فصول : ترتيب المواقف بعض الموقوف عليهم دون بعض وفروع فيها .
فصل : وإن رتب بعضهم دون بعض فقال : وقفت على ولدي وولد ولدي ثم على أولادهم أو على أولادي ثم على أولاد أولادي وأولادهم ما تناسلوا وتعاقبوا أو قال : على أولادي وأولاد أولادي ثم على أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا فهو على ما قال يشترك من شرك بينهم بالواو المقتضية للجمع والتشريك وترتيب من رتبه بحرف الترتيب ففي المسألة الأولى يشترك الولد وولد الولد ثم إذا انقرضوا صار لمن بعدهم وفي الثانية يختص به الولد فإذا انقرضواصار مشتركا بين من بعدهم وفي الثالثة يشترك فيه البطنان الأولان دون غيرهم فإذا انقرضوا اشترك فيه من بعدهم .
فصل : وإن قال : وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي على أنه من مات من أولادي عن ولد فنصيبه لولده أو فنصيبه لإخوته أو لولد ولده أو لولد أخيه أو لأخواته أو لولد أخواته فهو على ما شرطه وإن قال : من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده ومن مات منهم عن غير ولد فنصيبه لأهل الوقف وكان له ثلاثة بنين فمات أحدهم عن ابنين انتقل نصيبه إليهما ثم مات الثاني عن غير ولد فنصيبه لأخيه وابني أخيه بالسوية لأنهم أهل الوقف ثم إن مات أحد ابني الإبن عن غير ولد انتقل نصيبه إلى أخيه وعمه لأنهما أهل الوقف ولو مات أحد البنين الثلاثة عن غير ولد وخلف أخويه وابني أخ له فنصيبه لأخويه : وإن ابني أخيه لأنهما ليسا من أهل الوقف ما دام أبوهما حيا فإذا مات أبوهما صار نصيبه لهما فإذا مات الثالث كان نصيبه لابني أخيه بالسوية إن لم يخلف ولدا وإن خلف ابنا واحدا فله نصيب أبيه وهو النصف ولابني عمه النصف لكل واحد الربع وإن قال : من مات منهم عن غير ولد كان ما كان جاريا عليه جاريا على من هو في درجته فإن كان الواقف مرتبا بطنا بعد بطن كان نصيب الميت عن غير ولد لأهل البطن الذي هو منه وإن كان مشتركا بين البطون كلها احتمل أن يكون نصيبه بين أهل الوقف كلهم لأنهم في استحقاق الوقف سواء فكانوا في درجته من هذه الجهة ولأننا لو صرفنا نصيبه إلى بعضهم أفضى إلى تفصيل بعضهم والتشريك يقتضي التسوية فعلى هذا يكون وجود هذا الشرط كعدمه لأنه لو سكت عنه كان الحكم فيه كذلك ويحتمل أن يعود نصيبه إلى سائر أهل البطن الذي هو منه لأنهم في درجته في القرب إلى الجد الذي يجمعهم ويستوي في ذلك إخوته وبنو عمه وبنو بني عم أبيه لأنهم سواء في القرب ولأننا لو شركنا بين أهل الوقف كلهم في نصيبه لم يكن في هذا الشرط فائدة والظاهر أنه قصد شيئا يفيد فعلى هذا إن لم يكن في درجته أحد بطل هذا الشرط وكان الحكم فيه كما لو لم يذكره وإن كان الوقف على البطن الأول على أنه من مات منهم عن ولد انتقل نصيبه إلى ولده ومن مات عن غير ولد انتقل نصيبه إلى من في درجته ففيه ثلاثة أوجه : .
أحدها : أن يكون نصيبه بين أهل الوقف كلهم يتساوون فيه سواء كان من بطن واحد أو من بطون وسواء تساوت أنصباؤهم في الوقف أو اختلفت لما ذكرنا من قبل .
والثاني : أن يكون لأهل بطنه سواء كانوا من أهل الوقف أو لم يكونوا مثل أن يكون البطن الأول ثلاثة فمات أحدهم عن ابن ثم مات الثاني عن ابنين فمات أحد الابنين وترك أخاه وعمه وابن عمه وابنا لعمه الحي فيكون نصيبه بين أخيه وابني عمه .
والثالث : أن يكون لأهل بطنه من أهل الوقف فيكون نصيبه على هذا لأخيه وابن عمه الذي مات أبوه فإن كان في درجته في النسب من ليس من أهل الاستحقاق بحال كرجل له أربعة بنين وقف على ثلاثة منهم على هذا الوجه المذكور وترك الرابع فمات أحد الثلاثة عن غير ولد لم يكن للرابع فيه شيء لأنه ليس من أهل الاستحقاق فأشبه ابن عمهم .
