مسألة وفصول : حكم استئجار الدابة لموضع أو لحمولة أو طريق .
مسألة : قال : ومن اكترى دابة إلى موضع فجاوزه فعليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل لما جاوز وإن تلفت فعليه أيضا قيمتها : .
الكلام في هذه المسألة في فصلين الفصل الأول : في الأجر الواجب وهو المسمى وأجر المثل للزائد نص عليه أحمد ولا خلاف فيه بين أصحابنا ذكر القاضي ذلك وروى الأثرم بإسناده عن أبي الزناد أنه ذكر عن فقهاء المدينة السبعة وقال ربما اختلفوا في الشيء فأخذنا بقول أكثرهم وأفضلهم رأيا فكان الذي وعيت عنهم على هذه الصفة : إن من اكترى دابة إلى بلد ثم جاوز ذلك إلى بلده سواه فإن الدابة إن سلمت في ذلك كله أدى كراءها وكراء ما بعدها وإن تلفت في تعديها ضمنها وأدى كراءها الذي تكاراها به وهذا قول الحكم و ابن شبرمة و الشافعي .
وقال الثوري و أبو حنيفة : لا أجر عليه لما زاد لأن المنافع عندهما لا تضمن في الغصب وحكي عن مالك أنه إذا تجاوز بها إلى مسافة بعيدة يخير صاحبها بين أجر المثل وبين المطالبة بقيمتها يوم التعدي لأنه متعد بإمساكها حابس لها عن أسواقها فكان لصاحبها تضمينها إياه .
ولنا أن العين باقية بحالها يمكن أخذها فلم تجب قيمتها كما لو كانت المسافة قريبة وما ذكره تحكم لا دليل عليه ولا نظير له فلا يجوز المصير إليه وقد مضى الكلام مع أبي حنيفة في الغصب .
الفصل الثاني في الضمان : .
ظاهر كلام الخرقي وجوب قيمتها إذا تلفت به سواء تلفت في الزيادة أو بعد ردها إلى المسافة وسواء كان صاحبها مع المكتري أو لم يكن وهذا ظاهر مذهب الفقهاء السبعة إذا تلفت حال التعدي لما حكينا عنهم وقال القاضي : إن كان المكتري نزل عنها وسلمها إلى صاحبها ليمسكها أو يسقيها فتلفت فلا ضمان على المكتري وإن هلكت والمكتري راكب عليها أو حمله عليها فعليه ضمانها وقال أبو الخطاب : إن كانت يد صاحبها عليها احتمل أن يلزم المكتري جميع قيمتها واحتمل أن يلزمه نصف قيمتها وقال أصحاب الشافعي : إن لم يكن صاحبها معها لزم المكتري قيمتها كلها وإن كان معها فتلفت في يد صاحبها لم يضمنها المكتري لأنها تلفت في يد صاحبها أشبه ما لو تلفت بعد مدة التعدي وإن تلفت تحت الراكب ففيه قولان أحدهما : يلزمه نصف قيمتها لأنها تلفت بفعل مضمون وغير مضمون أشبه ما لو تلفت بجراحته وجراحة مالكها والثاني : تقسط القيمة على المسافتين فما قابل مسافة الإجارة سقط ووجب الباقي ونحو هذا قول أبي حنيفة فإنه قال من اكترى جملا لحمل تسعة فحمل عشرة فتلف فعلى المكتري عشر قيمته وموضع الخلاف في لزوم كمال القيمة إذا كان صاحبها مع راكبها أو تلفت في يد صاحبها فأما إذا تلفت حال التعدي ولم يكن صاحبها مع راكبها فلا خلاف في ضمانها بكمال قيمتها لأنها تلفت في يد عادية فوجب ضمانها كالمغصوبة وكذلك إذا تلفت تحت الراكب أو تحت حمله وصاحبها معها لأن اليد للراكب وصاحب الحمل بدليل أنهما لو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل والآخر أخذ بزمامها لكانت للراكب ولصاحب الحمل ولأن الراكب متعد بالزيادة وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان كمن جلس إلى إنسان فحرق ثيابه وهو ساكت ولأنها إن تلفت بسبب تعبها فالضمان على المتعدي كمن ألقى حجرا في سفينة موقرة فغرقها فأما إن تلفت في يد صاحبها بعد نزول الراكب عنها فينظر فإن كان تلفها بسبب تعبها بالحمل والسير فهو كما لو تلفت تحت الحمل والراكب وإن تلفت بسبب آخر من افتراس سبع أو سقوط في هوة ونحو ذلك فلا ضمان فيها لأنها لم تتلف في يد عادية ولا بسبب عدوان وقولهم تلفت بفعل مضمون وغير مضمون أشبه ما لو تلفت بجراحتين يبطل بما إذا قطع السارق ثم قطع آخر يده عدوانا فمات منهما وفارق ما إذا جرح نفسه وجرحه غيره لأن الفعلين عدوان فقسم الضمان عليهما .
