مسألة وفصول : قال : ويجوز أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته .
مسألة : قال : ويجوز أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته : .
اختلفت الرواية عن أحمد فيمن استأجر أجيرا بطعامه وكسوته أو جعل له أجرا وشرط طعامه وكسوته فروي عنه جواز ذلك وهو مذهب مالك و إسحاق وروي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى Bهم أنهم استأجروا الأجراء بطعامهم وكسوتهم وروي عنه أن ذلك جائز في الظئر دون غيرها اختارها القاضي وهذا مذهب أبي حنيفة لأن ذلك مجهول وإنما جاز في الظئر لقول الله تعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } فأوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع ولم يفرق بين المطلقة وغيرها بل في الآية قرينة تدل على طلاقها لأن الزوجة تجب نفقتها وكسوتها بالزوجية وإن لم ترضع لأن الله تعالى قال : { وعلى الوارث مثل ذلك } والوارث ليس بزوج ولأن المنفعة في الحضانة والرضاع غير معلومة فجاز أن يكون عوضها كذلك وروي عنه رواية ثالثة لا يجوز ذلك بحال لا في الظئر ولا في غيرها وبه قال الشافعي و أبو يوسف و محمد و أبو ثور و ابن المنذر لأن ذلك يختلف اختلافا كثيرا متباينا فيكون مجهولا والأجر من شرطه أن يكون معلوما .
ولنا ما روى ابن ماجة عن عتبة بن المنذر قال : [ كنا عند رسول الله A فقرأ { طس } حتى بلغ قصة موسى قال : إن موسى آجر نفسه ثماني حجج أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه ] وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه .
وعن أبي هريرة Bه أنه قال كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي أحطب لهم إذا نزلوا وأحدوا بهم إذا ركبوا ولأن من ذكرنا من الصحابة وغيرهم فعلوه فلم يظهر له نكير فكان إجماعا ولأنه قد ثبت في الظئر بالآية فيثبت في غيرها بالقياس عليها ولأنه عوض منفعة فقام العرف فيه مقام التسمية كنفقة الزوجة ولأن للكسوة عرفا وهي كسوة الزوجات وللإطعام عرف وهو الإطعام في الكفارات فجاز إطلاقه كنقد البلد ونخص أبا حنيفة بأن ما كان عوضا في الرضاع جاز في الخدمة كالأثمان إذا ثبت هذا فإنهما إن تشاحا في مقدار الطعام والكسوة رجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة وفي الكسوة إلى أقل ملبوس مثله قال أحمد إذا تشاحا في الطعام يحكم له بمد كل يوم ذهب به إلى ظاهر ما أمر الله تعالى من إطعام المساكين ففسرت ذلك السنة بأنه مد لكل مسكين ولأن الإطعام مطلق في الموضعين فما فسر به أحدهما يفسر به الآخر وليس له إطعام الأجير إلا ما يوافقه من الأغذية لأن عليه ضررا ولا يمكنه استيفاء الواجب له منه .
فصل : وإن شرط الأجير كسوة ونفقة معلومة موصوفة كما يوصف في السلم جاز ذلك عند الجميع وإن لم يشترط طعاما ولا كسوة فنفقته وكسوته على نفسه وكذلك الظئر قال ابن المنذر لا أعلم عن أحد خلافا فيما ذكرت وإن شرط للأجير طعام غيره وكسوته موصوفا جاز لأنه معلوم أشبه ما لو شرط دراهم معلومة ويكون ذلك للأجير إن شاء أطعمه وإن شاء تركه وإن لم يكن موصوفا لم يجز لأن ذلك مجهول احتمل فيما إذا شرطه للأجير للحاجة إليه وجرت العادة به فلا يلزم احتمالها مع عدم ذلك ولو استأجر دابة بعلفها أو بأجر مسمى وعلفها لم يجز لأنه مجهول ولا عرف له يرجع إليه ولا نعلم أحدا قال بجوازه إلا أن يشترطه موصوفا فيجوز .
فصل : وإن استغنى الأجير عن طعام المؤجر بطعام نفسه أو غيره أو عجز عن الأكل لمرض أو غيره لم تسقط نفقته وكان له المطالبة بها لأنها عوض فلا تسقط بالغنى عنه كالدراهم وإن احتاج لدواء لمرضه لم يلزم المستأجر ذلك لأنه لم يشرط له الإطعام إلا صحيحا لكن يلزمه له بقدر طعام الصحيح يشتري له الأجير ما يصلح لأن ما زاد على طعام الصحيح لم يقع العقد عليه فلا يلزم به كالزائد في القدر .
فصل : إذا دفع إليه طعامه فأحب الأجير أن يستفضل بعضه لنفسه نظرت فإن كان المؤجر دفع إليه أكثر من الواجب ليأكل قدر حاجته ويفضل الباقي أو كان في تركه لأكله كله ضرر على المؤجر بأن يضعف عن العمل أو يقل لبن الظئر منع منه لأنه في الصورة الأولى لم يملكه إياه وإنما أباحه أكل قدر حاجته وفي الثانية على المؤجر ضرر بتفويت بعض ماله من منفعته فمنع منه كالجمال إذا امتنع من علف الجمال وإن دفع إليه قدر الواجب من غير زيادة أو دفع إليه أكثر وملكه إياه ولم يكن في تفضيله لبعضه ضرر بالمؤجر جاز لأنه حق لا ضرر على المؤجر فيه فأشبه الدراهم .
فصل : وإن قدم إليه طعاما فنهب أو تلف قبل أكله نظرت فإن كان على مائدة لا يخصه فيها بطعامه فهو من ضمان المستأجر لأنه لم يسلمه إليه فكان تلفه من ماله وإن خصه بذلك وسلمه إليه فهو من ضمان الأجير لأنه تسليم عوض على وجه التمليك أشبه البيع