مسألة وفصل : ولا ضمان على الراعي واستئجاره .
مسألة : قال : ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد : .
لا نعلم خلافا في صحة استئجار الراعي وقد دل عليه قول الله تعالى مخبرا عن شعيب أنه قال { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } وقد علم أن موسى عليه السلام إنما آجر نفسه لرعاية الغنم إذا ثبت هذا فإنه لا ضمان على الراعي فيما تلف من الماشية ما لم يتعد ولا نعلم فيه خلافا إلا عن الشعبي فإنه روي عنه أنه ضمن الراعي .
ولنا أنه مؤتمن على حفظها فلم يضمن من غير تعد كالمودع ولأنها عين قبضها بحكم الإجارة فلم يضمنها من غير تعد كالعين المستأجرة فأما ما تلف بتعديه فيضمنه بغير خلاف مثل أن ينام عن السائمة أو يغفل عنها أو يتركها تتباعد منه أو تغيب عن نظره وحفظه أو ضربها ضربا يسرف فيه أو في غير موضع الضرب أو من غير حاجة إليه أو سلك بها موضعا تتعرض فيه للتلف وأشباه هذا مما يعد تفريطا وتعديا فتتلف به فعليه ضمانها لأنها تلفت بعدوانه فضمنها كالمودع إذا تعدى وإن اختلفا في التعدي وعدمه فالقول قول الراعي لأنه أمين وإن فعل فعلا اختلفا في كونه تعديا رجع إلى أهل الخبرة ولو جاء بجلد شاة وقال : ماتت قبل قوله ولم يضمن وعن أحمد أنه يضمن ولا يقبل قوله والصحيح الأول لأن الأمناء تقبل أقوالهم كالمودع ولأنه يتعذر عليه إقامة البينة في الغالب فأشبه المودع وكذلك لو ادعى موتها من غير أن يأتي بجلدها .
فصل : ولا يصح العقد في الرعي إلا على مدة معلومة لأن العمل لا ينحصر ويجوز العقد على رعي ماشية معينة وعلى جنس في الذمة فإن عقد على معينة فذكر أصحابنا أنه يتعلق بأعيانها كما لو استأجره لخياطة ثوب بعينه فلا يجوز إبداله ويبطل العقد بتلفها وإن تلف بعضها بطل عقد الإجارة فيه وله أجر ما بقي منها بالحصة وإن ولدت سخالا لم يكن عليه رعيها لأنها زيادة لم يتناولها العقد ويحتمل أن لا يتعلق بأعيانها لأنها ليست المعقود عليها وإنما يستوفي المنفعة بها فأشبه ما لو استأجر ظهرا ليركبه جاز أن يركب غيره مكانه ولو استأجر دارا ليسكنها جاز أن يسكنها مثله ولو استأجر أرضا ليزرعها حنطة جاز أن يزرعها ما هو مثلها في الضرر أو أدنى منها وإنما المعقود عليه منفعة الراعي ولهذا يجب له الأجر إذا سلم نفسه وإن لم يرع ويفارق الثوب في الخياطة لأن الثياب في مظنة الاختلاف في سهولة خياطتها ومشقتها بخلاف الرعي فعلى هذا له إبدالها بمثلها وإن تلف بعضها لم ينفسخ العقد فيه وكان له إبداله وإن وقع العقد على موصوف في الذمة فلا بد من ذكر جنس الحيوان ونوعه إبلا أو بقرا أو غنما أو ضأنا أو معزا وإن أطلق ذكر البقر والإبل لم يتناول الجواميس والبخاتي لأن إطلاق الاسم لا يتناولها عرفا وإن وقع العقد في مكان يتناولها إطلاق الاسم احتاج إلى ذكر نوع ما يراه منها كالغنم لأن كل نوع له أثر في إتعاب الراعي ويذكر الكبر والصغر فيقول كبارا أو سخالا أو عجاجيل أو فصلانا إلا أن يكون ثم قرينة أو عرف صارف إلى بعضها فيغني عن الذكر وإذا عقد على عدد موصوف كالمائة لم يجب عليه رعي زيادة عليها لا من سخالها ولا من غيرها وإن أطلق العقد ولم يذكر عددا لم يجز وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال القاضي : يصح ويحمل على ما جرت به العادة كالمائة من الغنم ونحوها وهو قول بعض أصحاب الشافعي والأول أصح لأن العادة في ذلك تختلف وتتباين كثيرا إذ العمل يختلف باختلافه