مسائل : تعريف الاستجمار ما يستجمر به أن يكون طاهرا ولا يجوز الاستجمار بالروث ولا بما له حرمة والحجر الكبير يجزئ عن ثلاثة .
مسائل : قال : والخشب والخرق وكل ما أنقي به فهو كالأحجار .
هذا الصحيح من المذهب وهو قول أكثر أهل العلم وفيه رواية أخرى لا يجزئ إلا الأحجار اختارها أبو بكر وهو مذهب دواد لأن النبي A أمر بالأحجار وأمره يقتضي الوجوب ولأنه موضع رخصة ورد الشرع فيها بآلة مخصوصة فوجب الاقتصار عليها كالتراب في التيمم .
ولنا ما روى أبو داود عن خزيمة قال [ سئل النبي A عن الاستطابة فقال : بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ] فلولا أنه أراد الحجر وما معناه لم يستثن منها الرجيع لأنه يحتاج إلى ذكره ولم يكن لتخصيص الرجيع بالذكر معنى وفي حديث سلمان عن النبي A أنه لينهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وأن نستجمر برجيع أو عظم رواه مسلم وتخصيص هذين بالنهي يدل على أنه أراد الحجارة وما قام مقامها ورى طاوس عن النبي A أنه قال [ إذا أتى أحدكم فلينزه قبلة الله ولا يستقبلها ولا يستديرها وليستطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أو أعواد أو ثلاث حثيات من تراب ] رواه الدارقطني وقال : وقد روي عن ابن عباس مرفوعا والصحيح أنه مرسل ورواه سعيد في سننه موقوفا على طاوس ولأنه متى ورد النص بشيء لمعنى معقول وجب تعديته إلى ما وجد فيه المعنى ههنا إزالة عين النجاسة وهذا يحصل بغير الأحجار كحصوله بها وبهذا يخرج التيمم فإنه غير معقول ولا بد أن يكون ما يستجمر به منقيا لأن الانقاء مشترط في الاستجمار فأما الزلج كالزجاج الرخو وشبههما مما لا ينقي فلا يجزئ لأنه لا يحصل منه المقصود ويشترط كونه طاهرا فإن كان نجسا لم يجزه وبهذا قال الشافعي : وقال أبو حنيفة يجزئه لأنه يجفف كالطاهر .
ولنا : [ أن مسعود جاء إلى النبي A بحجرين وروثه يستجمر بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال هذا ركس ] رواه البخاري وفي لفظ رواه الترمذي : [ أنها ركس ] يعني نجسا وهذا تعليل من النبي A يجب المصير إليه ولأنه إزالة النجاسة قد يحصل بالنجاسة كالغسل فإن استنجى بنجس احتمل أن لا يجزئه الاستجمار بعده لأن المحل تنجس بنجاسة من غير المخرج فلم يجزئ فيها غير الماء كما لو تنجس ابتداء ويحتمل أن يجزئه لأن هذه النجاسة تابعة لنجاسة المحل فزالت بزوالها .
مسألة : إلا الروث والعظام والطعام .
وجملته أنه لا يجوز الاستجمار بالروث ولا العظام ولا يجزئ في قول أكثر أهل العلم وبهدا قال الثوري و الشافعي و إسحاق وأباح أبو حنيفة الاستنجاء بهما لأنهما يجففان النجاسة وينقيان المحل فهما كالحجر وأباح مالك الاستنجاء بالطاهر منهما وقد ذكرنا نهي النبي A عنهما وروى مسلم عن ابن مسعود قال : [ قال رسول الله A : لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد اخوانكم من الجن ] وروى الدارقطني [ أن النبي A نهى أن نستنجي بروث أو عظم وقال : إنما لا يطهران ] وقال إسناد صحيح وروى أبو داود عنه عليه السلام [ أنه قال لرويفع بن ثابت : أخبر الناس أنه من استنجى برجيع أو عظم فهو بريء من دين محمد ] وهذا عام في الطاهر منها والنهي يقتضي الفساد وعدم الاجزاء فأما الطعام فتحريمه من طريق التنبيه لأن النبي A علل النهي عن الروث والرمة في حديث ابن مسعود بكونه زاد إخواننا من الجن فزادنا مع عظم حرمته أولى فإن قيل : فقد نهى عن الاستنجاء باليمين كنهيه ههنا فلم يمنع ذلك الاجزاء ثم كذا ههنا قلنا : قد بين في الحديث أنهما لا يطهران ثم الفرق بينهما أن النهي ها هنا لمعنى في شرط الفعل فمنع صحته كالنهي عن الوضوء بالماء النجس وثم لمعنى في آلة الشرط فلم يمنع كالوضوء من إناء محرم .
فصل : ولا يجوز الاستنجاء بما له حرمة كشيء كتب فيه فقه أو حديث رسول الله A لما فيه من هتك الشريعة والاستخفاف بحرمتها فهو في الحرمة أعظم من الروث والرمة ولا يجوز بمتصل بحيوان كيده وعقبه وذنب بهيمة وصوفها المتصل بها قال بعض أصحابنا يجمع المستجمر به ست خصال أن يكون طاهرا جامدا منقيا غير مطعوم ولا حرمة له ولا متصفل بحيوان .
مسألة : قال : والحجر الكبير الذي له ثلاث شعب يقوم مقام ثلاثة أحجار .
وبهذا قال الشافعي و إسحاق و أبو ثور وعن أحمد رواية أخرى لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار وهو قول أبي بكر و ابن المنذر لقوله عليه السلام : [ لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار ولا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار ] ولأنه إذا استجمر بحجر تنجس فلا يجوز الاستجمار به ثانيا كالغصير .
ولنا : أنه استجمر ثلاثا منقية بما وجدت فيه شروط فأجزأه كما لو فصله ثلاثة صغارا واستجمر بها إذ لا فرق بين الأصل والفرع إلا فصله ولا أثر لذلك في التطهير والحديث يقتضي ثلاث مسحات بحجر دون عين الأحجار كما يقال ضربته ثلاثة أسواط أي ثلاث ضربات بسوط وذلك لأن معناه معقول ومراده معلوم ولذلك لم نقتصر على لفظه في غير الأحجار بل أجزنا الخشب والخرق والمدر والمعنى من ثلاثة حاصل من ثلاث شعب أو مسحه ذكره في صخرة عظيمة بثلاثة مواضع منها أو في حائط أو أرض فلا معنى للجمود على اللفظ مع وجود ما يساويه من كل وجه وقولهم : ينجس قلنا : إنما ينجس ما أصاب النجاسة والاستجمار حاصل بغيره فأشبه ما لو تنجس جانبه بغير الاستجمار ولأنه لو استجمر به ثلاثة لحصل لكل واحد منهم مسحة وقام مقام ثلاثة أحجار فلكذلك إذا استجمر به الواحد ولو استجمر ثلاثة بثلاثة أحجار لكل حجر منها ثلاث شعب فاستجمر كل واحد منهم من كل حجر بشعبة أجزأهم ويحتمل على قول أبي بكر أن لا يجزئهم !