فروع في تصرفات المفلس وزيادة المبيع عنده .
فصل : فإن اشترى زيتا فخلطه بزيت آخر أو قمحا فخلطه بما لا يمكن تمييزه منه سقط حق الرجوع وقال مالك : يأخذ زيته وقال الشافعي : إن خلطه بمثله أو دونه لم يسقط الرجوع وله أن يأخذ متاعه بالكيل أو الوزن وإن خلطه بأجود منه ففيه قولان : أحدهما : يسقط حقه من العين قال الشافعي : وبه أقول واحتجوا بأن عين ماله موجودة من طريق كما لو اشترى ثوبا فصبغه أو سويقا فلته .
ولنا أنه لم يجد عين ماله فلم يكن له الرجوع كما لو تلفت ولأن ما يأخذه من غير عين ماله إنما يأخذه عوضا عن ماله وقول النبي A : [ من أدرك متاعه بعينه ] أي من قدر عليه وتمكن من أخذه من المفلس بدليل ما لو وجده بعد زوال ملك المفلس أو كانت مسامير قد مسر بها بابا أو حجرا قد بنى عليه أو خشبا في سقفه أو أمة استولدها وهذا إذا أخذ كيله أو قيمته إنما يأخذ عوض ماله فهو كالثمن والقيمة وفارق المصبوغ فإن عينه يمكنه أخذه والسويق كذلك فاختلفا .
فصل : وإن اشترى حنطة فطحنها أو زرعها أو دقيقا فخبزه أو زيتا فعمله صابونا أو ثوبا فقطعه قميصا أو غزلا فنسخه ثوبا أو خشبا فنجره أبوابا أو شريطا فعمله إبرا أو شيئا فعمل به مال أزال اسمه سقط حق الرجوع وقال الشافعي فيه قولان أحدهما : به أقول يأخذ عين ماله ويعطي قيمة عمل المفلس فيها لأن عين ماله موجودة وإنما تغير اسمها فأشبه ما لو كان المبيع حملا فصار كبشا أو وديا فصار نخلا .
ولنا أنه لم يجد متاعه بعينه فلم يكن له الرجوع كما لو تلف ولأنه غير اسمه وصفته فلم يملك الرجوع كما لو كان نوى فنبت شجرا والأصل الذي قاسوا عليه ممنوع وإن سلم فإنه لم يتغير اسمه بخلاف مسألتنا .
فصل : وإن كان حبا فصار زرعا أو زرعا فصار حبا أو نوى فنبت شجرا أو بيضا فصار فراخا سقط حق الرجوع وقال القاضي : لا يسقط وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي المنصوص عليه منهما لأن الزرع نفس الحب والفرخ نفس البيضة ولنا أنه لم يجد عين ماله يرجع كما لو أتلفه متلف فأخذ قيمته ولأن الحب أعيان ابتدأها الله تعالى لم تكن موجودة عند البيع وكذلك أعيان الزرع والفرخ ولو استأجر أرضا واشترى بذرا وماء فزرع وسقى واستحصد وأفلس فالمؤجر وبائع البذر والماء غرماء لا حق لهم في الرجوع لأنهم لم يجدوا أعيان أموالهم وعلى قول من قال له الرجوع في الزرع يكون عليه غرامة الأجرة وثمن الماء أو قيمة ذلك .
فصل : وإن اشترى ثوبا فصبغه أو سويقا فتله بزيت فقال أصحابنا : لبائع الثوب والسويق الرجوع في أعيان أموالهما وهو مذهب الشافعي لأن عين مالهما قائمة مشاهدة ما تغير اسمها ويكون المفلس شريكا لصاحب الثوب أو السويق فإن شاء البائع أخذها ناقصين ولا شيء له وإن شاء تركهما وله أسوة الغرماء لأن هذا نقص صفة فهو كالهزال ويحتمل أن لا يكون له الرجوع ههنا لا يتخلص به البائع من المفلس ولا يحصل به المقصود من قطع المنازعة وإزالة المعاملة بل يحصل به ضرر الشركة فلم يكن في معنى المنصوص عليه فلا يمكن إلحاقه به .
فصل : وإن اشترى صبغا فصبغ به ثوبا أو زيتا فلت به سويقا فبائعهما أسوة الغرماء وقال أصحاب الشافعي : له الرجوع لأنه وحد عين ماله قالوا ولو اشترى ثوبا وصبغا وصبغ الثوب بالصبغ رجع بائع كل شيء في عين ماله وكان بائع الصبغ شريكا لبائع الثوب وإن حصل نقص فهو من صاحب الصبغ لأنه الذي يتفرق وينقص والثوب بحالة فإذا كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ خمسة فصارت قيمتها اثني عشر كان لصاحب الثوب خمسة أسداس وللآخر سدسه ويضرب مع الغرماء بما نقص وذلك ثلاثة دراهم وذكر القاضي مثل هذا في موضع .
