فصول : اكتراء الدواب والإبل للحمولة أو للعمل أو لعمل لم يخلق له .
فصل : ويجوز اكتراء الدواب والإبل للحمولة قال الله تعالى { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } والحمولة بالضم الإحمال والحمولة بالفتح التي يحمل عليها قال الله تعالى : { ومن الأنعام حمولة وفرشا } الحمولة الكبار والفرش الصغار وقيل الحمولة الإبل والفرش الغنم لأنها لا تحمل ولا يحتاج إلى معرفة الحمولة لأن الغرض حمل المتاع دون ما يحمله بخلاف الركوب فإن للراكب غرضا في المركوب من سهولته وحاله وسرعته وإن اتفق وجود غرض في الحمولة مثل أن يكون المحمول شيئا تضره كثرة الحركة كالفاكهة والزجاج أو كون الطريق مما يعسر على بعضها دون بعض فينبغي أن يذكر في الإجارة وأما الإحمال فلا بد من معرفتها فإن لم يعرفها لم يجز لأن ذلك يتفاوت كثيرا ويختلف الغرض به فإن شرط أن يحمل ما شاء بطل لأن ذلك لا يمكن الوفاء به ويدخل فيه ما يقتل البهيمة وإن قال احتمل عليها طاقتها لم يجز أيضا لأن ذلك لا ضابط له وتحصل المعرفة بطريقين المشاهدة لأنها من أعلى طرق العلم والصفة ويشترط في الصفة معرفة شيئين القدر والجنس لأن الجنس يختلف تعب البهيمة باختلافه مع التساوي في القدر فإن القطن يضر بها من وجه وهو أنه ينتفخ على البهيمة فيدخل فيه الريح فيثقل ومثله من الحديد يؤذي من جهة أخرى وهو أنه يجتمع على موضع من البهيمة فربما عقرها فلا بد من بيانه وأما الظروف فإن دخلت في الوزن لم يحتج إلى ذكرها وإن لم توزن فإن كانت ظروفا معروفة لا تختلف كغرائر الصوف والشعر ونحوها جاز العقد عليها من غير تعيين لأنها قلما تتفاوت تفاوتا كثيرا فتسميتها تكفي وإن كانت تختلف فلا بد من معرفتها بالتعيين أو الصفة وذكر ابن عقيل أنه إذا قال أكريتكها لتحمل عليها ثلاثمائة رطل مما شئت جاز وملك ذلك لكن لا يحمله حملا يضر بالحيوان مثل ما لو أراد حمل حديد أو زئبق ينبغي أن يفرقه على ظهر الحيوان فلا يجتمع في موضع واحد من ظهره ولا يجعله في وعاء يتموج فيه فيكد البهيمة ويتعبها وإن اكترى ظهرا للحمل موصوفا بجنس فأراد حمله على غير ذلك الجنس وكان الطالب لذلك المستأجر لم يقبل منه لأنه لا يملك المطالبة بما لم يعقد عليه وإن طلبه المؤجر وكان يفوت به غرض للمستأجر مثل أن يكون غرضه الاستعجال في السير أو أن لا ينقطع عن القافلة فيتعين الخيل أو البغال أو يكون غرضه سكون الحمولة لكون الحمولة مما يضرها الهز أو قوتها وصبرها لطول الطريق وثقل الحمولة فيعين الإبل لم يجز العدول عنه لأنه يفوت غرض المستأجر فلم يجز ذلك كما في المركوب وإن لم يفوت غرضا جاز كما يجوز لمن اكترى على حمل شيء حمل مثله أو أقل ضررا منه .
فصل : ويجوز كراء الدابة للعمل لأنها منفعة مباحة خلقت الدابة لها فجاز الكراء لها كالركوب وإن اكترى بقرا للحرث جاز لأن البقر خلقت للحرث ولذلك قال النبي A [ بينما رجل يسوق بقرة أراد أن يركبها فقالت إني لم أخلق لهذا إنما خلقت للحرث ] متفق عليه ويحتاج إلى شرطين معرفة الأرض وتقدير العمل فأما الأرض فلا تعرف إلا بالمشاهدة ولأنها تختلف فتكون صلبة تتعب البقر والحراث وقد يكون فيها حجارة تتعلق بالسكة وتكون رخوة سهلة يسهل حرثها ولا تأتي الصفة عليها فيحتاج إلى رؤيتها .
