فصول : لبث الجنب والحائض في المسجد وذي الحدث الدائم .
فصل : وليس لهم اللبث في المسجد لقول الله تعالى : { ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } وروت عائشة قالت : [ جاء النبي A وبيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال : وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ] رواه أبو داود ويباح العبور للحاجة من أخذ شيء أو تركه أو كون الطريق فيه فأما لغير ذلك فلا يجوز بحال وممن نقلت عنه الرخصة في العبور ابن مسعود وابن عباس وابن المسيب وابن جبير والحسن و مالك و الشافعي وقال الثوري و إسحاق : لا يمر في المسجد إلا أن لا يجد بدا فيتيمم وهو قول أصحاب الرأي لقول النبي A : [ لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ] ولنا قول الله تعالى : { إلا عابري سبيل } والاستثناء من المنهي عنه إباحة وعن عائشة أن رسول الله A قال لها : [ ناوليني الخمرة من المسجد قالت : إني حائض قال : إن حيضتك ليست في يدك ] رواه مسلم وعن جابر قال : كنا نمر في المسجد ونحن جنب رواه ابن المنذر وعن زيد بن أسلم قال : كان أصحاب رسول الله A يمشون في المسجد وهم جنب رواه ابن المنذر أيضا وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعا .
فصل : فأما المستحاضة ومن به سلس البول فلهم اللبث في المسجد والعبور إذا أمنوا تلويث المسجد لما روي عن عائشة أن امرأة من أزواج رسول الله A اعتكفت معه وهي مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة وربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي رواه البخاري ولأنه حدث لا يمنع الصلاة فلم يمنع اللبث كخروج الدم اليسير من أنفه فإن خاف تلويث المسجد فليس له العبور فإن المسجد يصان عن هذا كما يصان عن البول فيه ولو خشيت الحائض تلويث المسجد بالعبور فيه لم يكن لها ذلك .
فصل : وإن خاف الجنب على نفسه أو ماله أو لم يمكنه الخروج من المسجد أو لم يجد مكانا غيره أو لم يمكنه الغسل ولا الوضوء تيمم ثم أقام في المسجد وروي عن علي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن بن مسلم بن يناق في تأويل قوله تعالى : { ولا جنبا إلا عابري سبيل } يعني مسافرين لا يجدون ماء فيتيممون وقال بعض أصحابنا : يلبث بغير تيمم لأن التيمم لا يرفع الحدث وهذا غير صحيح لأنه يخالف قول من سمينا من الصحابة ولأن هذا أمر يشترط له الطهارة فوجب التيمم له عند العجز عنها كالصلاة وسائر ما يشترط له الطهارة وقولهم : لا يرفع الحدث قلنا إلا أنه يقوم مقام ما يرفع الحدث في إباحة ما يستباح به .
فصل : إذا توضأ الجنب فله اللبث في المسجد في قول أصحابنا و إسحاق وقال أكثر أهل العلم : لا يجوز للآية والخبر واحتج أصحابنا بما روي عن زيد بن أسلم قال : كان أصحاب رسول الله A يتحدثون في المسجد على غير وضوء وكان الرجل يكون جنبا فيتوضأ ثم يدخل فيتحدث وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعا يخص به العموم ولأنه إذا توضأ خف حكم الحدث فأشبه التيمم عند عدم الماء ودليل خفته أمر النبي الجنب به إذا أراد النوم واستحبابه لمن أراد الأكل ومعاودة الوطء فأما الحائض إذا توضأت فلا يباح لها اللبث لأن وضوءها لا يصح