ولنا أنه لم يجد عني ماله فلم يكن له الرجوع كما لو تلف ولأن المشتري شغله بغيره على وجه البيع فلم يملك بائعه الرجوع فيه كما لو كان حجرا بنى عليه أو مسامير سمر بها بابا ولو اشترى ثوبا وصبغا من واحد فصبغه به فقال أصحابنا : لا فرق بين ذلك وبين كون الصبغ من غير بائع الثوب فعلى قولهم يرجع في الثوب وحده ويكون المفلس شريكا له بزيادة الصبغ ويضرب مع الغرماء بثمن الصبغ ويحتمل أن يرجع فيها ههنا لأنه وجد عين ماله متميزا عن غيره فكان له الرجوع فيه للخبر ولأن المعنى في المحل الذي يثبت فيه الرجوع موجود ههنا فيملك الرجوع به كما يملكه ثم ولو أنه اشترى رفوفا ومسامير من رجل واحد فسمرها بها رجع بائعها فيهما كذلك ما أشبه .
فصل : إذا اشترى ثوبا فقصره لم يخل من حالين أحدهما : أن لا يزيد قيمته بذلك فللبائع الرجوع فيه لأن عين ماله قائمة لم يزل اسمها ولم يتلف بعضها ولا اتصلت بغيرها فكان له الرجوع فيها كما لو علم العبد صناعة لم تزد قيمته بها وسواء نقصت قيمته بذلك أو لم تنقص لأن ذلك النقص نقص صفة فلا يمنع الرجوع كنسيان صناعة وهزال العبد ولا شيء له مع الرجوع الثاني : أن تزيد قيمته بذلك فليس للبائع الرجوع على قياس قول الخرقي لأن الثوب زاد زيادة لا تتميز فلم يملك البائع الرجوع فيه كما لو سمن العبد ولأنه لم يجد عين ماله متميز عن غيرها فلم يملك الرجوع كبائع الصبغ إذا صبغ به والزيت إذا لت به سويق وقال القاضي وأصحابه : له الرجوع فيها لأنه أدرك متاعه بعينه ولأنه وجد عين ماله لم يتغير اسمها ولا ذهبت عينها فملك الرجوع فيها كما لو صبغها فعلى قولهم إن كانت القصارة بعمل المفلس أو بأجرة وفاها فهما شريكان في الثوب فإذا كانت قيمة الثوب خمسة فصار يساوي ستة فللمفلس سدسه ولبائعه خمسة أسداسه فإن اختبار البائع دفع قيمة الزيادة إلى المفلس لزمه قبولها لأنه يتخلص بذلك من ضرر الشركة من غير مضرة تلحقه فأشبه ما لو دفع الشفيع قيمة البناء إلى المشتري وإن لم يختر بيع الثوب وأخذ كل واحد منهما بقدر حقه وإن كان العمل من صانع لم يستوف أجره فله حبس الثوب على استيفاء أجرة فإن كانت الزيادة بقدر الأجر دفعت إليه وإن كانت أقل فله حبس الثوب على استيفاء قدر الزيادة ويضرب مع الغرماء بما بقي وإن كانت أكثر مثل أن تكون الزيادة درهمين والأجر درهم فله قدر أجره وما فضل للغرماء .
فصل : الشرط الثاني أن لا يكون المبيع زاد زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعلم الصناعة أو الكتابة أو القرآن ونحو ذلك واختلفت المذهب في هذا فذهب الخرقي إلى أنها تمنع الرجوع وروى الميموني عن أحمد أنها لا تمنع وهو مذهب مالك و الشافعي إلا أن مالكا يخير الغرماء بين أن يعطوه السلعة أو ثمنها الذي باعها به واحتجوا بالخبر وبأنه فسخ لا تمنع منه الزيادة المنفصلة فلا تمنعه المتصلة كالرد بالعيب وفارق الطلاق فإنه ليس بفسخ ولأن الزوج يمكنه الرجوع في قيمة العين فيصل إلى حقه تاما وههنا لا يمكنه الرجوع في الثمن .
ولنا أنه فسخ بسبب حادث فلم يملك به الرجوع في عين المال الزائدة زيادة متصلة كفسخ النكاح بالاعسار أو الرضاع ولأنها زيادة في ملك المفلس فلم يستحق البائع أخذها كالمنفصلة وكالحاصلة بفعله ولأن النماء لم يصل إليه من البائع فلم يستحق أخذه منه كغيره من أمواله وفارق الرد بالعيب لوجهين أحدهما : أن الفسخ فيه من المشتري فهو راض بإسقاط حقه من الزيادة وتركها للبائع بخلاف مسألتنا والثاني : أن الفسخ ثم لمعنى قارن العقد وهو العيب القديم والفسخ ههنا لسبب حادث فهو أشبه بفسخ النكاح الذي لا يستحق به استرجاع العين الزائدة وقولهم : إن الزوج إنما لم يرجع في العين لكونه يدفع عنه الضرر بالقيمة - لا يصح فإن اندفع الضرر عنه بطريق آخر لا يمنعه من أخذ حقه من العين ولو كان مستحقا للزيادة لم يسقط حقه منها بالقدرة على أخذ القيمة كمشتري المعيب ثم كان ينبغي أن يأخذ قيمة العين زائدة لكون الزيادة مستحقة فلما لم يكن كذلك علم أن المانع من الرجوع كون الزيادة للمرأة وأنه لا يمكن فصلها فكذلك ههنا بل أولى فإن الزيادة يتعلق بها حق المفلس والغرماء فمنع المشتري من أخذ زيادة ليست له أولى من تفويتها على الغرماء الذين لم يصلوا إلى تمام ديونهم والمفلس المحتاج إلى تبرئة ذمته عنه اشتداد حاجته .
