قال : والرشد الصلاح في المال .
مسألة : قال : والرشد الصلاح في المال .
هذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك و أبو حنيفة وقال الحسن و الشافعي و ابن المنذر الرشد صلاحه في دينه وماله لأن الفاسق غير رشيد ولأن افساده لدينه يمنع الثقة به في حفظ ماله كما يمنع قبوله قوله وثبوت الولاية على غيره وإن لم يعرف منه كذب ولا تبذير .
ولنا قول الله تعالى : { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } قال ابن عباس يعني صلاحا في أموالهم وقال مجاهد : إذا كان عاقلا ولأن هذا إثبات في نكرة ومن كان مصلحا لماله فقد وجد منه رشد ولأن العدالة لا تعتبر في الرشد في الدوام فلا يعتبر في الابتداء كالزهد في الدنيا ولأن هذا مصلح لماله فأشبه العدل يحققه أن الحجر عليه إنما كان لفظ ماله عليه فالمؤثر فليه ما أثر في تضييع المال أو حفظه وقولهم أن الفاسق غير رشيد قلنا : هو غير رشيد في دينه أما في ماله وحفظه فهو رشيد ثم هو منتقض بالكافر فإنه غير رشيد ولم يحجر عليه من أجله ولو كانت العدالة شرطا في الرشد لزال بزوالها كحفظ المال ولا يلزم من منع قبول القول منع دفع ماله إليه فإن من يعرف بكثرة الغلط والغفلة والنسيان أو من يأكل في السوق ويمد رجليه في مجامع الناس وأشباههم لا تقبل شهادتهم وتدفع إليهم أموالهم إذا ثبت هذا فإن الفاسق إن كان ينفق ماله في العاصي كشراء الخمر وآلات اللهو أو يتوصل به إلى الفساد فهو غير رشيد لتبذيره لماله وتضييعه إياه في غير فائدة وإن كان فسقه لغير ذلك كالكذب ومنع الزكاة واضاعة الصلاة مع حفظه لماله دفع إليه لأن المقصود بالحجر حفظ المال وماله محفوظ بدون الحجر فلا حاجة إليه ولذلك لو طرأ الفسق بعد دفع ماله إليه لم ينزع منه .
فصل : وإنما يعرف رشده باختياره لقول الله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح } يعني اختبروهم كقوله تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } أي يختبركم واختياره بتفويض التصرفات التي يتصرف فيها أمثاله فإن كان من أولاد التجار فوض إليه البيع والشراء فإذا تكررت منه فلم يغبن ولم يضيع ما في يده فهو رشيد وإن كان من أولاد الدهاقين والكبراء الذين يصان أمثالهم عن الأسواق دفعت إليه نفقة مدة لينفقها في مصالحه فإن كان قيما بذلك يصرفها في مواقعها ويستوفي على وكيله ويستقصى عليه فهو رشيد والمرأة يفوض إلى ربه البيت من استئجار الغزالات وتوكيلها في شراء وأشباه ذلك فإن وجدت ضابطة لما في يديها مستوفية من وكيلها فهي رشيده ووقت الاختبار قبل البلوغ في إحدى الروايتين وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن الله تعالى قال : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } فظاهر الآية إن ابتلاءهم قبل البلوغ لوجهين أحدهما : أنه سماهم يتامى : وإنما يكونون يتامى قبل البلوغ والثاني : أنه مد اختيارهم إلى البلوغ بلفظه حتى فدل على أن الاختيار قبله ولأن تأخير الاختبار إلى البلوغ مؤد إلى الحجر على البائع الرشيد لأن الحجر يمتد إلى أن يختبره ويعلم رشده واختباره قبل البلوغ يمنع ذلك فكان أولى لكن لا يختبر إلا المراهق المميز الذي يعرف البيع والشراء والمصلحة من المفسدة ومتى إذن له وليه فتصرف صح تصرفه على ما ذكرنا فيما مضى وقد أومأ أحمد في موضع إلى اختباره بعد البلوغ لأن تصرفه قبل ذلك تصرف ممن لم يوجد فيهم ظنه العقل وقد اختلف أصحاب الشافعي في وقت الاختبار على نحو مما ذكرنا فيما مضى من الروايتين