وأما تقدير العمل فيجوز بأحد شيئين إما بالمدة كيوم ويومين وإما الأرض كهذه القطعة أو من هذا المكان إلى هذا المكان أو بالمساحة كمدي أو مديين ونحو ذلك كل ذلك جائز لأن العلم يحصل به فإن قدره بالمدة فلا بد من معرفة البقر التي يعمل عليها لأن الغرض يختلف باختلافها في القوة والضعف ويجوز أن يستأجر البقر مفردة ليتولى رب الأرض الحرث بها ويجوز أن يستأجرها مع صاحبها ليتولى الحرث بها ويجوز استئجارها بآلتها من الفدان والنير واستئجارها بدون آلتها وتكون الآلة من عند صاحب الأرض ويجوز استئجار البقر وغيرها لدراس الزرع لأنها منفعة مباحة مقصودة فأشبهت الحرث ويجوز على مدة أو زرع معين أو موصوف كما ذكرنا في الحرث ومتى كان على مدة احتيج إلى معرفة الحيوان الذي يعمل عليه ليعرف قوته أو ضعفه وإن كان على عمل غير مقدر بالمدة احتاج إلى معرفة جنس الحيوان لأن الغرض يختلف به فمنه ما روثه طاهر ومنه ما روثه نجس ولا يحتاج إلى معرفة عين الحيوان ويجوز أن يستأجر الحيوان بآلته وبغير آلته مع صاحبه ومنفردا عنه كما ذكرنا في الحرث .
فصل : ويجوز استئجار بهيمة لإدارة الرحى ويفتقر إلى شيئين معرفة الحجر إما بمشاهدة وإما بصفة تحصل بها معرفته لأن عمل البهيمة يختلف فيه بثقله وخفته فيحتاج صاحبها إلى معرفته وتقدير العمل إما بالزمان فيقول يوما أو يومين أو بالطعام فيقول قفيزا أو قفيزين ويذكر جنس المطحون إن كان يختلف لأن منه ما يسهل طحنه ومنه ما يصعب وكذلك إن اكتراها لإدارة دولاب فلا بد من مشاهدته ومشاهدة دولابه لاختلافها وتقدير ذلك بالزمان أو ملء هذا الحوض أو هذه البركة وكذلك إن اكتراها للاستقاء بالغرب فلا بد من معرفته لأنه يختلف بكبره وصغره ويقدر بالزمان أو بعدد الغروب أو بملء بركة أو حوض ولا يجوز تقدير ذلك بسقي أرض لأن ذلك يختلف فقد تكون الأرض عطشانة لا يرويها القليل وتكون قريبة العهد بالماء فيكفيها القليل فيكون ذلك مجهولا وإن قدره بسقي ماشية احتمل أن لا يجوز لذلك ويحتمل أن يجوز لأن شربها يتقارب في الغالب ويجوز استئجار دابة لتسقي عليها ماء ولا بد من معرفة الآلة التي يستقي بها من راوية أو قرب أو جرار ومعرفة ذلك إما بالرؤية وإما بالصفة ويقدر العمل إما بالزمان وإما بعدد المرات وإما بملء شيء معين فإن قدره بعدد المرات احتاج إلى معرفة الموضع الذي يستقي منه والذي يذهب إليه لأن ذلك يختلف بالقرب والبعد والسهولة والحزونة وإن قدره بملء شيء معين احتاج إلى معرفته ومعرفة ما يستقي منه ويجوز أن يكتري البهيمة بآلتها وبدونها مع صاحبتها ووحدها وإن اكتراها لبل تراب معروف جاز لأن ذلك بالعرف وكل موضع وقع العقد على مدة فلا بد من معرفة الظهر الذي يعمل عليه لأن الغرض يختلف باختلافها في القوة والضعف وإن وقع على عمل معين لم يحتج إلى معرفتها لأنه لا يختلف ويحتمل أن يحتاج إلى ذلك في استقاء الماء عليه لأن منه ما روثه طاهر وجسمه طاهر بغير خلاف كالخيل والبقر ومنه ما روثه نجس ويختلف في نجاسة جسمه كالبغال والحمير فربما نجس به المستقي أو دلوه فيتنجس الماء به فيختلف الغرض بذلك فتجب معرفته .
فصل : وإذا اكترى حيوانا لعمل لم يخلق له مثل أن اكترى البقر للركوب والحمل عليها أو اكترى الإبل والحمر للحرث جاز لأنها منفعة مقصودة أمكن استيفاؤها من الحيوان لم يرد الشرع بتحريمها فجاز كالذي خلقت له ولأن مقتضى الملك جواز التصرف بكل ما تصلح له العين المملوكة ويمكن تحصيله منها ولا يمتنع ذلك إلا بمعارض راجح إما ورود نص بتحريمه أو قياس صحيح أو رجحان مضرته على منفعته وليس ههنا واحد منها وكثير من الناس من الأكراد وغيرهم يحملون على البقر ويركبونها وفي بعض البلدان يحرث على الإبل والبغال والحمير فيكون معنى خلقها للحرث إن شاء الله أن معظم الانتفاع بها فيه ولا يمنع ذلك الانتفاع بها في شيء آخر كما أن الخيل خلقت للركوب والزينة ويباح أكلها واللؤلؤ خلق للحلية ويجوز استعماله في الأدوية وغيرها والله أعلم