فصل : وأما الخبر فمحمول على من وجد متاعه على صفته ليس زائد ولم يتعلق به حق آخر وههنا قد تعلقت به حقوق الغرماء لما فيه من الزيادة لما ذكرنا من الدليل ويحققه أنه إذا كان تلف بعض المبيع مانعا من الرجوع من غير ضرر يلحق بالمفلس ولا بالغرماء فلأن يمنع الزيادة فيه مع تفويتها بالرجوع عليهم أولى ولأنه إذا رجع في الناقص فما رجع إلا فيما باعه وخرج منه وإذا رجع في الزائدة أخذ ما لم يبعه واسترجع ما لم يخرج عنه فكان بالمنع أحق .
فصل : فأما الزيادة المنفصلة كالولد والثمرة والكسب فلا تمنع الرجوع بغير خلاف بين أصحابنا وهو قول مالك و الشافعي وسواء نقص بها المبيع أو لم ينقص إذا كان نقص صفة والزيادة للمفلس هذا ظاهر كلام الخرقي لأنه منع الرجوع بالزيادة المتصلة لكونها للمفلس فالمنفصلة أولى وهذا قول ابن حامد و القاضي ومذهب الشافعي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى وقال أبو بكر : الزيادة للبائع وهو مذهب مالك ونقل حنبل عن أحمد في ولد الجارية ونتاج الدابة هو البائع لأنها زيادة فكانت للبائع كالمتصلة .
ولنا أنها زيادة انفصلت في ملك المشتري فكانت له كما لو رده بعيب ولأنه فسخ استحق به استرجاع العين فلم يستحق أخذ الزيادة المنفصلة كفسخ البيع بالعيب أو الخيار أو الإقالة وفسخ النكاح بسبب من أسباب الفسخ و [ قول النبي A : الخراج بالضمان ] يدل على أن النماء والغلة للمشتري لكون الضمان عليه وأما الزيادة المتصلة فقد دللنا على أنها للمفلس أيضا وفي ذلك تنبيه على كون المنفصلة له ثم لو سلمنا ثم فالفرق ظاهر فإن المتصلة تتبع في الفسخ والرد بالعيب بخلاف المنفصلة ولا ينبغي أن يقع في اختلاف لظهوره وكلام أحمد في رواية حنبل يحمل على أنه باعهما في حال حملها فيكونان مبيعين ولهذا خص هذين بالذكر دون بقية النماء .
فصل : ولو اشترى أمة حاملا ثم أفلس وهي حامل فله الرجوع فيها إلا أن يكون الحمل قد زاد بكبره وكثرت قيمتها من أجله فيكون من قبيل الزائد زيادة متصلة على ما مضى وإن أفلس بعد وضعها فقال القاضي له : الرجوع فيهما بكل حال من غير تفصيل والصحيح أننا إن قلنا أن الحمل لا حكم له فالولد زيادة منفصلة فعلى قول أبي بكر لا يمنع الرجوع فيهما وعلى قول غيره يكون الولد للمفلس فيحتمل أن يمنع الرجوع في الأم لئلا يفضي إلى التفريق بين الأم وولدها ويحتمل أن يرجع في الأم ويدفع قيمة الولد ليكونا جميعا له وإن لم يفعل بيعت الأم وولدها جميعا وقسم الثمن على قدر قيمتهما فما خص الأم فهو للبائع وما خص الولد كان للمفلس وإن قلنا أن للولد حكما وهو الصحيح لما ذكرناه فيما تقدم فإن كانت الأم والولد قد زادا بالوضع فحكمهما حكم المبيع زيادة متصلة وإن لم يزيدا جاز الرجوع فيهما وإن زاد أحدهما دون الآخر خرج على الروايتين فيما إذا كان المبيع عينين فتلف بعض أحدهما فهل يمنع ذلك الرجوع في الأخرى كذلك ؟ ههنا وجهان أحدهما : أنه له الرجوع فيما لم يزد دون ما زاد فيكون حكمه كحكم الرجوع في الأم دون الولد على ما فصلناه والثاني : ليس له الرجوع في شيء منهما لأنه لم يجد المبيع إلا زائدا فامتنع عليه الرجوع كالعين الواحدة وإن كان البيع حيوانا غير الأمة فحكمه حكمها إلا في أن التفريق بينهما وبين ولدها جائز والأمة بخلاف ذلك .
