فصول : حكم من أحيا أرضا فظهر فيها معدن ومن ملك معدنا فعمل فيه غيره أو استأجر أجيرا يحفر له .
فصل : ومن أحيا أرضا فملكها بذلك فظهر فيها معدن ملكه ظاهرا كان أو باطنا إذا كان من المعادن الجامدة لأنه ملك الأرض بجميع أجزائها وطبقاتها وهذا منها ويفارق الكنز فإنه مودع فيها وليس من أجزائها ويفارق ما إذا كان ظاهرا قبل إحيائها لأنه قطع عن المسلمين نفعا كان واصلا إليهم ومنعهم انتفاعا كان لهم وههنا لم يقطع عنهم شيئا لأنه إنما ظهر بإظهاره له ولو تحجر الأرض أو أقطعها فظهر فيها المعدن قبل إحيائها لكان له إحياؤها ويملكها بما فيها لأنه صار أحق به بتحجره وإقطاعه فلم يمنع من إتمام حقه .
وأما المعادن الجارية كالقار والنفط والماء فهل يملكها من ظهرت في ملكه ؟ فيه روايتان أظهرهما : لا يملكها لقول النبي A : [ الناس شركاء في ثلاث : في الماء والكلأ والنار ] رواه الخلال ولأنها ليست من أجزاء الأرض فلم يملكها بملك الأرض كالكنز والثانية : يملكها لأنها خارجة من أرضه المملوكة له فأشبهت الزرع والمعادن الجامدة .
فصل : ولو شرع إنسان في حفر معدن ولم يصل إلى النيل صار أحق به كالتحجر الشارع في الإحياء فإذا وصل إلى النيل صار أحق بالأخذ منه ما دام مقيما على الأخذ منه وهل يملكه بذلك ؟ فيه ما قد ذكرنا من قبل وإن حفر آخر من ناحية أخرى لم يكن له منعه وإذا وصل إلى ذلك العرق لم يكن له منعه سواء قلنا إن المعدن يملك بحفره أو لم نقل لأنه إن ملكه فإنما يملك المكان الذي حفره وأما العرق الذي في الأرض فلا يملكه بذلك ومن وصل إليه من جهة أخرى فله أخذه ولو ظهر في ملكه معدن بحيث يخرج النيل عن أرضه فحفر إنسان من خارج أرضه كان له أن يأخذ ما خرج عن أرضه منه لأنه لم يملكه إنما ملك ما هو من أجزاء أرضه وليس لأحد أن يأخذ ما كان داخلا في أرضه من أجزاء الأرض الباطنة كما لا يملك أخذ أجزائها الظاهرة ولو حفر كافر في دار الحرب معدنا فوصل إلى النيل ثم فتحها المسلمون عنوة لم تصر غنيمة وكان وجود عمله وعدمه واحدا لأن عامره لم يملكه بذلك ولو ملكه فإن الأرض كلها تصير وقفا للمسلمين وهذا ينصرف إلى مصلحة من مصالحهم فتعين لها كما لو ظهر بفعل الله تعالى .
فصل : ولو كان في الموات موضع يمكن أن يحدث فيه معدنا ظاهرا كموضع على شاطئ البحر إذا صار فيه ماء البحر صار ملحا ملك بالإحياء وجاز للإمام إقطاعه لأنه لا يضيق على المسلمين بإحداثه بل يحدث نفعه بفعله فلم يمنع منه كبقية الموات وإحياء هذا بتهيئته لما يصلح له من حفر ترابه وتمهيده وفتح قناة إليه تصب الماء فيه لأنه يتهيأ بهذا الانتفاع به .
فصل : ومن ملك معدنا فعمل فيه غيره بغير إذنه فما حصل منه فهو لمالكه ولا أجر للغاصب على عمله لأنه عمل في ملك غيره بغير إذنه أشبه ما لو حصد زرع غيره وإن قال مالكه اعمل فيه ولك ما يخرج منه فله ذلك ولا شيء لصاحب المعدن فيه لأنه إباحة من مالكه فملك ما أخذه كما لو أباحه الأخذ من داره أو بستانه وإن قال : اعمل فيه على أن ما رزق الله من نيل كان بيننا نصفين فعمل فيه وجهان أحدهما : يجوز وما يأخذه يكون بينهما كما لو قال له : احصد هذا الزرع بنصفه أو ثلثه ولأ ها عين تنمى بالعمل عليها فصح العمل فيها ببعضه كالمضاربة في الأثمان والثاني : لا يصح لأن ما يحصل منه مجهول ولأنه لا يصح أن يكون إجارة لأن العوض مجهول والعمل مجهول ولا جعالة لأن العوض مجهول ولا مضاربة لأن المضاربة إنما تصح بالأثمان على أن يرد رأس المال وتكون له حصة من الربح وليس ذلك ههنا وفارق حصاد الزرع بنصفه أو جزء منه لأن الزرع معلوم بالمشاهدة وما علم جميعه علم جزؤه بخلاف هذا وإن قال : اعمل فيه كذا ولك ما يحصل منه بشرط أن تعطيني ألفا أو شيئا معلوما لم يصح لأنه بيع لمجهول ولا يصح أن يكون معاملة كالمضاربة لما ذكرنا ولأن المضاربة تكون بجزء من النماء لا دراهم معلومة قال أحمد : إذا أخذ معدنا من قوم على أن يعمره ويعمل فيه ويعطيهم ألفي من أو ألف من صفرا فذلك مكروه ولم يرخص فيه والله الموفق .
فصل : إذا استأجر رجلا ليحفر له عشرة أذرع في دور كذا بدينار صح لأنها إجارة معلومة وإن ظهر عرق ذهب فقال : استأجرتك لتخرجه بدينار لم يصح لأن العمل مجهول وإن قال : إن استخرجته فلك دينار صح ويكون جعالة لأن الجعالة تصح على عمل مجهول إذا كان العوض معلوما