فصل : ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة وبه قال أبو حنيفة و أبو يوسف و الشافعي وقال محمد : يسقط كما لو تعدى في الوديعة ثم ردها .
ولنا أنها يد ضامنة فلا يزول الضمان عنها إلا بإذن جديد ولم يوجد وما ذكروه في الوديعة لا نسلمه إلا أن يردها إلى مالكها أو يجدد له إذنا .
مسألة : قال : وكذلك إن اكترى لحمولة شيء فزاد عليه : .
وجملة ذلك أن من اكترى لحمل شيء فزاد عليه مثل أن يكتريها لحمل قفيزين فحمل ثلاثة فحكمه حكم من اكترى إلى موضع فجاوزه إلى سواء في وجوب الأجر المسمى وأجر المثل لما زاد ولزوم الضمان إن تلفت هذا قول الشافعي وحكى القاضي أن قول أبي بكر في هذه المسألة وجوب أجر المثل في الجميع وأخذه من قوله فيمن استأجر أرضا ليزرعها شعيرا فزرعها حنطة قال عليه أجر المثل للجميع لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره فأشبه ما لو استأجر أرضا فزرع أخرى فجمع القاضي C بين مسألة الخرقي ومسألة أبي بكر وقال : ينقل قول كل واحد من إحدى المسألتين إلى الأخرى لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز فيكون في المسألتين وجهان وليس الأمر كذلك فإن بين المسألتين فرقا ظاهرا فإن الذي حصل التعدي فيه في الحمل متميز عن المعقود عليه وهو القفيز الزائد بخلاف الزرع ولأنه في مسألة الحمل استوفى المنفعة المعقود عليها وزاد وفي الزرع لم يزرع ما وقع العقد عليه ولهذا علله أبو بكر بأنه عدل عن المعقود عليه ولا يصح هذا القول في مسألة الحمل فإنه قد حمل المعقود عليه وزاد عليه بل إلحاق هذه المسألة بما إذا اكترى مسافة وزاد عليها أشد وشبهها بها أشد ولأنه في مسألة الحمل متعد بالزيادة وحدها وفي مسألة الزرع متعد بالزرع كله فأشبه الغاصب فأما مسألة الزرع فيما إذا اكترى أرضا لزرع الشعير فزرع حنطة فقد نص أحمد في رواية عبد الله فقال ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان ما بين الحنطة والشعير فيعطى رب الأرض فجعل هذه المسألة كمسألتي الخرقي في إيجاب المسمى وأجر المثل للزائد ووجهه أنه لما عين الشعير لم يتعين ولم يتعلق العقد بعينه كما سبق ذكره ولهذا قلنا له زرع مثله وما هو دونه في الضرر فإذا زرع حنطة فقد استوفى حقه وزيادة أشبه ما لو اكتراها إلى موضع فجاوزه وقال أبو بكر له : أجر المثل وعلله بأنه عدل عن المعقود عليه فإن الحنطة ليست شعيرا وزيادة وإن قلنا إنه قد استوفى المعقود عليه وزيادة غير أن الزيادة ليست متميزة عن المعقود عليه بخلاف مسألتي الخرقي وقال الشافعي : المكتري يخير بين أخذ الكراء وما نقصت الأرض عما ينقصها الشعير وبين أخذ كراء مثلها للجميع لأن هذه المسألة أخذت شبها من أصلين .
