مسألة وفصلان : المفاضلة أو التخصيص بين الأولاد وحكمها .
مسألة : قال : وإذا فاضل بين ولده في العطية أمر برده كما أمر النبي A .
وجملة ذلك أنه يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل فإن خص بعضهم بعطيته أو فاضل بينهم فيها إثم ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين إما رد ما فضل به البعض وإما إتمام نصيب الآخر قال طاوس لا يجوز ذلك ولا رغيف محترق وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد و عروة وكان الحسن يكرهه ويجيزه في القضاء وقال مالك و الليث و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي : ذلك جائز وروي معنى ذلك عن شريح وجابر بن زيد والحسن بن صالح لأن أبا بكر Bه نحل عائشة ابنته جذاد عشرين وسقا دون سائر ولده واحتج الشافعي ب [ قول النبي A في حديث النعمان بن بشير أشهد على هذا غيري ] فأمره بتأكيدها دون الرجوع فيها ولأنها عطية تلزم بموت الأب فكانت جائزة كما لو سوى بينهم .
ولنا ما [ روى النعمان بن بشير قال : تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله A فجاء أبي رسول الله A ليشهده على صدقته فقال أكل ولدك أعطيت مثله ؟ قال لا قال فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم قال فرجع أبي فرد تلك الصدقة ] وفي لفظ قال فاردده وفي لفظ قال فأرجعه وفي لفظ لا تشهدني على جور وفي لفظ فأشهد على هذا غيري وفي لفظ سو بينهم وهو حديث صحيح متفق عليه وهو دليل على التحريم لأنه سماه جورا وأمر برده وامتنع من الشهادة عليه والجور حرام والأمر يقتضي الوجوب ولأن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم فمنع منه كتزويج المرأة على عمتها أو خالتها وقول أبي بكر لا يعارض قول النبي A ولا يحتج به معه ويحتمل أن أبا بكر Bه خصها بعطيته لحاجتها وعجزها عن الكسب والتسبب فيه مع اختصاصها بفضلها وكونها أم المؤمنين زوج رسول الله A وغير ذلك من فضائلها ويحتمل أن يكون قد نحلها ونحل غيرها من ولده أو نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه الموت قبل ذلك ويتعين حمل حديثه على أحد هذه الوجوه لأن حمله على مثل محل النزاع منهي عنه وأقل أحواله الكراهة والظاهر من حال أبي بكر اجتناب المكروهات وقول النبي A : فأشهد على هذا غيري ليس بأمر لأن أدنى أحوال الأمر الاستحباب والندب ولا خلاف في كراهة هذا وكيف يجوز أن يأمره بتأكيده مع أمره برده وتسميته إياه جورا وحمل الحديث على هذا حمل لحديث النبي A على التناقض والتضاد ولو أمر النبي A بإشهاد غيره امتثل بشير أمره ولم يرده وإنما هذا تهديد له على هذا فيفيد ما أفاده النهي عن إتمامه والله أعلم .
فصل : فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف : لا بأس به إذا كان لحاجة وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة والعطية في معناه ويحتمل ظاهر لفظه المنع من التفضيل والتخصيص على كل حال لكون النبي A لم يستفصل بشيرا في عطيته والأول أولى إن شاء الله لحديث أبي بكر ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية فجاز أن يختص بها كما لو اختص القرابة وحديث بشير قضية في عين لا عموم لها وترك النبي A الاستفصال يجوز أن يكون لعلمه بالحال فإن قيل لو علم بالحال لما قال : ألك ولد غيره ؟ قلنا يحتمل أن يكون السؤال ههنا لبيان العلة كما [ قال عليه السلام للذي سأله عن بيع الرطب بالتمر : أينقص الرطب إذا يبس ؟ قال نعم قال فلا إذا ] وقد علم أن الرطب ينقص لكن نبه السائل بهذا على علة المنع من البيع كذا ههنا .
فصل : ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية وكراهة التفضيل قال إبراهيم : كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القبل إذا ثبت هذا فالتسوية المستحبة أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وبهذا قال عطاء و شريح و إسحاق و محمد بن الحسن قال شريح لرجل قسم ماله بين ولده : ارددهم إلى سهام الله تعالى وفرائضه وقال عطاء : ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى وقال أبو حنيفة و مالك و الشافعي و ابن المبارك : تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر لأن النبي A قال لبشير بن سعيد : ( سو بينهم ) وعلل ذلك بقوله : أيسرك أن يستووا في برك ؟ قال نعم قال فسو بينهم والبنت كالابن في استحقاق برها وكذلك في عطيتها وعن ابن عباس قال قال رسول الله : [ سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثرا لآثرت النساء على الرجال ] رواه سعيد في سننه ولأنها عطية في الحياة فاستوى فيها الذكر والأنثى كالنفقة والكسوة .
ولنا أن الله تعالى قسم بينهم فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وأولى ما اقتدي بقسمة الله ولأن العطية في الحياة أحد حالي العطية فيجعل للذكر منها مثل حظ الأنثيين كحالة الموت يعني الميراث يحققه أن العطية استعجال لما يكون بعد الموت فينبغي أن تكون على حبسه كما أن معجل الزكاة قبل وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها وكذلك الكفارات المعجلة ولأن الذكر أحوج من الأنثى من قبل أنهما إذا تزوجا جميعا فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذكر والأنثى لها ذلك فكان أولى بالتفضيل لزيادة حاجته وقد قسم الله تعالى الميراث ففضل الذكر مقرونا بهذا المعنى فتعلل به ويتعدى ذلك إلى العطية في الحياة وحديث بشير قضية في عين وحكاية حال لا عموم لها وإنما ثبت حكمها فيما ماثلها ولا نعلم حال أولاد بشير هل كان فيهم أنثى أو لا ؟ ولعل النبي A قد علم أنه ليس له إلا ولد ذكر ثم تحمل التسوية على القسمة على كتاب الله تعالى ويحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء لا في صفته فإن القسمة لا تقتضي التسوية من كل وجه وكذلك الحديث الآخر ودليل ذلك قول عطاء : ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى وهذا خبر عن جميعهم على أن الصحيح من خبر ابن عباس أنه مرسل