فصل : وإن اشترى حائلا فحملت ثم أفلس وهي حامل فزادت قيمتها به فهي زيادة متصلة تمنع الرجوع على قول الخرقي ولا تمنعه على رواية الميموني وإن أفلس بعد وضعها فهي زيادة منفصلة فتكون للمفلس على الصحيح يمتنع الرجوع في الأم دون ولدها لما فيه من التفريق بينهما وهذا أحد قولي الشافعي ويحتمل أن يرجع في الأم على ذكرنا في التي قبلها وعلى قول أبي بكر الزيادة للبائع فيكون له الرجوع فيهما وقال القاضي : إذا وجدها حاملا انبنى على أن الحمل هل له حكم أو لا ؟ فإن قلنا لا حكم له جرى مجرى الزيادة المتصلة وإن قلنا له حكم فالولد في حكم المنفصل يتربص به حتى تضع ويكون الحكم فيه كما لو وجده بعد وضعه وإن كان الحمل في غير الآدمية جاز التفريق بنيهما كما تقدم .
فصل : إذا كان المبيع نخلا أو شجرا فأفلس المشتري لم يخل من أربعة أحوال أحدها : أن يفلس وهي بحالها لم تزد ولم تثمر ولم يتلف بعضها فله الرجوع فيها الثاني : أن يكون فيها ثمرة ظاهر أو طلع مؤبر ويشترطه المشتري فيأكله أو يتصرف فيه أو يذهب بجائحة ثم يفلس فهذا في حكم ما لو اشترى عينين فتلفت إحداهما ثم أفلس فهل للبائع الرجوع في الأصول ويضرب مع الغرماء بحصة التالف من الثمن ؟ على روايتين وإن تلف بعضها فهو كتلف جميعها وإن زادت أو بدا صلاحها فهذه الزيادة متصلة في إحدى العينين وقد ذكرنا بيان حكمها الحال الثالث : أن يبيعه نخلا قد أطلعت ولم تؤبر أو شجرا فيها ثمرة لم تظهر فهذه الثمرة تدخل في البيع المطلق فإن أفلس بعد تعلف الثمرة أو تلف بعضها أو الزيادة فيها أو بدو صلاح فحكم ذلك تلف بعض المبيع وزيادته المتصلة لأن المبيع كان بمنزلة العين الواحدة ولهذا دخل الثمر في مطلق البيع بخلاف التي قبلها الحال الرابع : باعه نخلا حائلا فأطلعت أو شجرا فأثمر فذلك على أربعة أضرب أحدها : أن يفلس قبل تأبيرها فالطلع زيادة متصلة تمنع الرجوع على قول الخرقي كالسمن والكبر ويحتمل أن يرجع في النخل دون الطلع لأنه يمكن فصله ويصح إفراده بالبيع فهو كمؤبر بخلاف السمن والكبر وهذا قول ابن حامد وعلى رواية الميموني لا يمنع بل يرجع ويكون الطلع للبائع كما لو فسخ بعيب وهو أحد قولي الشافعي والقول الثاني يرجع في الأصل دون الطلع وكذلك عندهم الرد بالعيب والأخذ بالشفعة الضرب والثاني : أفلس بعد التأبير وظهور الثمرة فلا يمنع الرجوع بغير خلاف والطلع للمشتري إلى على قول أبي بكر والصحيح الأول لأن الثمرة لا تتبع في البيع الذي ثبت بتراضيهما ففي الفسخ الحاصل بغير رضا المشتري أولى ولو باعه أرضا فارغة فزرعها المشتري ثم أفلس فإنه يرجع في الأرض دون الزرع وجها واحدا لأن ذلك من فعل المشتري الضرب الثالث : أفلس والطلع غير مؤبر فلم يرجع حتى أبر لم يكن له الرجوع كما لو أفلس بعد تأبيرها لأن العين لا تنتقل إلا باختياره لها وهذا لم يخترها إلا بعد تأبيرها فإن ادعى البائع الرجوع قبل التأبير وأنكر المفلس فالقول قول المفلس مع يمينه لأن الأصل بقاء ملكه وعدم زواله وإن قال له البائع : بعت بعد التأبير وقال المفلس : بل قبله فالقول قول البائع لهذه العلة فإن شهد الغرماء للمفلس لم تسمع شهادتهما لأنهم يجرون إلى أنفسهم نفعا وإن شهدوا للبائع وهم عدول قبلت شهادتهم لعدم التهمة الضرب الرابع : أفلس بعد أخذ الثمرة أو ذهبت بجائحة أو غيرها رجع البائع في الأصل والثمرة للمشتري إلا على قول أبي بكر وكل موضع لا يتبع الثمر الشجر إذا رجع