فصول : فيمن اصطاد سمكة أو غزالا أو اشترى شاة فوجد في بطنها درة أو وجد غيره على شاطء اليمن أو دفنا في الدار التي يسكنها .
فصل : ومن اصطاد سمكة فوجد فيها درة فهي للصياد لأن الدر يكون في البحر بدليل قول الله تعالى { وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } فتكون لآخذها فإن باعها الصياد ولم يعلم فوجدها المشتري في بطنها فهي للصياد نص عليه أحمد لأنه إذا لم يعلم ما في بطنها فلم يبعه ولم يرض بزوال ملكه عنه فلم يدخل في البيع كمن باع دارا له مال مدفون فيها وإن وجد في بطنها عنبرة أو شيئا مما يكون في البحر فهو للصياد لما ذكرنا وحكمه حكم الجوهرة وإن وجد دراهم أو دنانير فهي لقطة لأن ذلك لا يخلق في البحر ولا يكون إلا لآدمي فيكون لقطة كما لو وجده في البحر وكذلك الحكم في الدرة إذا كان فيها أثر لآدمي مثل أن تكون مثقوبة أو متصلة بذهب أو فضة أو غيرهما فإنها تكون لقطة لا يملكها الصياد لأنها لم تقع في البحر حتى تثبت اليد عليها فهي كالدينار وكذلك الحكم في العنبرة إذا كانت موصولة بذهب أو فضة أو مصنوعة كالتفاحة مثقوبة ونحو ذلك مما لا يخلق عليه في البحر فهي لقطة وإن وجدها الصياد فعليه تعريفها لأنه ملتقطها وإن وجدها المشتري فالتعريف عليه لأنه واجدها ولا حاجة إلى البداية بالبائع فإنه لا يحتمل أن تكون السمكة ابتلعت ذلك بعد اصطيادها وملك الصياد لها فاستوى هو وغيره فأما إن اشترى شاة ووجد في بطنها درة أو عنبرة أو دنانير أو دراهم فهي لقطة يعرفها ويبدأ بالبائع لأنه يحتمل أن تكون ابتلعتها في ملكه فيبدأ به كقولنا في مشتري الدار إذا وجد فيها مالا مدفونا وإن اصطاد السمكة من غير البحر كالنهر والعين فحكمها حكم الشاة في أن ما وجد في بطنها من ذلك فهو لقطة درة كانت أو غيرها لأن ذلك لا يكون إلا في البحر بحكم العادة ويحتمل أن تكون الدرة للصياد لقول الله تعالى { ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها } .
فصل : وإن وجد عنبرة على ساحل البحر فهي له لأنه يمكن أن يكون البحر ألقاها والأصل عدم الملك فيها فكانت مباحة لآخذها كالصيد وقد روى سعيد قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن معاوية بن عمرو العبدي قال ألقى بحر عدن عنبرة مثل البعير فأخذها ناس بعدن فكتب إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إلينا أن خذوا منها الخمس وادفعوا إليهم سائرها وإن باعوكموها فاشتروها فأردنا أن نزنها فلم نجد ميزانا يخرجها فقطعناها بائنين ووزناها فوجدناها ستمائة رطل فأخذنا خمسها ودفعنا سائرها إليهم ثم اشتريناها بخمسة آلاف دينار وبعثنا بها إلى عمر بن عبد العزيز فلم يلبث إلا قليل حتى باعها بثلاثة وثلاثين ألف دينار .
فصل : وإن صاد غزالا فوجده مخضوبا أو في عنقه حرز أو في أذنه قرط ونحو ذلك مما يدل على ثبوت اليد عليه فهو لقطة لأن ذلك دليل على أنه كان مملوكا وقال أحمد فيمن ألقى شبكة في البحر فوقعت فيها سمكة فجذبت الشبكة فمرت بها في البحر فصادها رجل فإن السمكة للذي حازها والشبكة يعرفها ويدفعها إلى صاحبها فجعل الشبكة لقطة لأنها مملوكة لآدمي والسمكة لمن صادها لأنها كانت مباحة ولم يملكها صاحب الشبكة لكون شبكته لم تثبتها فبقيت على الإباحة وهكذا لو نصب فخا أو شركا فوقع فيه صيد من صيود البر فأخذه وذهب به وصاده آخر فهو لمن صاده ويرد الآلة إلى صاحبها فهي لقطة يعرفها وقال أحمد في رجل انتهى إلى شرك فيه حمار وحش أو ظبية قد شارف الموت فخلصة وذبحه : هو لصاحب الأحبولة وما كان من الصيد في الأحبولة فهو لمن نصبها وإن كان بازيا أو صقرا أو عقابا وسئل عن بازي أو صقر أو كلب معلم أو فهد ذهب عن صاحبه فدعاه فلم يجبه ومر في الأرض حتى أتى لذلك أيام فأتى قرية فسقط على حائط فدعاه رجل فأجابه قال يرده على صاحبه قيل له فإن دعاه فلم يجبه فنصب له شركا فصاده به ؟ قال يرده على صاحبه فجعل هذا لصاحبه لأنه قد ملكه فلم يزل ملكه عنه بذهابه عنه والسمكة في الشبكة لم يكن ملكها ولا حازها وكذلك جعل ما وقع في الأحبولة من البازي والصقر والعقاب لصاحب الأحبولة ولم يجعله ههنا لمن وقع في شركه لأن هذا فيما علم أنه قد كان مملوكا لإنسان فذهب وإنما يعلم هذا بالخبر أو بوجود ما يدل على الملك فيه مثل وجود السير في رجله وآثار التعليم مثل استجابته للذي يدعوه ونحو ذلك ومتى لم يوجد ما يدل على أنه مملوك فهو لمن اصطاده لأن الأصل عدم الملك فيه وإباحته .
