مسألة وفصول : لا تملك المعادن الظاهرة وما فيه منفعة عامة .
مسألة : قال : إلا أن تكون أرض ملح أو ماء للمسلمين فيه المنفعة فلا يجوز أن ينفرد بها الإنسان : .
وجملة ذلك أن المعادن الظاهرة وهي التي يوصل ما فيها من غير مؤنة ينتابها الناس وينتفعون بها كالملح والكبريت والقير والمومياء والنفط والكحل والبرام والياقوت ومقاطع الطين وأشباه ذلك لا تملك بالإحياء ولا يجوز إقطاعها لأحد من الناس ولا احتجازها دون المسلمين لأن فيه ضررا بالمسلمين وتضييقا عليهم ولأن النبي A أقطع أبيض بن حمال معدن الملح فلما قيل له أنه بمنزلة الماء العد رده كذا قال أحمد وروى أبو عبيد و أبو داود و الترمذي بإسنادهم [ عن أبيض بن حمال أنه استقطع رسول الله A الملح بمأرب فلما ولى قيل يا رسول الله أتدري ما أقطعت له ؟ إنما أقطعت له الماء العد فرجعه منه قال : قلت يا رسول الله ما يحمى من الإراك ؟ قال : ما لم تنله أخفاف الإبل ] وهو حديث غريب وروي في لفظ عنه أنه قال : [ لا حمى في الإراك ] ورواه سعيد فقال : حدثني إسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس المأربي عن أبيه [ عن أبيض بن حمال المأربي قال : استقطعت رسول الله A معدن الملح بمأرب فأقطعنيه فقيل يا رسول الله : إنه بمنزلة الماء العد يعني أنه لا ينقطع فقال رسول الله A : فلا إذن ] ولأن هذا تتعلق به مصالح المسلمين العامة فلم يجز إحياؤه ولا إقطاعه كمشارع الماء وطرقات المسلمين قال ابن عقيل : هذا من مواد الله الكريم وفيض جوده الذي لا غناء عنه فلو ملكه أحد بالاحتجاز ملك منعه فضاق على الناس فإن أخذ العوض عنه أغلاه فخرج عن الموضع الذي وضعه الله من تعميم ذوي الحوائج من غير كلفة وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا .
فصل : فأما المعادن الباطنة وهي التي لا يوصل إليها إلا بالعمل والمؤنة كمعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والبلور والفيروزج فإذا كانت ظاهرة لم تملك أيضا بالإحياء لما ذكرنا في التي قبلها وإن لم تكن ظاهرة فحفرها إنسان وأظهرها لم تملك بذلك في ظاهر المذهب وظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن يملكها بذلك وهو قول للشافعي لأنه موات لا ينتفع به إلا بالعمل والمؤنة فملك بالإحياء كالأرض ولأنه بإظهاره تهيأ للانتفاع به من غير حاجة إلى تكرار ذلك العمل فأشبه الأرض إذا جاءها بماء أو حاطها ووجه الأول أن الإحياء الذي يملك به هو العمارة التي تهيأ بها المحيي للانتفاع من غير تكرار عمل وهذا حفر وتخريبه يحتاج إلى تكرار عند كل انتفاع فإن قيل : فلو احتفر بئرا ملكها وملك حريمها قلنا البئر تهيأت للانتفاع بها من غير تجديد حفر ولا عمارة وهذه المعادن تحتاج عند كل انتفاع إلى عمل وعمارة فافترقا قال أصحابنا : وليس للإمام إقطاعها لأنها لا تملك بالإحياء والصحيح جواز ذلك لأن النبي A أقطع لبلال بن الحارث معادن القبلية جلسيها وغوريها رواه أبو داود وغيره