البائع فيه فليس له مطالبة المفلس بقطع الثمرة قبل أوان الجزاز وكذلك إذا رجع في الأرض وفيها زرع للمفلس فليس له المطالبة بأخذه قبل أوان الحصاد لأن المشتري زرع في أرضه بحق وطلعه على الشجر بحق فلم يلزمه أخذه قبل كماله كما لو باع الأصل وعليه الثمرة أو الزرع وليس على صاحب الزرع أجر لأنه زرع في أرضه زرعا تجب تبقيته فكأنه استوفى منفعة الأرض فلم يكن عليه ضمان ذلك إذا ثبت هذا فإن اتفق المفلس والغرماء على التبقية أو القطع فلهم ذلك وإن اختلفوا فطلب بعضهم قطعه وبعضهم تبقيته نظرنا فإن كان ما لا قيمة له مقطوعا أو قيمته يسيرة لم يقطع لأن قطعه سفه وتضييع للمال وقد نهى النبي A عن إضاعته وإن كانت قيمته كثيرة فيه وجها أحدهما : يقدم قول من طلب القطع لأنه أحوط فإن في تبقيته غررا ولأن طالب القطع إن كان المفلس فهو يقصد تبرئة ذمته وإن كان الغرماء فهم يطلبون تعجيل حقوقهم وذلك حق لهم وهذا قول القاضي وأكثر أصحاب الشافعي والثاني : ينظر إلى ما فيه الحظ فيعمل به لأن ذلك أنفع لجميعهم والظاهر سلامته ولهذا يجوز أن يزرع للمولي عليه وفيه وجه آخر أنه إن كان الطالب له المفلس دونهم وكان التأخير أحظ له لم يقطع لأنهم رضوا بتأخير حقوقهم لحظ يحصل لهم وللمفلس والمفلس يطلب ما فيه ضرر بنفسه ومنع للغرماء من استيفاء القدر الذي يحصل من الزيادة بالتأخير لا يلزم الغرماء إجابته إلى ذلك .
فصل : إذا أقر الغرماء بأن الزرع أو الطلع للبائع ولم يشهدوا به أو شهدوا به ولم يكونا عدولا أو لم يحكم بشهادتهم حلف المفلس وثبت الطلع له ينفرد به دونهم لأنهم يقرون أنهم لا حق لهم فيه فإن أراد دفعه إلى أحدهم وتخصيصه بثمنه فله ذلك لإقرار باقيهم بعدم حقهم فيه فإن امتنع ذلك الغريم من قبوله أجبر على قبوله أو الإبراء من قدره من دينه فيقال له : إما أن تقبضه وإن أن تبرئ من قدر ذلك من دينك وهذا مذهب الشافعي لأنه محكوم به للمفلس فكان له أن يقضي دينه منه كما لو أدرى المكاتب إلى سيده نجوم كتابته فقال سيده : هذا حرام وأنكر المكاتب وإن أراد قسمته على الغرماء لزمهم قبوله أو الابراء لذلك فإن قبضوا الثمرة بعينها لزمهم رد ما حصل لم إلى البائع لأنهم يقرون له بها فلزمهم دفعها إليه كما لو أقروا بعتق عبد من ملك غيرهم ثم اشتروه منه وإن باع الثمرة وفرق ثمنها فيهم أو دفعه إلى بعضهم لم يلزمهم رد ما أخذوا من ثمنها لأنهم إنما اعترفوا بالعين لا بثمنها وإن شهد بعض الغرماء دون بعض أو أقر بعضهم دون بعض لزم الشاهد أو المقر الحكم الذي ذكرناه دون غيره وإن عرض عليهم المفلس الثمرة بعينها فأبوا أخذها لم يلزمهم ذلك لأنه إنما يلزمهم الاستيفاء من جنس ديونهم إلا أن يكون فيهم من له جنس من التمر أو الزرع كالمقرض أو المسلم فيلزمه أخذ ما عرض عليه إذا كان بصفة حقه ولو أقر الغرماء بأن المفلس أعتق عبدا له قبل فلسه فأنكر ذلك لم يقبل قولهم إلا أن يشهد منهم عدلان ويكون حكمهم في قبض العبد أو أخذ ثمنه إن عرضه عليهم حكم ما لو أقروا بالثمن للبائع وكذلك إن أقروا بعين مما في يديه أنها غصب أو عارية أو نحو ذلك فالحكم كما ذكرنا سواء وإن أقروا بأنه أعتق عبده بعد فلسه انبنى على صحة عتق المفلس فإن قلنا لا يصح عتقه فلا أثر لإقرارهم وإن قلنا بصحته فهو كإقرارهم بعته قبل فلسه وإن حكم الحاكم بصحته أو بفساده نفذ حكمه على كل حال لأنه فصل مجتهد فيه فيلزم ما حكم به الحاكم ولا يجوز نقضه ولا تغييره .