فصل : وإن وقف على بنيه وهم ثلاثة على أن من مات من فلان وفلان وأولادهم عن ولد فنصيبه لولده وإن مات فلان فنصيبه لأهل الوقف فهو على ما شرط وكذلك إن كان له بنون وبنات فقال من مات من الذكور فنصيبه لولده ومن مات من البنات فنصيبها لأهل الوقف فهو على ما قال وإن قال على أولادي على أن يصرف إلى البنات منه ألف والباقي للبنين لم يستحق البنون شيئا حتى تستوفي البنات الألف لأنه جعل للبنات مسمى وجعل للبنين الفاضل عنه فكان الحكم فيه على ما قال فجعل البنات كذوي الفروض الذين سمى الله لهم فرضا وجعل البنين كالعصبات الذين لا يستحقون إلا ما فضل عن ذوي الفروض .
فصل : فإن كان له ثلاثة بنين فقال وقفت على ولدي فلان وفلان وعلى ولد ولدي كان الوقف على الابنين المسميين وعلى أولادهما وأولاد الثالث وليس للثالث شيء وقال القاضي : يدخل الثالث في الوقف وذكر أن أحمد قال في رجل قال وقفت هذه الضيعة على ولدي فلان وفلان وعلى ولد ولدي وله ولد غير هؤلاء قال يشتركون في الوقف واحتج القاضي بأن قوله ولدي يستغرق الجنس فيعم الجميع وقوله فلان وفلان تأكيد لبعضهم فلا يوجب إخراج بقيتهم كالعطف في قوله { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال } .
ولنا أنه أبدل بعض الولد من اللفظ المتناول للجميع فاختص بالبعض المبدل كما لو قال على ولدي فلان وذلك لأن بدل البعض يوجب اختصاص الحكم به كقول الله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } لما خص المستطيع بالذكر اختص الوجوب به ولو قال ضربت زيدا رأسه ورأيت زيدا وجهه اختص الضرب بالرأس والرؤية بالوجه ومنه قول الله تعالى { ويجعل الخبيث بعضه على بعض } وقول القائل طرحت الثياب بعضها فوق بعض فإن الفوقية تختص بالبعض مع عموم اللفظ الأول كذا ههنا وفارق العطف فإن عطف الخاص على العام يقتضي تأكيده لا تخصيصه وقول أحمد هم شركاء يحتمل أن يعود إلى أولاد أولاده أي يشترك أولاد الموقوف عليهما وأولاد غيرهم لعموم لفظ الواقف فيهم ويتعين حمل كلامه عليه لقيام الدليل عليه ولو قال على ولدي فلان وفلان ثم على المساكين خرج فيه من الخلاف مثل ما ذكرنا ويحتمل أن يدخل في الوقف ولد ولده لأننا قد ذكرنا من قبل أن ظاهر كلام أحمد أن قوله وقفت على ولدي يتناول نسله وعاقبته كلها .
فصل : ومن وقف على أولاده أو أولاد غيره وفيهم حمل لم يستحق شيئا قبل انفصاله لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا قبل انفصاله قال أحمد في رواية جعفر بن محمد فيمن وقف نخلا على قوم وما توالدوا ثم ولد مولود فإن كانت النخل قد أبرت فليس له فيه شيء وهو للأول وإن لم تكن قد أبرت فهو معهم وإنما قال ذلك لأنها قبل التأبير تتبع الأصل في البيع وهذا الموجود يستحق نصيبه من الأصل فيتبعه حصته من الثمرة كما لو اشترى ذلك النصيب من الأصل وبعد التأبير لا تتبع الأصل ويستحقها من كان له الأصل فكانت للأول لأن الأصل كان كله له فاستحق ثمرته كما لو باع هذا النصيب منها ولم يستحق المولود منها شيئا كالمشتري وهكذا الحكم في سائر ثمر الشجر الظاهر فإن المولود لا يستحق منه شيئا ويستحق مما ظهر بعد ولادته وإن كان الوقف أرضا فيها زرع يستحقه البائع فهو للأول وإن كان مما يستحقه المشتري فللمولود حصته منه لأن المولود يتجدد استحقاقه للأصل كتجدد ملك المشتري فيه .
الفصل الثاني : إذا وقف على قوم وأولادهم وعاقبتهم ونسلهم دخل في الوقف ولد البنين بغير خلاف نعلمه فأما ولد البنات فقال الخرقي : لا يدخلون فيه وقد قال أحمد فيمن وقف على ولده : ما كان من ولد البنات فليس لهم فيه شيء فهذا النص يحتمل أن يعدى إلى هذه المسألة ويحتمل أن يكون مقصورا على من وقف على ولده ولم يذكر ولد ولده وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم وممن قال لا يدخل ولد البنات في الوقف الذي على أولاده وأولاد أولاده مالك ومحمد بن الحسن وهكذا إذا قال على ذريتهم ونسلهم وقال أبو بكر وعبد الله بن حامد يدخل فيه ولد البنات وهو مذهب الشافعي و أبي يوسف لأن البنات أولاده فأولادهن أولاد حقيقة فيجب أن يدخلوا في الوقف لتناول اللفظ لهم وقد دل على صحة هذا قول الله تعالى { ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان } إلى قوله { وعيسى } وهو من ولد بنته فجعله من ذريته وكذلك ذكر الله تعالى قصة عيسى وإبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس ثم قال { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل } وعيسى معهم وقال النبي A للحسن [ إن ابني هذا سيد ] وهو ولد بنته ولما قال الله تعالى { وحلائل أبنائكم } دخل في التحريم حلائل أبناء البنات ولما حرم الله تعالى البنات دخل في التحريم بناتهن .
