فصول : فروع في انتهاء مدة إجارة الأرض وفيها زرع لم يبلغ حصاده .
فصل : وإذا استأجر أرضا للزراعة مدة فانقضت وفيها زرع لم يبلغ حصاده لم يخل من حالين أحدهما : أن يكون لتفريط من المستأجر مثل أن يزرع زرعا لم تجر العادة بكماله قبل انقضاء المدة فحكمه حكم زرع الغاصب يخير المالك بعد المدة من أخذه بالقيمة أو تركه بالأجر لما زاد على المدة لأنه أبقى زرعه في أرض غيره بعدوانه وإن اختار المستأجر قطع زرعه في الحال وتفريغ الأرض فله ذلك لأنه يزيل الضرر ويسلم الأرض على الوجه الذي اقتضاه العقد وذكر القاضي أن على المستأجر نقل الزرع وتفريغ الأرض وإن اتفقا على تركه بعوض أو غيره جاز وهذا مذهب الشافعي بناء على قوله في الغاصب وقياس مذهبنا ما ذكرناه .
الحال الثاني : أن يكون بقاؤه بغير تفريط مثل أن يزرع زرعا ينتهي في المدة عادة فأبطأ لبرد أو غيره فإنه يلزم المؤجر تركه إلى أن ينتهي وله المسمى وأجر المثل لما زاد وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني قالوا يلزمه نقله لأن المدة ضربت لنقل الزرع فيلزم العمل بموجبه وقد وجد منه تفريط لأنه كان يمكنه أن يستظهر في المدة فلم يفعل .
ولنا أنه حصل الزرع في أرض غيره بإذنه من غير تفريط فلزم تركه كما لو أعاره أرضا فزرعها ثم رجع المالك قبل كمال الزرع وقولهم إنه مفرط غير صحيح لأن هذه المدة التي جرت العادة بكمال الزرع فيها وفي زيادة المدة تفويت زيادة الأجر بغير فائدة وتضييع زيادة متيقنة لتحصيل شيء متوهم على خلاف العادة هو التفريط فلم يكن تركه تفريطا ومتى أراد المستأجر زرع شيء لا يدرك مثله في الإجارة فللمالك منعه لأنه سبب لوجود زرعه في أرضه بغير حق فملك منعه منه فإن زرع لم يملك مطالبته بقلعه قبل المدة لأنه في أرض يملك نفعها ولأنه لا يملك ذلك بعد المدة فقبلها أولى ومن أوجب عليه قطعه بعد المدة قال إذا لم يكن بد من المطالبة بالنقل فليكن عند المدة التي يستحق تسليمها إلى المؤجر فارغة .
فصل : وإذا اكترى الأرض لزرع مدة لا يكمل فيها مثل أن يكتري خمسة أشهر لزرع لا يكمل إلا في سنة نظرنا فإن شرط تفريغها عند انقضاء المدة ونقله عنها صح لأنه لا يفضي إلى الزيادة على مدته وقد يكون له غرض في ذلك لأخذه إياه قصيلا أو غيره ويلزمه ما التزم وإن أطلق العقد ولم يشترط شيئا احتمل أن يصح لأن الانتفاع بالزرع في هذه المدة ممكن واحتمل أنه إن أمكن أن ينتفع بالأرض في زرع ضرره كضرر الزرع المشروط أو دونه مثل أن يزرعها شعيرا يأخذه قصيلا صح العقد لأن الانتفاع بها في بعض ما اقتضاه العقد ممكن وإن لم يكن كذلك لم يصح لأنه اكترى للزرع ما لا ينتفع بالزرع فيه أشبه إجارة السبخة له فإن قلنا يصح فإن انقضت المدة ففيه وجهان أحدهما : حكمه حكم زرع المستأجر لما لا يكمل في مدته لأنه ههنا مفرط واحتمل أن يلزم المكري تركه بالأجر لأن التفريط منه حيث أكراه مدة لزرع لا يكمل فيها وإن شرط تبقيته حتى يكمل فالعقد فاسد لأنه جمع بين متضادين فإن تقدير المدة يقتضي النقل فيها وشرط التبقية يخالفه ولأن مدة التبقية مجهولة فإن زرع لم يطالب بنقله كالتي تقدمت .
