مسألة : سعة القلتين .
مسألة : قال : واذا كان الماء قلتين وهو خمس قرب فوقعت فيه نجاسة فلم يوجد لها طعم ولا لون ولا رائحة فهو طاهر .
القلة هي الجرة سميت قلة لأنها تقل بالأيدي أي تحمل ومنه قوله تعالى : { حتى إذا أقلت سحابا ثقالا } ويقع هذا الاسم على الكبيرة والصغيرة والمراد بها ها هنا قلتان من قلال هجر وهما خمس قرب كل قربة مائة رطل بالعراقي فتكون القلتان خمسمائة رطل بالعراقي هذا ظاهر المذهب عند أصحابنا وهو مذهب الشافعي لأنه روي عن ابن جريج أنه قال : رأيت قلال هجر القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا والاحتياط أن يجعل قربتين ونصفا وروى الأثرم و إسماعيل بن سعيد عن أحمد أن القلتين أربع قرب وحكاه ابن المنذر عن أحمد في كتابه وذلك لما روى الجوزجاني بإسناده عن يحيى بن عقيل قال : رأيت قلال هجر وأظن كل قلة تأخذ قربتين وروي نحو هذا عن ابن جريج واتفق القائلون بتحديد الماء بالقرب على تقدير كل قربة بمائة رطل بالعراقي ولا أعلم بينهم في ذلك خلافا ولعلهم أخذوا ذلك ممن اختبر قرب الحجاز وعرف أن ذلك مقدارها وإنما خصصنا هذا بقلال هجر لوجهين أحدهما أنه قد روي في حديث مبينا رواه الخطابي في معالم السنة بإسناده إلى ابن جريج عن النبي A مرسلا : [ اذا كان الماء قلتين بقلال هجر ] وذكر الحديث والثاني أن قلال هجر أكبر ما يكون من القلال وأشهرها في عصر النبي A ذكره الخطابي قال وهي مشهورة الصنعة معلومة المقدار لا تختلف كما لا تختلف الصيعان والمكاييل ولأن الحد لا يقع بالمجهول وقال أبو عبيد هي الحباب وهي مستفيضة معروفة فينبغي أن يحمل لفظ القلتين عليها لشهرتها وكبرها فان كل معدود جعل مقدارا وحدا لم يتناول إلا أكبرها لأنها أقرب إلى العلم وأقل في العدد ولذلك جعل نصاب الزكاة بالأوسق دون الآصع والامداد قد دلت هذه المسألة بصريحها على أن ما بلغ القلتين فلم يتغير بما وقع فيه لا ينجس وبمفهومها على أن ما تغير بالنجاسة نجس وإن كثر وان ما دون القلتين ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة وإن لم يتغير - فاما نجاسة ما تغير بالنجاسة فلا خلاف فيه قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الماء القليل والكثير اذا وقعت فيه نجاسة فغيرت للماء طعما أو لونا أو رائحة أنه نجس ما دام كذلك وقد روى أبو أمامة الباهلي أن النبي A قال : [ الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه ] رواه ابن ماجة وقال حرب بن إسماعيل سئل أحمد عن الماء اذا تغير طعمه وريحه ؟ قال لا يتوضأ به ولا يشرب وليس فيه حديث ولكن الله تعالى حرم الميتة فاذا صارت الميتة في الماء فتغير طعمه أو ريحه فذلك طعم الميتة وريحها فلا يحل له وذلك أمر ظاهر وقال الخلال إنما قال أحمد : ليس فيه حديث لأن هذا الحديث يرويه سليمان بن عمر و رشدين بن سعد وكلاهما ضعيف و ابن ماجة رواه من طريق رشدين - وأما ما دون القلتين اذا لاقته النجاسة فلم يتغير بها فالمشهور في المذهب أنه ينجس وروي عن ابن عمر و سعيد بن جبر و مجاهد وبه قال الشافعي و إسحاق و أبو عبيد وروي عن أحمد رواية أخرى أن الماء لا ينجس إلا بالتغير قليله وكثيره وروي ذلك عن حذيفة وأبي هريرة وابن عباس : الماء لا ينجس وروي ذلك عن سعيد بن المسيب و الحسن و عكرمة و عطاء و جابر بن زيد و ابن أبي ليلى و مالك و الأوزاعي و الثوري و يحيى القطان و عبد الرحمن بن مهدي و ابن المنذر وهو قول ل الشافعي لحديث أبي أمامة الذي أوردناه و [ روى أبو سعيد قال : قيل يا رسول الله : أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ - وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن - فقال : أن الماء طهور لا ينجسه شيء ] رواه أبو داود و النسائي و الترمذي وقال حديث حسن قال الخلال قال أحمد حديث البئر بضاعة صحيح وروي [ أن النبي A سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة بها فقال : لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور ] ولم يفرق بين القليل والكثير ولأنه لم يظهر عليه إحدى صفات النجاسة فلم ينجس بها كالزائد عن القلتين - ووجه الرواية الأولى ما روى ابن عمر Bهما [ أن النبي A سئل عن الماء وما بنويه من الدواب والسباع فقال : اذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ] رواه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة وفي لفظ [ اذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ] وتحديده بالقلتين يدل على أن ما دونهما ينجس إذا لو استوى حكم القلتين وما دونهما لم يكن بالتحديد مفيدا وصح أن النبي A قال [ إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فانه لا يدري أين باتت يده ] فلولا أنه لا يفيده منعا لم ينه عنه وأمر النبي A بغسل الاناء من ولوغ الكلب وإرقة سؤره ولم يفرق بين ما تغير وما لم يتغير مع أن الظاهر عدم التغير وخبر أبي أمامة ضعيف وخبر بئر بضاعة والخبر الآخر محمولان على الماء الكثير بدليل أن ما تغير نجس أو نخصهما بخبر القلتين فانه أخص منهما والخاص يقدم على العالم وأما الزائد عن القلتين اذا لم يتغير ولم تكن النجاسة بولا او عذرة فلا يختلف المذهب في طهارته وروي ذلك عن ابن عمر و سعيد بن جبير و مجاهد وهو قول الشافعي و إسحاق و أبي عبيد و أبي ثور و هو قول من حكينا عنهم أن اليسير لا ينجس الا بالتغير وحكي عن ابن عباس أنه قال : اذا كان الماء ذنوبين لم يحمل الخبث وقال عكرمة : ذنوبا أو ذنوبين وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى الكثير ينجس بالنجاسة الا أن يبلغ حدا يغلب على الظن أن النجاسة لا تصل إليه واختلفوا في حده فقال بعضهم : ما إذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك الآخر وقال بعضهم : ما بلغ عشرة أذرع في عشرة أذرع وما دون ذلك ينجس وإن بلغ الف قلة لأن النبي A قال : [ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضا منه ] متفق عليه فنهى عن الوضوء من الماء الراكد بعد البول فيه ولم يفرق بين قليله وكثيره ولأنه ماء حلت فيه نجاسة لا يؤمن انتشاره إليه فينجس بها كاليسير - ولنا خبرا القلتين وبئر بضاعة اللذان ذكرناهما فإن النبي A قال : [ الماء طهور لا ينجسه شيء ] مع قولهم له أتتوضأ من بئر بضاعة ؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن وبئر بضاعة لا يبلغ الحد الذي ذكروه قال أبو داود : قدرت بئر بضاعة برداني مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع وسألت الذي فتح لي باب البستان هل غير بناؤها عما كانت عليه ؟ قال : لا وسألت قيمها عن عمقها فقلت : أكثر فيها الماء ؟ قال : إلى العانة قلت : فاذا نقصل قال : دون العورة ولأنه ماء يبلغ قلتين فأشبه ما زاد على عشرة أذرع وحديثهم عام وحديثنا خاص فيجب تقديمه الثاني أن حديثهم لا بد تخصيصه فان ما زاد على الحد ذكروه لا يمنع من الوضوء به اتفاقا وإذا وجب تخصيصه كان تخصيصه بقول النبي A أولى من تخصيصه بالرأي والتشهي من غير أصل يرجع إليه ولا دليل يعتمد عليه - ولأن ما ذكروه من الحد تقدير طريقه التوقيف لا يصار إليه إلا بنص أو اجماع وليس معهم نص ولا إجماع ولأن حديثهم خاص في البول ونحن نقول به على أحدى الروايتين ونقصر الحكم على ما تناوله النص وهو البول لأن له من التأكيد والانتشار في الماء ما ليس لغيره على ما سنذكره إن شاء الله تعالى فان قيل المراد بقوله : [ لم يحمل الخبث ] أي لم يدفع الخبث عن نفسه أي أنه ينجس بالواقع فيه قلنا هذا فاسد لوجوه أحدها ان في بعض ألفاظه لم ينجس رواه أبو داود و ابن ماجة واحتج به أحمد والثاني أنه لو أراد أن ما بلغ القلتين في القلة ينجس لكان ما فوقهما لا ينجس لتحقق الفرق بينهما فانه جعل القلتين فصلا بين ما يتنجس فلو سوينا بينهما لم يبق فصل الثالث ان مقتضاه في اللغة أنه يدفع الخبث عن نفسه من قولهم فلان لا يحتمل الضيم أي يدفعه عن نفسه والله أعلم