ووجه قول الخرقي أن الله تعالى قال { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } فدخل فيه ولد البنين دون ولد البنات وهكذا كل موضع ذكر فيه الولد في الإرث والحجب دخل فيه ولد البنين دون ولد البنات ولأنه لو وقف على ولد رجل وقد صاروا قبيلة دخل فيه ولد البنين دون ولد البنات بالاتفاق وكذلك قبل أن يصيروا قبيلة ولأنه لو وقف على ولد العباس في عصرنا لم يدخل فيه ولد بناته فكذلك إذا وقف عليهم في حياته ولأن ولد البنات منسوبون إلى آبائهم دون أمهاتهم قال الشاعر : .
( بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد ) .
وقولهم أنهم أولاد أولاد حقيقة قلنا إلا أنهم لا ينسبون إلى الواقف عرفا ولذلك لو قال أولاد أولادي المنتسبين إلي لم يدخل هؤلاء في الوقف ولأن ولد الهاشمية من غير الهاشمي ليس بهاشمي ولا ينسب إلى أبيها وأما عيسى عليه السلام فلم يكن له أب ينسب إليه فنسب إلى أمه لعدم أبيه ولذلك يقال عيسى بن مريم وغيره إنما ينسب إلى أبيه كيحيى بن زكريا وقول النبي A إن ابني هذا سيد تجوز بغير خلاف بدليل قول الله تعالى { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } وهذا الخلاف فيما إذا لم يوجد ما يدل على تعيين أحد الأمرين فأما إن وجد ما يصرف اللفظ إلى أحدهما انصرف إليه ولو قال على أولادي وأولاد أولادي على أن لولد البنات سهما ولولد البنين سهمين أو فإذا خلت الأرض ممن يرجع نسبه إلي من قبل أب أو أم كان للمساكين أو كان البطن الأول من أولاده الموقوف عليهم كلهم بنات وأشباه هذا مما يدل على إرادة ولد البنات بالوقف دخلوا في الوقف وإن قال على أولادي وأولاد أولادي المنتسبين إلي أو غير ذوي الأرحام أو نحو ذلك لم يدخل فيه ولد البنات وإن قال على ولدي فلان وفلانة وفلانة وأولادهم دخل فيه ولد البنات وكذلك لو قال على أنه من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده وإن قال الهاشمي وقفت على أولادي وأولاد أولادي الهاشميين لم يدخل في الوقف من أولاد بناته من كان غير هاشمي فأما من كان هاشميا من غير أولاد بنيه فهل يدخلون ؟ على وجهين أولهما : أنهم يدخلون لأنهم اجتمع فيهم الصفتان جميعا كونهم من أولاد أولاده وكونهم هاشميين والثاني : لا يدخلون لأنهم لم يدخلوا في مطلق أولاد أولاده فأشبه ما لو لم يقل الهاشميين وإن قال على أولادي وأولاد أولادي ممن ينسب إلى قبيلتي فكذلك .
الفصل الثالث : أنه إذا وقف على أولاد رجل وأولاد أولاده استوى فيه الذكر والأنثى لأنه تشريك بينهم وإطلاق التشريك يقتضي التسوية كما لو أقر لهم بشيء وكولد الأم في الميراث حيث شرك الله تعالى بينهم فيه فيقال { فهم شركاء في الثلث } تساووا فيه ولم يفضل بعضهم على بعض وليس كذلك في ميراث ولد الأبوين وولد الأب فإن الله تعالى قال { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } ولا أعلم في هذا خلافا .
الفصل الرابع : أنه إذا فضل بعضهم على بعض فهو على ما قال فلو قال وقفت على أولادي وأولاد أولادي على أن للذكر سهمين وللأنثى سهما أو للذكر مثل حظ الأنثيين أو على حسب ميراثهم أو على حسب فرائضهم أو بالعكس من هذا أو على أن للكبير ضعف ما للصغير أو للعالم ضعف ما للجاهل أو للعائل ضعف ما للغني أو عكس ذلك أو عين بالتفضيل واحدا معينا أو ولده أو ما أشبه هذا فهو على ما قال لأن ابتداء الوقف مفوض إليه فكذلك تفضيله وترتيبه وكذلك إن شرط إخراج بعضهم بصفة ورده بصفة مثل أن يقول من تزوج منهم فله ومن فارق فلا شيء له أو عكس ذلك أو من حفظ القرآن فله ومن نسيه فلا شيء له ومن اشتغل بالعلم فله ومن ترك فلا شيء له أو من كان على مذهب كذا فله ومن خرج منه فلا شيء له فكل هذا صحيح على ما شرط وقد روى هشام بن عروة أن الزبير جعل دوره صدقة على بنيه لا تباع ولا توهب وأن للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها فإن استغنت بزوج فلا حق لها في الوقف وليس هذا تعليقا للوقف بصفة بل الوقف مطلق والاستحقاق له بصفة وكل هذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا