منع الغرماء المدين من السفر وفروع في أحكام الافلاس وتزاحم الغرماء .
فصل : وهل خيار الرجوع على الفور أو على التراخي ؟ على وجهين بناء على خيار الرد بالعيب وفي ذلك روايتان إحداهما : هو على التراخي لأنه حق رجوع يسقط إلى عوض فكان على التراخي كالرجوع في الهبة والثاني : هو على الفور لأنه خيار يثبت في البيع لنقص في العوض فكان على الفور كالرد بالعيب ولأن جواز تأخيره يفضي إلى الضرر بالغرماء لإفضاءه إلى تأخير حقوقهم فأشبه خيار الأخذ بالشفعة ونصر القاضي هذا الوجه ولأصحاب الشافع وجهان كهذين .
فصل : فإن بذل الغرماء الثمن لصاحب السلعة ليتركها لم يلزمه قبوله نص عليه أحمد وبه قال الشافعي وقال مالك : ليس له الرجوع لأن الرجوع إنما يجوز لدفع ما يلحقه من النقص في الثمن فإذا بذل له بكماله لم ين له الرجوع كما لو زال العيب من المعيب ولنا الخبر الذي رويناه ولأنه تبرع بدفع الحق من غير من هو عليه فلم يجبر صاحب الحق على قبضه كما لو أعسر الزوج بالنفقة فبذلها غيره أو عجز المكاتب فبذل غيره ما عليه لسيده وبهذا ينتقض ما ذكروه وسواء بذلوه من أموالهم أو خصوه بثمنه من التركة وفي هذا القسم ضرر آخر لأنه لا يأمن تجدد ثبوت دين آخر فيرجع عليه وإن دفعوا إلى المفلس الثمن فبذله للبائع لم يكلن له الفسخ لأنه زال العجز عن تسليم الثمن فزال ملك الفسخ كما لو أسقط سائر الغرماء حقوقهم عنه فملك أداء الثمن ولو أسقط الغرماء حقوقهم عنه فتمكن من الأداء أو وهب له مال فأمكنه الاداء منه أو غلت أعيان ماله فصارت قيمتها وافية بحقوق الغرماء بحيث يمكنه أداء الثمن كله لم يكن للبائع الفسخ لزوال سببه ولأنه أمكنه الوصول إلى ثمن سلعته من المشتري فلم يكن له الفسخ كما لو لم يفلس .
فصل : فإن اشترى المفلس من إنسان سلعة بعد ثبوت الحجر عليه في ذمته لم يكن له الفسخ لتعذر الاستيفاء سواء علم أو لم يعلم ولأنه لا يستحق المطالبة بثمنها فلا يستحق الفسخ لتعذره كما لو كان ثمنها مؤجلا ولأن العالم بالعيب دخل على بصيرة بخراب الذمة فأشبه من اشترى معيبا يعلم عيبه وفيه وجه آخر أن له الخيار لعموم الخبر ولأنه عقد عليه وقت الفسخ فلم يسقط حقه من الفسخ كما لو تزوجت امرأة فقيرا معسرا بنفقتها وفيه وجه ثالث إن باعه عالما بفلسه فلا فسخ له وإن لم يعلم فله الفسخ كمشتري المعيب ويفارق المعسر بالنفقة لكون النفقة يتجدد وجوبها كل يوم فالرضا بالمعسر بها رضا بعيب ما لم يجب بخلاف مسألتنا وإنما يشبه هذا إذا تزوجته معسرا بالصداق وسلمت نفسها إليه ثم أرادت الفسخ .
فصل : ومن استأجر أرضا ليزرعها فأفلس قبل مضي شيء من المدة فللمؤجر فسخ الإجارة لأنه وجد عين ماله وإن كان بعد انقضاء المدة فهو غريم بالأجرة وإن كان بعد مضي بعضها لم يملك الفسخ في قياس قولنا في المبيع إذا تلف بعضه فإن المدة ههنا كالمبيع ومضي بعضها كتلف بعضه لكن يعتبر مضى مدة لمثلها أجرة لأنه لا يمكن التحرز عن مضي جزء منها بحال وقال القاضي : في موضع آخر من اكترى أرضا فزرعها ثم أفلس ففسخ صاحب الأرض فعليه تبقية زرع المفلس إلى حين الحصاد بأجر مثله لأن المعقود عليه المنفعة فإذا فسخ العقد فسخه فيما ملك عليه بالعقد وقد تعذر ردها عليه فكان عليه عوضها كما لو فسخ البيع بعد أن أتلف المبيع فله قيمته ويضرب بذلك مع الغرماء كذا ههنا ويضر مع الغرماء بأجر المثل دون المسمى وهذا مذهب الشافعي وهذا لا يقتضيه مذهبنا ولا يشهد لصحته الخبر ولا يصح في النظر أما الخبر فلأن النبي A إنما قال : [ من أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به ] وهذا ما أدرك متاعه بعينه ولا هو أحق به بالإجماع فإنهم وافقوا على وجوب تبقيتها وعدم الرجوع في عينها ولأن معنى قوله [ من أدرك متاعه بعينه ] أي على وجه يمكنه أخذه لا يتعلق حقه بعينه وليس هذا كذلك وأما النظر فلأن البائع إنما كان أحق بعين ماله لتعلق حقه بالعين وإمكان رد ماله إليه بعينه فيرجع على من تعلق حقه بمجرد الذمة وهذا لم يتعلق حقه بالعين ولا أمكن ردها إليه وإنما صار فائدة الرجوع الضرب بالقيمة دون المسمى وليس هذا هو المقتضي في محل النص ولا هو في معناه فإثبات الحكم به تحكم بغير دليل ولو اكترى رجلا يحمل له متاعا إلى بلد ثم أفلس المكتري قيل حمل شيء فللمكتري الفسخ وقياس قول القاضي : له ذلك فإذا فسخ سقط عنه حمل ما بقي وضرب مع الغرماء بقسط ما حمل من الأجر المسمى وعلى قياس القاضي ينفسخ العقد في الجميع ويضرب بقسط ما حمل من أجر المثل لما ذكرنا من قوله في المسألة التي حكينا قوله فيها