فصل : وإن صدق المفلس البائع في الرجوع قبل التأبير وكذبه الغرماء لم يقبل إقراره لأن حقوقهم تعلقت بالثمرة ظاهرا فلم يقبل إقراره كما لو أقر بالنخيل وعلى الغرماء اليمين أنهم لا يعلمون أن البائع رجع قبل التأبير ولأن هذه اليمين لا ينوبون فيها عن المفلس بل هي ثابتة في حقهم ابتداء بخلاف ما لو ادعى حقا وأقام شاهدا فلم يحلف لم يكن للغرماء أن يحلفوا معه لأن اليمين ثم على المفلس فلو حلفوا حلفوا ليثبتوا حقا لغيرهم ولا يحلف الإنسان ليثبت لغيره حقا ولا يجوز أن يكون نائبا فيها لأن الأيمان لا تدخلها النيابة وفي مسألتنا الأصل أن هذا الطلع قد تعلقت حقوقهم به لكونه في يد غريمهم ومتصل بنخله والبائع يدعي ما يزيل حقوقهم عنه فأشبه سائر أعيان ماله ويحلفون على نفي العلم لأنه يمين على نفي الدين عن الميت ولو أقر المفلس بعين من أعيان ماله لأجنبي أن لبعض غرمائه فأنكره الغرماء فالقول قولهم وعليهم اليمين أنهم لا يعلمون ذلك وكذلك لو أقر بغريم آخر يستحق مشاركتهم فأنكروه فعليهم اليمين أيضا ويكون على نفي العلم لذلك وإن أقر أنه أعتق عبده انبنى ذلك على صحة عتق المفلس فإن قلنا يصح عتقه صح إقراره وعتق لأن من ملك شيئا ملك الإقرار به والإقرار بالعتق يحصل به العتق فكأنه أعتقه في الحال وإن قلنا لا يصح عته لم يقبل إقراره وكان على الغرماء اليمين أنهم لا يعلمون ذلك وكل موضع قلنا على الغرماء اليمين فهو على جمعيهم فإن حلفوا أخذوا وإن نكلوا قضي للمدعي بما ادعاه إلا أن يقول برد اليمين فترد على المدعي فيحلف ويستحق وإن حلف بعضهم دون بعض أخذ الحالف نصيبه وحكم الناكل ما ذكرناه .
فصل : وإن أقر المفلس أنه أعتق عبده منذ شهر وكان العبد قد اكتسب بعد ذلك مالا وأنكر الغرماء فإن قلنا لا يقبل إقراره حلفوا واستحلفوا العبد وكسبه وإن قلنا يقبل إقراره لم يقبل في كسبه وكان للغرماء أن يحلفوا أنهم لا يعلمون أنه أعتقه قبل الكسب ويأخذون كسبه لأن إقراره إنما قبل العتق دون غيره لصحته منه ولبنائه على التغليب والسراية فلا يقبل في المال لعدم ذلك فيه ولأننا نزلها إقراره منزلة إعتاقه في الحال فلا يثبت له الحرية فيما مضى فليكون كسبه محكوما به لسيده كما لو أقر بعتقه ثم أقر له بعين في يده .
فصل : فإن كان المبيع أرضا فبناها المشتري أو غرسها ثم أفلس فأراد البائع الرجوع في الأرض نظرت فإن اتفق المفلس والغرماء على قلع الغراس والبناء فلهم ذلك لأن الحق لهم لا يخرج عنهم فإذا قلعوه فللبائع الرجوع في أرضه لأنه وجد متاعه بعينه قال أصحابنا : ويستحق الرجوع قبل القلع وهو مذهب الشافعي ويحتمل أن لا يستحقه حتى يوجد القلع لأنه قبل القلع لم يدرك متاعه مشغولا بملك المشتري فأشبه ما لو كانت مسامير في باب المشتري فإن قلنا له الرجوع قبل القلع ففعلوه لزمهم تسوية الأرض من الحفر وأرش نقص الأرض الحاصل به لأن ذلك نقص حصل التخليص ملك المفلس فكان عليه كما لو دخل فصيله دار إنسان وكبر فأراد صاحبه إخراجه فلم يمكن إلا بهدم بابها فإن الباب يهدم ليخرج ويضمن صاحبه ما نقص بخلاف ما إذا وجد البائع عين ماله ناقصة فرجع فيها فإنه لا يرجع في النقص لأن النقص كان في ملك المفلس وههنا حدث بعد رجوعه في العين فلهذا ضمنوه ويضرب بالنقص مع الغرماء وإن قلنا ليس له الرجوع قبل القلع لم يلزمهم تسوية الحفر ولا أرش النقص لأنهم فعلوا ذلك في أرض المفلس قبل رجوع فيها فلم يضمنوا النقص كما لو قلعه المفلس قبل فلسه فأما إن امتنع المفلس والغرماء من القلع فلهم ذلك ولا يجبرون عليه لأنه غرس بحق ومفهوم قوله عليه السلام : [ ليس لعرق ظالم حق ] إنه إذا لم يكن ظالما فله حق فإن بذل البائع قيمة الغراس والبناء ليكون له الكل أو قال : أنا أقلع وأضمن ما نقص فإن قلنا له الرجوع قبل القلع فله ذلك لأن البناء والغراس حصل في ملكه لغيره بحق فكان له أخذه بقيمته أو قلعه وضمان نقصه كالشفيع إذا أخذ الأرض وفيها غراس وبناء للمشتري والمعير إذا رجع في