فصل : إذا أجره للغراس سنة صح لأنه يمكنه تسليم منفعتها المباحة المقصودة فأشبهت سائر المنافع وسواء شرط قلع الغراس عند انقضاء المدة أو أطلق وله أن يغرس قبل انقضاء المدة فإذا انقضت لم يكن له أن يغرس لزوال عقده فإذا انقضت السنة وكان قد شرط القلع عند انقضائها لزمه ذلك وفاء بموجب شرطه وليس على صاحب الأرض غرامة نقصه ولا على المكتري تسوية الحفر وإصلاح الأرض لأنهما دخلا على هذا لرضاهما بالقلع واشتراطهما عليه وإن اتفقا على إبقائه بأجر أو غيره جاز إذا شرطا مدة معلومة وكذلك لو اكترى الأرض سنة بعد سنة كلما انقضى عقد جدد آخر جاز وإن أطلق العقد فللمكتري القلع لأن الغرس ملكه فله أخذه كطعامه من الدار التي باعها وإذا قلع فعليه تسوية الحفر لأنه نقص دخل على ملك غيره بغير إذنه وهكذا إن قلعه قبل انقضاء المدة ههنا وفي التي قبلها لأن القلع قبل الوقت لم يأذن فيه المالك ولأنه تصرف في الأرض تصرفا نقصها لم يقتضه عقد الإجارة وإن أبي القلع لم يجبر عليه إلا أن يضمن له المالك نقص غرسه فيجبر حينئذ وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة و مالك : عليه القلع من غير ضمان النقص له لأن تقدير المدة في الإجارة يقتضي التفريغ عند انقضائها كما لو استأجرها للزرع .
ولنا قول النبي A : [ ليس لعرق ظالم حق ] مفهومه أن ما ليس بظالم له حق وهذا ليس بظالم ولأنه غرس بإذن المالك ولم يشترط قلعه فلم يجبر على القلع من غير ضمان النقص كما لو استعار منه أرضا للغرس مدة فرجع قبل انقضائها ويخالف الزرع فإنه لا يقتضي التأبيد فإن قيل فإن كان إطلاق العقد في الغراس يقتضي التأبيد فشرط القلع ينافي مقتضى العقد فينبغي أن يفسده قلنا إنما اقتضى التأبيد من حيث إن العادة في الغراس التبقية فإذا أطلقه حمل على العادة وإذا شرط خلافه جاز كما إذا باع بغير نقد البلد أو شرط في الإجارة شرطا يخالف العادة إذا ثبت هذا فإن رب الأرض يخير بين ثلاثة أشياء أحدها : أن يدفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع أرضه الثاني : أن يقلع الغراس والبناء ويضمن ارش نقصه الثالث : أن يقر الغراس والبناء ويأخذ منه أجر المثل وبهذا قال الشافعي وقال مالك : يخير بين دفع قيمته فيملكه وبين مطالبته بالقلع من غير ضمان وبين تركه فيكونان شريكين وليس بصحيح لأن الغرس ملك لغارسه لم يدفع إليه عنه عوض ولا رضي بزوال ملكه عنه فلا يزول عنه كسائر الغرس وإن اتفقا على بيع الغراس والبناء للمالك جاز وإن باعهما صاحبهما لغير مالك الأرض جاز ومشتريهما يقوم فيهما مقام البائع وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين ليس له بيعهما لغير مالك الأرض لأن ملكه ضعيف بدليل أن لصاحب الأرض تملكه عليه بالقيمة من غير إذنه .
ولنا أنه مملوك له يجوز بيعه لمالك الأرض فجاز لغيره كشقص مشفوع وبهذا يبطل ما ذكروه فإن للشفيع تملك الشقص وشراؤه ويجوز بيعه لغيره فأما إن شرط في العقد تبقية الغراس فذكر القاضي أنه صحيح وحكمه حكم ما لو أطلق العقد سواء وهو قول أصحاب الشافعي ويحتمل أن يبطل العقد لأنه شرط ما ينافي مقتضى العقد فلم يصح كما لو شرط ذلك في الزرع الذي لا يكمل قبل انقضاء المدة ولأن الشرط باطل بدليل أنه لا يجب الوفاء به وهو مؤثر فأبطله كشرط تبقية الزرع بعد مدة الإجارة