لي هذا القميص أو بنى لي هذا الحائط فله كذا وكذا صح وكان عقدا جائزا لكل واحد منهما الرجوع فيه قبل حصول العمل لكن إن رجع الجاعل قبل التلبس بالعمل فلا شيء عليه وإن رجع بعد التلبس به فعليه للعامل أجرة مثله لأنه إنما عمل بعوض فلم يسلم له وإن فسخ العامل قبل إتمام العمل فلا شيء له لأنه أسقط حق نفسه حيث لم يأت بما شرط عليه العوض ويصير كعامل المضاربة وإذا فسخ قبل ظهور الربح ولا بد أن يكون العوض معلوما والفرق بينه وبين العمل من وجهين : .
أحدهما : أن الحاجة تدعو إلى كون العمل مجهولا بأن لا يعلم موضع الضالة والآبق ولا حاجة إلى جهالة العوض .
والثاني : أن العمل لا يصير لازما فلم يجب كونه معلوما والعوض يصير لازما بإتمام العمل فوجب كونه معلوما ويحتمل أن تجوز الجعالة مع جهالة العوض إذا كانت الجهالة لا تمنع التسليم نحو أن يقول من رد عبدي الآبق فله نصفه ومن رد ضالتي فله ثلثها فإن أحمد قال إذا قال الأمير في الغزو من جاء بعشرة رؤوس فله رأس جاز وقالوا : إذا جعل جعلا لمن يدله على قلعة أو طريق سهل وكان الجعل من مال الكفار جاز أن يكون مجهولا كجارية بعينها العامل فتخرج ههنا مثله فأما إن كانت الجهالة تمنع التسليم لم تصح الجعالة وجها واحدا وإن كان العمل معلوما مثل أن يقول : من رد عبدي من البصرة أو بنى لي هذا الحائط أو خاط قميصي هذا فله كذا صح لأنه إذا صح مع الجهالة فمع العلم أولى وإن علقه بمدة معلومة فقال من رد لي عبدي من العراق إلى شهر فله دينار أو من خاط قميصي هذا في اليوم فله درهم صح لأن المدة إذا جازت مجهولة فمع التقدير أولى فإن قيل الصحيح من المذهب أن مثل هذا لا يجوز في الإجارة فكيف أجزتموه في الجعالة ؟ قلنا الفرق بينهما من وجوه أحدها : أن الجعالة يحتمل فيها الغرر وتجوز جهالة العمل والمدة بخلاف الإجارة الثاني : أن الجعالة عقد جائز فلا يلزمه بالدخول فيها مع الغرر ضرر بخلاف الإجارة فإنها عقد لازم فإذا دخل فيها مع الغرر لزمه ذلك الثالث : أن الإجارة إذا قدرت بمدة لزمه العمل في جميعها ولا يلزمه العمل بعدها فإذا جمع بين تقدير المدة والعمل فربما عمله قبل المدة فإن قلنا يلزمه العمل في بقية المدة فقد لزمه من العمل أكثر من المعقود عليه وإن قلنا لا يلزمه فقد خلا بعض المدة من العمل فإن انقضت المدة قبل عمله فألزمناه إتمام العمل فقد لزمه العمل في غير المدة المعقود عليها وإن قلنا لا يلزمه العمل فما أتى بالمعقود عليه من العمل بخلاف مسألتنا فإن العمل الذي يستحق به الجعل هو عمل مقيد بمدة إن أتى به فيها استحق الجعل ولا يلزمه شيء آخر وإن لم يف به فيها فلا شيء له إذا ثبت هذا فإنما يستحق الجعل من عمل العمل بعد أن بلغه ذلك لأنه عوض يستحق بعمل فلا يستحقه من لم يعمل كالأجر في الإجارة .
