كتاب الغصب .
الغصب هو الإستيلاء على مال غيره بغير حق وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع : أما الكتاب فقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون } وقوله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا } والسرقة نوع من الغصب وأما السنة فروى جابر [ أن رسول الله A قال : في خطبته يوم النحر إن دماءكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ] رواه مسلم وغيره وعن سعيد بن زيد قال : سمعت رسول الله A يقول : [ من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه من سبع أرضين ] متفق عليه وروى أبو حرة الرقاشي عن عمه وعمرو بن يثربي عن النبي A أنه قال : [ لا يحل مال أمرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ] رواه أبو إسحاق الجوزجاني وأجمع المسلمون على تحريم الغصب في الجملة وإنما اختلفوا في فروع منه إذا ثبت هذا فمن غصب شيئا لزمه رده ما كان باقيا بغير خلاف نعلمه لقول النبي A [ على اليد ما أخذت حتى تؤديه ] ولأن حق المغصوب منه معلق بعين ماله وماليته ولا يتحقق ذلك إلا برده فإن تلف في يده لزمه بدله لقول الله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ولأنه لما تعذر رد العين وجب رد ما يقوم مقامها في المالية ثم ينظر فإن كان مما تتماثل أجزاؤه وتتفاوت صفاته كالحبوب والأدهان وجب مثله لأن المثل أقرب إليه من القيمة وهو مماثل له من طريق الصورة والمشاهدة والمعنى والقيمة مماثلة من طريق الظن والإجتهاد فكان ما طريقه المشاهدة مقدما كما يقدم النص على القياس لكون النص طريقه الإدراك بالسماع والقياس طريقة الظن والإجتهاد وإن كان غير متقارب الصفات وهو ما عدا المكيل والموزون وجبت قيمته في قول الجماعة وحكي عن العنبري يجب في كل شيء مثله لما روت جسرة بنت دجاجة [ عن عائشة Bها أنها قالت : ما رأيت صانعا مثل حفصة صنعت طعاما فبعثت به إلى النبي A فأخذني الأكل فكسرت الإناء فقلت يا رسول الله ما كفارة ما صنعت ؟ فقال : إناء مثل الإناء وطعام مثل الطعام ] رواه أبو داود و [ عن أنس أن إحدى نساء النبي A كسرت قصعة الأخرى فدفع النبي A قصعة الكاسرة إلى رسول صاحبة المكسورة وحبس المكسورة في بيته ] رواه أبو داود مطولا ورواه الترمذي نحوه وقال : حديث حسن صحيح ولأن النبي A إستسلف بعيرا ورد مثله .
ولنا ما روى عبد الله بن عمر أن النبي A قال : من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل متفق عليه فأمر بالتقويم في حصة الشريك لأنها متلفة بالعتق ولم يأمر بالمثل ولأن هذه الأشياء لا تتساوى أجزاؤها وتتباين صفاتها فالقيمة فيها أعدل وأقرب إليها فكانت أولى وإما الخبر فمحمول على أنه جوز ذلك بالتراضي وقد علم أنها ترضى بذلك