أحدهما : إذا ركب دابة فجاز بها المسافة المشروطة لكونه استوفى المعقود عليه وزيادة والثاني : إذا استأجر أرضا فزرع غيرها لأنه زرع متعديا فلهذا خيره بينهما ولأنه وجد سبب يقتضي كل واحد من الحكمين وتعذر الجمع بينهما فكان له أوفرهما وفوض اختياره إلى المستحق كقتل العمد ومن نصر أبا بكر قال : هذا متعد بالزرع كله فكان عليه أجر المثل كالغاصب ولهذا يملك رب الأرض منعه من زرعه ويملك أخذه بنفقته إذا زرعه ويفارق من زاد على حقه زيادة متميزة فإنه غير متعد بالجميع إنما تعدى بالزيادة وحدها ولهذا لا يملك المكري منعه من الجميع ونظير هاتين المسألتين من اكترى غرفة ليجعل فيها أقفزة حنطة فترك فيها أكثر منها ومن اكتراها ليجعل فيها قنطارا من القطن فجعل فيها قنطارا من حديد ففي الأولى له المسمى وأجر الزيادة وفي الثانية يخرج فيها من الخلاف مثل ما قلنا في مسألة الزرع وحكم المستأجر الذي يزرع أضر مما اكترى له حكم الغاصب لرب الأرض منعه في الابتداء لما يلحقه من الضرر فإن زرع فرب الأرض مخير بين ترك الزرع بالأجر وبين أخذه ودفع النفقة وإن لم يعلم حتى أخذ المستأجر زرعه فله الأجرة لا غير على ما ذكرنا في باب الغصب .
فصل : وإن اكترى دابة إلى ماسفة فسلك أشق منها فهي مثل مسألة الزرع يخرج فيها وجهان قياس المنصوص عن أحمد أن له الأجر المسمى وزيادة لكون المسافة لا تتعين على قول أصحابنا وقياس قول أبي بكر أن له أجر المثل لأن الزيادة غير متميزة ولأنه متعد بالجميع بدليل أن لرب الدابة منعه من سلوك تلك الطريق كلها بخلاف من سلك تلك الطريق وجاوز فإنه إنما يمنعه الزيادة لا غير وإن اكترى لحمل قطن فحمل بوزنه حديدا أو لحمل حديد فحمل قطنا فالصحيح أن عليه أجر المثل ههنا لأن ضرر أحدهما مخالف لضرر الأرض فلم يتحقق كون المحمول مشتملا على المستحق بعقد الإجارة وزيادة عليه بخلاف ما قبلها من المسائل وسائر مسائل العدوان في الإجارة يقاس على ما ذكرنا من المسائل ما كان متميزا وما لم يكن متميزا فتلحق كل مسألة بنظيرتها والله أعلم .
فصل : إذا أكراه لحمل قفيزين فحملهما فوجدهما ثلاثة فإن كان المكتري تولى الكيل ولم يعلم المكري بذلك فحكمه حكم من اكترى لحمولة شيء فزاد عليه وإن كان المكري تولى كيله وتعبيته ولم يعلم المكتري فهو غاصب لا أجر له في حمل الزائد وإن تلفت دابته فلا ضمان لها لأنها تلفت بعدوان صاحبها وحكمه في ضمان الطعام حكم من غصب طعام غيره وإن تولى ذلك أجنبي ولم يعلم المكري والمكتري فهو متعد عليهما يلزمه لصاحب الدابة الأجر ويتعلق به الضمان ويلزمه لصاحب الطعام ضمان طعامه وسواء كاله أحدهما ووضعه الآخر على ظهر الدابة أو كان الذي كاله وعبأه وضعه على ظهرها وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين إذا كاله المكتري ووضعه المكري على ظهر البهيمة لا ضمان على المكتري لأن المكري مفرط في حمله .
ولنا أن التدليس ليس من المكتري إذ أخبره بكيلها على خلاف ما هو به فلزمه الضمان كما لو أمر أجنبيا بتحميلها فأما إن كالها المكتري ورفعها المكري على الدابة عالما بكيلها لم يضمن المكتري دابته إذا تلفت لأنه فعل ذلك من غير تدليس ولا تغرير وهل له أجر القفيز الزائد ؟ يحتمل وجهين أحدهما : لا أجر له لأن المكتري لم يجعل له على ذلك أجرا والثاني : له أجر الزائد لأنهما اتفقا على حمله على سبيل الإجارة فجرى مجرى المعاطاة في البيع ودخول الحمام من غير تقدير أجره وإن كاله المكري وحمله المكتري على الدابة عالما بذلك من غير أن يأمره بحمله عليها فعليه أجر القفيز الزائد وإن أمره بحمله عليها ففي وجوب الأجر وجهان كما لو حمله المكري عليها لأنه إذا أمر به كان ذلك كفعله وإن كاله أحدهما وحمله أجنبي بأمره فهو كما لو حمله الذي كاله وإن كان بأمر الآخر فهو كما لو حمله الآخر وإن حمله بغير أمرهما فهو كما لو كاله ثم حمله