أرضه بعد غرس المستعير وإن قلنا ليس له الرجوع قبل القلع لم يكن له ذلك لأن بناء المفلس وغرسه في ملكه فلم يجبر على بيعه لهذا البائع ولا على قلعة كما لو لم يرجع في الأرض فأما إن امتنع البائع من بذل ذلك سقط حق الرجوع وهذا قول ابن حامد وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال القاضي : يحتمل أن له الرجوع وهو القول الثاني للشافعي لأنه أدرك متاعه بعيبه وفيه مال المشتري على وجه التبع فلم يمنعه ذلك الرجوع كالثوب إذا صبغه المشتري ولنا أنه لم يدرك متاعه على وجه يمكنه أخذه منفردا عن غيره فلم يكن له والثاني : أن الثوب لا يراد للبقاء بخلاف الأرض فإذا قلنا لا يرجع فلا كلام وإن قلنا يرجع فرجع واتفق الجميع على بيعهما بيعا لهما وأخذ كل واحد بقدر حقه وإن امتنع أحدهما من البيع احتمل أن يجبر عليه كما لو كان المبيع ثوبا فصبغه المشتري فإن الثوب يباع لهما كذا ههنا ويحتمل أن لا يجبر لأنه أمكن طالب البيع أن يبيع ملكه مفردا بخلاف الثوب المصبوغ فإن بيعا لهما قسما الثمن على قدر القيمتين فتقوم الأرض غير ذات شجر ولا بناء ثم تقوم وهما فيها فما كان قيمة الأرض بغير غراس ولا بناء فللبائع قسطه من الثمن وما زاد فهو للمفلس والغرماء وإن قلنا لا يجبر الممتنع على البيع أو لم يطلب أحدهما البيع فاتفقا على كيفية كونهما بينهما جاز ما اتفقا عليه وإن اختلفا كانت الأرض للبائع والغراس والبناء للمفلس والغرماء ولهم دخول الأرض لسقي الشجر وأخذ الثمرة وليس لهم دخولها للتفرج ولغير حاجة وللبائع دخولها للزرع ولما شاء لأن الأرض له ملكه وإن باعوا الشجر والبناء لإنسان فحكمه في ذلك حكمهم ولو بذل المفلس والغرماء أو المشتري منهم قيمة الأرض للبائع ليدفعها لهم لم يلزمه ذلك لأن الأرض أصل فلا يجبر على بيعها بخلاف ما فيها من الغرس والبناء .
فصل : إذا اشترى غراسا فغرسه في أرضه ثم أفلس ولم يزد الغراس فله الرجوع فيه لأنه أدرك متاعه بعينه وإذا أخذه فعليه تسوية الأرض وأرش نقصها الحاصل بقلعه لأنه نقص حصل لتخليص ملكه من ملك غيره وإن بذل المفلس والغرماء له قيمته ليملكوه بذلك لم يجبر على قبولهما لأنه إذا اختار ماله وتفريغ ملكهم وإزالة ضرره عنهم لم يكن لهم منعه كالمشتري إذا غرس في الأرض المشفوعة وإن امتنع من القلع فبذلوا له القيمة ليملكه المفلس أو أرادوا في قلعه وضمان النقص فلهم ذلك وكذلك إذا أردوا قلعه من غير ضمان النقص لأن المفلس إنما ابتاعه مقلوعا فلم يجب عليه ابقاؤه في أرضه وقيل ليس لهم قلعه من غير ضمان النقص لأنه غرس بحق فأشبه غرس المفلس في الأرض التي ابتاعها إذا رجع بائعها فيها والفرق بينهما ظاهر فإن بقاء الغراس في هذه الصورة حق عليه فلم يجب عليه بفعله وفي قبلها ابقاؤه حق لو وجب له بغراسه في ملكه فإن اختار بعضهم القلع وبعضهم التبقية قدم قول من طلب القلع سواء كان المفلس أو الغرماء أو بعض الغرماء لأن الإبقاء ضرر غير واجب فلم يلزم الممتنع منه الإجابة إليه وإن زاد الغراس في الأرض فهي زيادة متصلة تمنع الرجوع على قول الخرقي ولا تمنعه على رواية الميموني .
فصل : وإن اشترى أرضا من رجل وغراسا من آخر فغرسه فيها ثم أفلس ولم يزد الشجر فلكل واحد منهما الرجوع في عين ماله والصاحب الأرض قلع الغراس من غير ضمان نقصه بالقلع على ما ذكرنا لأن البائع إنما باعه مقلوعا فلا يستحقه إذا كذلك وإن أراد بائعه قلعه من الأرض فقلعه فعليه تسوية الحفر وضمان نقصها الحاصل به لما تقدم وإن بذل صاحب الغراس قيمة الأرض لصاحبها لتملكها لم يجبر على ذلك لأن الأرض أصل فلا يجبر على بيعها تبعا وإن بذل صاحب الأرض قيمة الغراس ليملكه إذا امتنع من القلع فله ذلك لأن غرسه حصل في ملك غيره بحق فأشبه غرس المفلس في أرض البائع ويحتمل أن لا يملك ذلك لأنه لا يجبر على إبقائه إذا امتنع من دفع قيمته أو أرش نقصه فلا يكون له أن يتملكه بالقيمة بخلاف التي قبلها والأول أولى وهذا ينتقض بغرس الغاصب .