فصل : ويجوز أن يجعل الجعل في الجعالة لواحد بعينه فيقول له إن رددت عبدي فلك دينار فلا يستحق الجعل من يرده سواه ويجوز أن يجعله لغير معين فيقول من رد عبدي فله دينار فمن رده استحق الجعل ويجوز أن يجعل لواحد في رده شيئا معلوما ولآخر أكثر منه أو أقل ويجوز أن يجعل للمتعين عوضا ولسائر الناس عوضا آخر لأنه يجوز أن يكون الأجر في الإجارة مختلفا مع التساوي في العمل فههنا أولى فإن قال من رد لقطتي فله دينار فردها ثلاثة فلهم الدينار بينهم أثلاثا لأنهم اشتركوا في العمل الذي يستحق به العوض فاشتركوا في العوض كالأجر في الإجارة فإن قيل أليس لو قال من دخل هذا النقب فله دينار فدخله جماعة استحق كل واحد منهم دينارا كاملا فلم لا يكون ههنا كذلك ؟ قلنا لأن كل واحد من الداخلين دخل دخولا كاملا كدخول المنفرد فاستحق العوض كاملا وههنا لم يرده واحد منهم كاملا إنما اشتركوا فيه فاشتركوا في عوضه فنظير مسألة الدخول ما لو قال من رد عبدا من عبيدي فله دينار فرد كل واحد منهم عبدا ونظير مسألة الرد ما لو قال من نقب السور فله دينار فنقب ثلاثة نقبا واحدا فإن جعل لواحد في ردها دينارا ولآخر دينارين ولثالث ثلاثة فرده الثلاثة فلكل واحد منهم ثلث ما جعل له لأنه عمل ثلث العمل فاستحق ثلث المسمى فإن جعل لواحد دينارا ولآخرين عوضا مجهولا فردوه معا فلصاحب الدينار ثلاثة وللآخرين أجر عملهما وإن جعل لواحد شيئا في ردها فردها هو وآخران معه وقالا رددناه معاونة له استحق جميع الجعل ولا شيء لهما وإن قالا رددناه لنأخذ العوض لأنفسنا فلا شيء لهما وله ثلث الجعل لأنه عمل ثلث العمل فاستحق ثلث الجعل ولم يستحق الآخران شيئا لأنهما عملا من غير جعل وهذا كله مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافا .
فصل : وإن قال : من رد عبدي من بلد كذا فله دينار فرده إنسان من نصف طريق ذلك البلد استحق نصف الجعل لأنه عمل نصف العمل وكذلك لو قال من رد عبدي فله دينار فرد أحدهما فله نصف الدينار لأنه رد نصف العبدين وإن رد العبد من غير البلد المسمى فلا شيء له لأنه لم يجعل في رده منه شيئا فأشبه ما لو جعل في رد أحد عبديه شيئا فرد الآخر ولو قال من رد عبدي فله دينار فرده إنسان إلى نصف الطريق فهرب منه لم يستحق شيئا لأنه شرط الجعل برده ولم يرده وكذلك لو مات كما لو استأجر لخياطة ثوب فخاطه ولم يسلمه حتى تلف لم يستحق أجرة فإن قيل فإن كان الجاعل قال من وجد لقطتي فله دينار فقد وجد الوجدان ؟ قلنا قرينة الحال تدل على اشتراط الرد والمقصود هو الرد لا الوجدان المجرد وإنما اكتفى بذكر الوجدان لأنه سبب الرد فصار كأنه قال من وجد لقطتي فردها علي .
فصل : والجعالة تساوي الإجارة في اعتبار العلم بالعوض وما كان عوضا في الإجارة جاز أن يكون عوضا في الجعالة وما لا فلا وفي أن ما جاز أخذ العوض عليه في الإجارة من الأعمال جاز أخذه عليه في الجعالة وما لا يجوز أخذ الأجرة عليه في الإجارة مثل الغناء والزمر وسائر المحرمات لا يجوز أخذ الجعل عليه وما يختص فاعله أن يكون من أهل القربة مما لا يتعدى نفعه فاعله كالصلاة والصيام لا يجوز أخذ الجعل عليه فإن كان مما يتعدى نفعه كالأذان والإقامة والحج ففيه وجهان كالروايتين في الإجارة ويفارق الإجارة في أنه عقد جائز وهي لازمة وإنه لا يعتبر العلم بالمدة ولا بمقدار العمل ولا يعتبر وقوع العقد مع واحد معين فعلى هذا متى شرط عوضا مجهولا كقوله إن رددت عبدي فلك ثوب أو فلك سلبه أو شرط عوضا محرما كالخمر والحر أو غير مقدور عليه كقوله من رد عبدي فله ثلثه أو من رد عبدي فله أحدهما فرده إنسان استحق أجر المثل لأنه عمل عملا بعوض لم يسلم له فاستحق أجره كما في الإجارة .
فصل : ومن رد لقطة أو ضالة أو عمل لغيره عملا غير رد الآبق بغير جعل لم يستحق عوضا لا نعلم في هذا خلافا لأنه عمل يستحق به العوض مع المعاوضة فلا يستحق مع عدمها كالعمل في الإجارة فإن اختلفا في الجعل فقال جعلت لي في رد لقطتي كذا فأنكره المالك فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل معه وإن اتفقا على العوض واختلفا في قدره فالقول قول المالك لأن الأصل عدم الزائد المختلف فيه ولأن القول قوله في أصل العوض فكذلك في قدره كرب المال في المضاربة ويحتمل أن يتحالفا كالمتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن والأجير والمستأجر إذا اختلفا في قدر الأجر فعلى هذا إن تحالفا فسخ العقد ووجب أجر المثل وكذلك الحكم إن اختلفا في المسافة فقال جعلت لك الجعل على ردها من حلب فقال بل على ردها من حمص وإن اختلفا في عين العبد الذي جعل الجعل في رده فقال رددت العبد الذي شرطت لي الجعل فيه قال بل شرطت لك الجعل في العبد الذي لم ترده فالقول قول المالك لأنه أعلم بشرطه ولأنه ادعى عليه شرطا في هذا العقد فأنكره والأصل عدم الشرط .
