شروط رجوع البائع في سلعته الباقية عند المفلس .
فصل : فإن أقرض رجلا مالا ثم أفلس المقترض وعين المال قائم فله الرجوع فيها لقوله عليه السلام : [ من أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به ] ولأنه غريم وجد عين ماله فكان له أخذها كالبائع وإن أصدق امرأة له عينا ثم انفسخ نكاحها بسبب من جهتها يسقط صداقها أو طلقها قبل خوله بها فاستحق الرجوع في نصفه وقد أفلست ووجد عين ماله فهو أحق بها لما ذكرنا .
مسألة : قال : فإن كانت السلعة قد تلف بعضها أو مزيدة بما لا تنفصل زيادتها أو نقد بعض ثمنها كان البائع فيها كأسوة الغرماء .
وجملة ذلك أن البائع إنما يستحق الرجوع في السلعة بخمس شرائط أحدها : أن تكون السلعة باقية بعينها لم يتلف بعضها فإن تلف جزء منها كبعض أطراف العبد أو ذهبت عينه أو تلف بعض الثوب أو انهدم بعض الدار أو اشترى شجرا مثمرا لم تظهر ثمرته فتلفت المثمرة أو نحو هذا لم يكن للبائع الرجوع وكان أسوة الغرماء وبهذا قال إسحاق وقال مالك و الأوزاعي و الشافعي و العنبري له الرجوع في الباقي ويضرب مع الغرماء بحصة التالف لأنها عين يملك الرجوع في جميعها فملك الرجوع في بعضها كالذي له الخيار وكالأب فيما وهب لولده ولنا قوله النبي A : [ من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به ] فشرط أن يجده بعينه ولم يجده بعينه ولأنه إذا أدركه بعينه حصل له بالرجوع فصل الخصومة وانقطاع ما بينهما من المعاملة بخلاف ما إذا وجد بعضه ولا فرق بين أن يرضى بالموجود تجميع الثمن أو يأخذه بقسطه من الثمن لأنه فات شرط الرجوع وإن كان المبيع عينين كعبدين أو ثوبين تلف أحدهما أو بعض أحدهما ففي جواز الرجوع في الباقي منها روايتان إحداهما : لا يرجع نقلها أبو طالب عن أحمد قال : لا يرجع ببقية العين ويكون أسوة الغرماء لأنه لم يجد المبيع بعينه فأشبه ما لو كان عينا واحدة ولأن بعض المبيع تالف فلم يملك الرجوع كما لو قطعت يد العبد ونقل الحسن بن ثواب عن أحمد إن كان ثوبا واحدا فتلف بعضه فهو أسوة الغرماء وإن كان رزما فتلف بعضها فإنه يأخذ بقيمتها إذا كان بعينه لأن السلم من المبيع وجده البائع بعينه فيدخل في عموم قوله A : [ من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به ] ولأنه مبيع وجده بعينه فكان للبائع الرجوع فيه كما لو كان جميع المبيع .
فصل : وإن باع بعض المبيع أو وهبه أو وقفه فهو بمنزلة تلفه لأن البائع ما أدرك ما له بعينه .
فصل : وإن نقصت مالية المبيع لذهاب صفة مع بقاء عينه كعبد هزل أو نسي صناعة أو كتابة أو كبر أو مرض أو تغير عقله أو كان ثوبا فخلق لم يمنع الرجوع لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين ماله لكه يتخير بين أخذه ناقصا بجميع حقه وبني أن يضرب مع الغرماء بكمال ثمنه لأن الثمن لا يتقسط على صفة السلعة من سمن أو هزال أو علم أو نحوه فيصير كنقصه لتغير الأسعار ولو كان المبيع أمة ثيبا فوطئها المشتري ولم تحمل فله الرجوع فيها لما ذكرنا فإنه لم تنقص في ذات ولا في صفات وإن كانت بكرا فقال القاضي : له الرجوع لأنع فقد صفة فإنه لم يذهب منها جزء وإنما هو كالجراح وقال أبو بكر : ليس له الرجوع لأنه أذهب منها جزءا فأشبه ما لو فقأ عينها وإن وجد الوطء من غير المفلس فهو كوطء من غير المفلس فيما ذكرنا .
فصل : وإن جرح العبد أو شج فعلى قول أبي بكر لا يرجع لأنه ذهب جزء ينقص به الثمن فأشبه ما لو فقئت عين العبد لأنه ذهب من العين جزء له بدل فمنع الرجوع كما لو قطعت يد العبد ولأنه لو نقص صفة مجردة لم يكن للبائع مع الرجوع فيها شيء سواه كما ذكرنا في هزال العبد ونسيان الصنعة وههنا بخلافهن ولأن الرجوع في المحل المنصوص عليه يقطع النزاع يزيل المعاملة بينهما فلا يثبت في محل لا يحصل به هذا المقصود وقال القاضي : قياس المذهب أن له الرجوع لأنه فقد صفة فأشبه نسيان الصنعة واستخلاق الثوب فإذا رجع نظرنا في الجرح فإن كان مما لا أرش له كالحاصل بفعل الله تعالى أو فعل بهيمة أو جناية المفلس أو جناية عبده أو جناية العبد على نفسه فليس له مع الرجوع أرش وإن كان الجرح موجبا لأرش كجناية الأجنبي فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصة ما نقص من الثمن فينظر كم نقص من قيمته فيرجع بقسط ذلك من الثمن لأنه مضمون على المشتري للبائع بالثمن فإن قيل فهلا جعلتم له الأرش الذي وجب على الأجنبي لأنه لو لم يجب به أرش لم يرجع بشيء فلا يجوز أن يرجع بأكثر من الأرش ؟ قلنا لما أتلفه الأجنبي صار مضمونا بإتلافه للمفلس فكان الأرش له وهو مضمون على المفلس للبائع بالثمن فلا يجوز أن يضمنه بالأرش وإذا لم يتلفه أجنبي فلم يكن مضمونا فلم يجب بفواته شيء فإن قيل : فهلا كان هذا الأرش للمشتري ككسبه لا يضمنه للبائع ؟ قلنا الكسب بدل منافعه ومنافعه مملوكة للمشتري بغير عوض وهذا بدل جزء من العين والعين جميعها مضمونة بالعوض فلهذا ضمن ذلك للمشتري