فصل : الشرط الثالث أن لا يكون البائع قبض من ثمنها شيئا فإن كان قد قبض بعض ثمنها سقط حق الرجوع وبهذا قال إسحاق والشافعي في القديم وقال في الجيد : له أن يرجع في قدر ما بقي من الثمن لأنه سبب ترجع به العين كلها إلى العاقد فجاز أن يرجع به بعضها كالفرقة قبل الدخول في النكاح وقال مالك : هو مخير إن شاء رد ما قبضه ورجع في جميع العين وإن شاء حاص الغرماء ولم يرجع ولنا ما روى أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي هريرة [ أن رسول الله A قال : أيما رجل باع سلعة فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قبض من ثمنها شيئا فهي له وإن كان قد قبض من ثمنها شيئا فهو أسوة الغرماء ] رواه أبو داود و ابن ماجة و الدراقطني ولأن في الرجوع في قسط ما بقي تبعيضا للصفقة على المشتري وإضرارا له وليس ذلك للبائع فإن قيل لا ضرر عليه في ذلك لأن ماله يباع و لا يبقى له فيزول عنه الضرر قلنا لا يندفع الضرر بالبيع فإن قيمته تنقص بالشقيص ولا يرغب فيه مشقصا فيتضرر المفلس والغرماء بنقص القيمة ولأنه سبب يفسخ به البيع فلم يجز تشقيصه كالرد بالعيب والخيار وقياس البيع على البيع أولى من قياسه على النكاح ولا فرق بين كون المبيع عينا واحدا أو عينين لما ذكرنا من الحديث والمعنى فإن قيل حديكم يرويه أبو بكر بن عبد الرحمن عن النبي A مرسلا ولا حجة في المراسيل : قلنا قد رواه مالك و موسى بن عقبة عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة كذلك ذكره ابن عبد البر وأخرجه أبو داود و ابن ماجة و الدرقطني في سننهم متصلا فلا يضرر إرسال من أرسله فإن راوي المسند معد زيادة لا يعارضها ترك مرسل الحديث لها وعلى أن المرسل حجة فلا يضر إرساله .
فصل : والشرط الرابع أن لا يكون تعلق بها حق الغير فإن رهنها المشتري ثم أفلس أو وهبها لم يملك البائع الرجوع كما لو باعها أو أعتقها ولأن الرجوع إضرارا بالمرتهن ولا يزال الضرر بالضرر ول [ أن النبي A قال : من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به ] وهذا لم يجده عند المفلس ولا نعلم في هذا خلافا فإن كان دين المرتهن دون قيمة الرهن بيع كله فقضي منه دين المرتهن والباقي يرد على سائر مال المفلس ويشترك الغرماء فيه وإن بيع بعضه فباقيه بينهم يباع لهم أيضا ولا يرجع به البائع وقال القاضي : له الرجوع به وهو مذهب الشافعي لأنه عين ماله لم يتعلق به حق غيره ولنا أنه لم يجد متاعه بعينه فلم يكن له أخذه كما لو كان الدين مستغرقا له وما ذكره القاضي لا يخرج على المذهب لأن تلف بعض المبيع يمنع الرجوع فكذلك ذهاب بعضها بالبيع ولو رهن بعض العبد لم يكن للبائع الرجوع في باقية لما ذكرنا وإن كان المبيع عينين فرهن إحداهما فهل يملك البائع الرجوع في الأخرى ؟ على وجهين بناء على الروايتين فيما إذا تفلت إحدى العينين وإن فك الرهن قبل فلس المشتري أو أبرئ من رينه فللبائع الرجوع لأنه أدرك متاعه بعينه عند المشتري وإن أفلس وهو رهن فأبرأ المرتهن المشتري من دينه أو قضى الدين من غيره فللبائع الرجوع أيضا كذلك .
فصل : وإن كان عبدا فأفلس المشتري بعد تعلق أرش الجناية برقبته ففيه وجهان أحدهما : ليس للبائع الرجوع لأن تعلق الرهن به يمنع الرجوع وأرش الجناية يقدم على حق المرتهن فأولى أن لا يرجع ذكره أبو الخطاب والثاني : لا يمنع الرجوع فيه لأنه حق لا يمنع تصرف المشتري فيه فلم يمنع الرجوع كالدين في ذمته وفارق الرهن فإنه يمنع تصرف المشتري فيه فإن قلنا لا يرجع فحكمه حكم الرهن وإن قلنا له الرجوع فهو مخير إن شاء رجع فيه ناقصا بأرش الجناية وإن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء وإن أبرأ الغريم من الجناية فللبائع الرجوع فيه لأنه وجد متاعه بعينه خاليا من تعلق حق غيره به