فصل : أما العبد الآبق فإنه يستحق الجعل برده وإن لم يشرط له روي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز ومالك وأصحاب الرأي وقد روي عن أحمد أنه لم يكن يوجب ذلك قال ابن منصور سئل أحمد عن جعل الآبق فقال لا أدري قد تكلم الناس فيه لم يكن عنده فيه حديث صحيح فظاهر هذا أنه لا جعل له فيه وهو ظاهر قول الخرقي فإنه قال : وإذا أبق العبد فلمن جاء به إلى سيده ما أنفق عليه ولم يذكر جعلا وهذا قول النخعي و الشافعي و ابن المنذر لأنه عمل لغيره عملا من غير أن يشرط له عوضا فلم يستحق شيئا كما لو رد جمله الشارد .
ووجه الرواية الأولى ما روى عمرو بن دينار وابن أبي مليكة [ أن النبي A جعل في جعل الآبق إذا جاء به خارجا من الحرم دينارا ] وأيضا فإنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم في زمنهم مخالفا فكان إجماعا ولأن في شرط الجعل في ردهم حثا على رد الإباق وصيانة لهم عن الرجوع إلى دار الحرب وردتهم عن دينهم وتقوية أهل الحرب بهم فينبغي أن يكون مشروعا لهذه المصلحة وبهذا فارق رد الشارد فإنه لا يفضي إلى ذلك والرواية الأخرى أقرب إلى المصلحة لأن الأصل عدم الوجوب والخبر المروي في هذا مرسل وفيه مقال ولم يثبت الإجماع فيه ولا القياس فإنه لم يثبت اعتبار الشرع لهذه المصلحة المذكورة فيه ولا تحققت أيضا فإنه ليس الظاهر هربهم إلى دار الحرب إلا في المجلوب منها إذا كانت قريبة وهذا بعيد فيهم فأما على الرواية الأولى فقد اختلفت الرواية في قدر الجعل فروي عن أحمد أنه عشرة دراهم أو دينار و دينار إن رده من المصر وإن رده من خارجه ففيه روايتان إحداهما : يلزمه دينار أو اثنا عشر درهما للخبر المروي فيه ولأن ذلك يروى عن عمر وعلي Bهما والثانية : له أربعون درهما إن رده من خارج المصر اختارها الخلال وهو قول ابن مسعود وشريح فروى أبو عمرو الشيباني قال قلت لعبد الله بن مسعود : إني أصبت عبيدا إباقا فقال لك أجر وغنيمة فقلت هذا الأجر فما الغنيمة ؟ قال من كل رأس أربعين درهما .
وقال أبو إسحاق : أعطيت الجعل في زمن معاوية أربعين درهما وهذا يدل على أنه مستفيض في العصر الأول قال الخلال : حديث ابن مسعود أصح إسنادا وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال إذا وجده على مسيرة ثلاث فله ثلاثة دنانير وقال أبو حنيفة : إن رده من مسيرة ثلاثة أيام فله أربعون درهما وإن كان من دون ذلك يرضخ له على قدر المكان الذي تعنى إليه ولا فرق عند إمامنا بين أن يزيد الجعل على قيمة العبد أو لا يزيد وبهذا قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة إن كان قليل القيمة نقص الجعل من قيمته درهما لئلا يفوت عليه العبد جميعه .
ولنا عموم الدليل ولأنه جعل يستحق في رد الآبق فاستحقه وإن زاد على قيمته كما لو جعله له صاحبه ويستحقه إن مات سيده في تركته وبهذا قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف إن كان الذي رده من ورثة المولى سقط الجعل .
ولنا أن هذا عوض عن عمله فلا يسقط بالموت كالأجر في الإجارة وكما لو كان من غير ورثة المولى إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون من رده معروفا برد الإباق أو لم يكن وبهذا قال أصحاب الرأي وقال مالك إن كان معروفا بذلك استحق الجعل وإلا فلا ولنا الخبر والأثر المذكور من غير تفريق ولأنه رد آبقا فاستحق الجعل كالمعروف بردهم .