فصل : ومن أخذت ثيابه من الحمام ووجد بدلها وأخذ مداسه وترك له بدله لم يملكه بذلك قال أبو عبد الله فيمن سرقت ثيابه ووجد غيرها : لم يأخذها فإن أخذها عرفها سنة ثم تصدق بها إنما قال ذلك لأن سارق الثياب لم تجر بينه وبين مالكها معاوضة تقتضي زوال ملكه عن ثيابه فإذا أخذها فقد أخذ مال غيره ولا يعرف صاحبه فيعرفه كاللقطة ويحتمل أن ينظر في هذا فإن كانت ثم قرينة تدل على السرقة بأن تكون ثيابه أو مداسه خيرا من المتروكة وكانت مما لا تشتبه على الآخذ بثيابه ومداسه فلا حاجة إلى التعريف لأن التعريف إنما جعل في المال الضائع عن ربه ليعلم به ويأخذه وتارك هذا عالم به راض ببدله عوضا عما أخذه ولا يعترف أنه له فلا يحصل في تعريفه فائدة فإذا هو ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص وفيما يصنع بها ثلاثة أوجه أحدها : أنه يتصدق به على ما ذكرنا .
الثاني : أن يباح له أخذها لأن صاحبها في الظاهر تركها له باذلا إياها له عوضا عما أخذه فصار كالمبيح له أخذها بلسانه فصار كمن قهر إنسانا على أخذ ثوبه ودفع إليه درهما .
الثالث : أنه يرفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها عوضا عن ماله والوجه الثاني أقرب إلى الرفق بالناس لأن فيه نفعا لمن سرقت ثيابه بحصول عوض عنها ونفعا للسارق بالتخفيف عنه من الإثم وحفظا لهذه الثياب المتروكة من الضياع وقد أباح بعض أهل العلم لمن له على إنسان حق من دين أو غصب أن يأخذ من مال من عليه الحق بقدر ما عليه إذا عجز عن استيفائه بغير ذلك فهنا مع رضاء من عليه الحق بأخذه أولى وإن كانت ثم قرينة دالة على أن الآخذ للثياب إنما أخذها ظنا منه أنها ثيابه مثل أن تكون المتروكة خيرا من المأخوذة أو مثلها وهي ما تشتبه بها فينبغي أن يعرفها ههنا لأن صاحبها لم يتركها عمدا فهي بمنزلة الضائعة منه والظاهر أنه إذا علم بها أخذها ورد ما كان أخذه فتصير كاللقطة في المعنى وبعد التعريف إذا لم تعرف ففيها الأوجه التي ذكرناها إلا أننا إذا قلنا يأخذها أو يبيعها الحاكم ويدفع إليه ثمنها فإنما يأخذ بقدر قيمة ثيابه لا يزيد عليها لأن الزائد فاضل عما يستحقه ولم يرض صاحبها بتركها عوضا عما أخذه فإنه لم يأخذ غيرها اختيارا منه لتركها ولا رضي بالمعاوضة بها وإذا قلنا إنه يدفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها فله أن يشتريها بثمن في ذمته ويسقط عنه من ثمنها ما قابل ثيابه ويتصدق بالباقي والله أعلم .
فصل : قال أحمد : فيمن عنده رهون قد أتى عليها زمان لا يعرف صاحبها يبيعها ويتصدق بثمنها فإن جاء صاحبها غرمها له وهذا محمول على من استوفى ديونه التي رهن الرهن بها فأما من لم يستوف دينه فإن كان قد أذن له في بيعها باعها واستوفى دينه من ثمنها وتصدق بالباقي وإن لم يكن أذن له في بيعها رفعها إلى الحاكم ليبيعها ويقبضه حقه من ثمنها ويتصدق بباقيه .
فصل : نقل الفضل بن زياد عن أحمد إذا تنازع صاحب الدار والساكن في دفن في الدار فقال كل واحد منهم أنا دفنته بين كل واحد منهما ما الذي دفن فكل من أصاب الوصف فهو له وذلك لأن ما يوجد في الأرض من الدفن مما عليه علامة المسلمين فهو لقطة واللقطة تستحق بوصفها ولأن المصيب للوصف في الظاهر هو من كان ذلك في يده فكان أحق به كما لو تنازعه أجنبيان فوصفه أحدهما .
فصل : ومن وجد لقطة في دار الحرب فإن كان في الجيش فقال أحمد : يعرفها سنة في دار الإسلام ثم يطرحها في المقسم إنما عرفها في دار الإسلام لأن أموال أهل الحرب مباحة ويجوز أن تكون لمسلم ولأنه قد لا يمكنه المقام في دار الحرب لتعريفها ومعناه والله أعلم يتمم التعريف في دار الإسلام فأما ابتداء التعريف فيكون في الجيش الذي هو فيه لأنه يحتمل أن تكون لأحدهم فإذا قفل أتم التعريف في دار الإسلام فأما إن كان دخل دارهم بأمان فينبغي أن يعرفها في دارهم لأن أموالهم محرمة عليه فإذا لم تعرف ملكها كما يملكها في دار الإسلام وإن كان في الجيش طرحها في المقسم بعد التعريف لأنه وصل إليها بقوة الجيش فأشبهت مباحات دار الحرب إذا أخذ منها شيئا وإن دخل إليهم متلصصا فوجد لقطة عرفها في دار الإسلام لأن أموالهم مباحة له ثم يكون حكمها حكم غنيمته ويحتمل أن تكون غنيمة له لا تحتاج إلى تعريف لأن الظاهر أنها من أموالهم وأموالهم غنيمة