فصل : ويجوز أخذ الآبق لمن وجده وبهذا قال مالك و الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا وذلك لأن العبد لا يؤمن لحاقه بدار الحرب وارتداده واشتغاله بالفساد في في سائر البلاد بخلاف الضوال التي تحفظ نفسها فإذا أخذه فهو أمانة في يده إن تلف بغير تفريطه فلا ضمان عليه وإن وجد صاحبه دفعه إليه إذا اقام به البينة أو اعترف العبد أنه سيده وإن لم يجد سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه أو يبيعه إن رأى المصلحة في بيعه ونحو ذلك قال مالك وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه لأن العبد ينحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل فإن باعه فالبيع فاسد في قول عامة أهل العلم منهم أبو حنيفة و الشافعي وإن باعه الإمام لمصلحة رآها في بيعه فجاء سيده فاعترف أنه كان أعتقه قبل منه لأنه لا يجر إلى نفسه بهذا نفعا ولا يدفع عنها ضررا ويحتمل أن لا يقبل لأنه ملك لغيره فلا يقبل إقراره في ملك غيره كما لو باعه السيد ثم أقر بعتقه فعلى هذا ليس لسيده أخذ ثمنه لأنه يقر أنه حر ولا يستحق ثمنه ولكن يؤخذ إلى بيت المال لأنه لا مستحق له فهو كتركة من مات ولا وارث له فإن عاد السيد فأنكر العتق وطلب المال دفع إليه لأنه مال لا منازع له فيه .
فصل : وإذا أبق العبد فحصل في يد حاكم فأقام سيده بينة عند حاكم بلد آخر أن فلانا الذي صفته كذا وكذا واستقصى صفاته عبد فلان بن فلان أبق منه فقبل الحاكم بينته وكتب الحاكم إلى الحاكم الذي عنده العبد ثبت عندي إباق عبد فلان الذي صفته كذا وكذا قبل كتابه وسلم إليه العبد وهذا قول أبي يوسف ومحمد وأحد قولي الشافعي إلا أن أبا يوسف قال : يأخذ به كفيلا لأن البينة أثبتته بصفاته كما ثبت في الذمة بوصفه في السلم وقال أبو حنيفة ومحمد : لا يجب تسليمه لأنهم لا يشهدون على عينه وإنما يشهدون بالصفات وقد تتفق الصفات مع اختلاف الأعيان ويفارق المسلم فيه فإن الواجب أقل ما يوجد منه الصفة وهو غير معين .
ولنا أنه يقبل كتاب الحاكم إلى الحاكم على شخص غائب ويؤخذ المحكوم عليه بالحق وليس ثم شهادة على عين وإنما يؤخذ المحكوم عليه باسمه ونسبه وصفته فكذا ها هنا إذا ثبت وجوب تسليمه فإن الحاكم الذي يسلمه يختم في عنقه خيطا ضيقا لا يخرج من رأسه ويدفعه إلى المدعي أو وكيله ليحمله إلى الحاكم الكاتب ليشهد الشهود على عينه فإن شهدوا بعينه سلم إلى مدعيه وإن لم يشهدوا وجب رده إلى الحاكم الأول ويكون في ضمان الذي أخذه لأنه أخذه بغير استحقاق .
مسألة : قال : وإن كان التقطها قبل ذلك فردها لعلة الجعل لم يجز له أخذها : .
إنما كان كذلك لأنه إذا التقطها قبل أن يبلغه الجعل فقد التقطها بغير عوض وعمل في مال غيره بغير جعل جعل فلا يستحق شيئا كما لو التقطها ولم يجعل ربها فيها شيئا وفارق الملتقط بعد بلوغه الجعل فإنه إنما بذل منافعه بعوض جعل له فاستحقه كالأجير إذا عمل بعد العقد وسواء كان التقاطه لها بعد الجعل أو قبله لما ذكرنا ولا يستحق أخذ الجعل بردها لأن الرد واجب عليه من غير عوض فلم يجز أخذ العوض عن الواجب كسائر الواجبات وإنما يأخذه الملتقط في موضع يجوز له أخذه عوضا عن الالتقاط المباح إذا ثبت هذا فإن ملتقطها قبل أن يبلغه الجعل لا يستحق شيئا سواء ردها لعلة الجعل أو لغيره لأنه إذا لم يستحقه مع قصده إياه وعمله من أجله فلأن لا يستحقه مع عدم ذلك أولى وإنما ذكر الخرقي ردها لعلة الجعل إن شاء الله لينبه به على عدم استحقاقه فيما إذا ردها لغير علة ولأن الحاجة إنما تدعو إلى معرفة الحكم فيمن يريد الجعل أما من تركه ولا يريده فلا يقع التنازع فيه غالبا والله أعلم