رهن الثمرة قبل بدو صلاحها ورهن المصحف والمستعار مما لا صح بيعه والمجهول والمغصوب .
فصل : وهل يصح رهن الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع أو الزرع الأخضر ؟ فيه وجهان أحدهما : يجوز وهو اختيار القاضي لأن الغرر يقل فيه فإن الثمرة متى تلقت عاد إلى حقه في ذمة الراهن ولأه يجوز بيعه فجاز رهنه ومتى حل الحق بيع وان اختار المرتهن تأخير بيعه فله ذلك والثاني : لا يصح وهو منصوص الشافعي لأنه لا يجوز بيعه فلا يصح رهنه كسائر ما لا يجوز بيعه وذكر القاضي انه يجوز رهن المبيع الذي يشترط قبضه كالمكيل والموزون قبل قبضه لأن قبضه مستحق فيمكن المشتري قبضه ثم يقبضه أما البيع فإنه يفضي إلى أن يربح فيما لم يضمن وهو منهي عنه ويحتمل أن لا يصح لرهنه لأنه لا يصح بيعه .
فصل : وفي رهن المصحف روايتان إحداهما : لا يصح نقل الجماعة عنه الأرخص في رهن المصحف وذلك لأن المقصود من الرهن استيفاء الدين من ثمنه ولا يحصل ذلك إلا ببيعه وبيعه غير مالك و الشافعي و أبي ثور وأصحاب الرأي بناء على أنه يصح بيعه فصح رهنه كغيره .
فصل : ويجوز أن يستعير شيئا يرهنه قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا استعار من الرجل شيئا يرهنه على دنانير معلومة عند رجل سماه إلى وقت معلوم ففعل أن ذلك جائز وينبغي أن يذكر المرتهن والقدر الذي يرهنه به وجنسه ومدة الرهن لأن الضرر يختلف بذلك فاحتيج إلى ذكره كأصل الرهن ومتى شرط شيئا من ذلك فخالف ورهنه بغيره لم يصح الرهن لأنه لم يؤذي له في الرهن فأشبه من لم يأذن في أصل الرهن قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على ذلك وإن أذن له في رهنه يقدر من المال فنقص عنه مثل أن يأذن له في رهنه بمائة فيرهنه بخمسين صح لأن من أذن في مائة فقد أذن في خمسين وإن رهنه بأكثر مثل أ يرهنه بمائة وخمسين احتمل أن يبطل في الكل لأنه خالف المنصوص عليه فبطل كما لو قال أرهنه بدنانير فرهنه بدارهم أو بحال فرهنه بمؤجل أو بمؤجل فرهنه بحال فإنه لا يصح كذلك ههنا وهذا منصوص الشافعي والوجه الثاني : أنه يصح في المائة ويبطل في الزائد عليها لأن العقد تناول ما يجوز وما لا يجوز فجاز فيما يجوز دون غيره كتفريق الصفقة ويفارق ما ذكرنا من الأصول فإن العقد لم يتناول مأذونا فيه بحال وكل واحد من هذه الأمور يتعلق به غرض لا يوجد في الآخر فإن الراهن قد يقر على فكاكه في الحال ولا يقدر على ذلك عند الأجل وبالعكس وقد يقدر على فكاكه بأحد النقدين دون الآخر فيفوت الغرض بالمخالفة وفي مسألتنا إذا صح في المائة المأذون فيها لم يختلف الغرض فإن أطلق الرهن في الإذن من غير تعيين فقال القاضي : يصح وله رهنه بما شاء وهو قول أصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي والآخر : لا يجوز حتى يبين قدر الذين يرهنه به وصفته وحلوله وتأجيله لأن هذا بمنزلة الضمان لأن منفعة البد لسيده والعارية ما أفادت المنفعة إنما حصلت له نفعا بكون الرهن وثيقة عنه فهو بمنزلة الضمان في ذمته وضمان المجهول لا يصح ولنا أنها عارية فلم يشترط لصحتها ذكر تلك العارية لغير الرهن والدليل على أنه عارية أنه قبض ملك غيره لمنفعة نفسه منفردا بها من غر عوض فكان عارية كقبضه للخدمة وقولهم إنه ضما غير صحيح لأن الضمان يثبت في الذمة في الرقبة ولأن الضمان لازم في حق الضامن وهذا له رجوع في العبد قبل الرهن وإلزام المستعير بفكاكه بعده وقولهم ان المنافع للسيد قلنا المنافع مختلفة فيجوز أن يستعيره لتحصيل منفعة واحدة وسائر المنافع للسيد كما لو استعاره لحفظ متاع وهو مع ذلك يخيط لسيده أو يعمل له شيئا أو استعاره ليخيط له ويحفظ المتاع لسيده فإن قيل لو كان عارية لما صح رهنه لأن العارية لا تلزم والرهن لازم قلنا العارية غير لازمة من جهة المستعير فإن لصاحب العبد المطالبة بفكاكه قبل حلول الدين ولأن العارية قد تكون لازمة بدليل ما لو أعاره حائطا ليبتني عليه أو أرضا ليدفن فيها أو ليزرع فيها ما لا يحصد قصيلا إذا ثبت هذا فإنه يصح رهنه بما شاء إلى أي وقت شاء ممن شاء لأن الإذن يتناول الكل بإطلاقه وللسيد مطالبة الراهن بفكاك الرهن حالا كان أو مؤجلا في محل الحق وقبل محله لأن العارية لا تلزم متى حل الحق فلم يقبضه فللمرتهن بيع الرهن واستيفاء الدين من ثمنه ويرجع المعير على الراهن بالضمان وهو قيمة العين المستعارة أو مثلها إن كانت من ذوات الأمثال ولا يرجع بما يبعث به سواء بيعت بأقل من القيمة أو أكثر في أحد الوجهين والصحيح أنها إن بيعت بأقل من قيمتها رجع بالقيمة لأن العارية مضمونة فيضمن نقص ثمنها وإن بيعت بأكثر رجع بما بيعت به لأن العبد ملك للمعير فيكو ثمنه كله له وكذلك لو أسقط المرتهن حقه عن الراهن رجع الثمن كله إلى صاحبه فإذا قضى به دين الراهن رجع به عليه ولا يلزم من وجوب ضمان النقص أن لا تكون الزيادة لصاحب العبد كما لو كان باقيا بعينه وإن تلف الرهن ضمنه الراهن بقيمته سواء تلف بتفريط أو غير تفريط نص على هذا أحمد وذلك لأن العارية مضمونة .
فصل : وإن فك المعير الرهن فأدى الدين الذي عليه بإذن الراهن رجع عليهن وإن قضاه متبرعا لم يرجع بشيء وإن قضاه بغير إذنه محتسبا بالرجوع بغير إذنه فهل يرجع ؟ على روايتين بناء على ما إذا قضى دينه بغير إذنه ويترجح الرجوع ههنا لأن له المطالبة بفكاك عبده وأداء دينه فكاكه وإن اختلفا في الإذن فالقول قول الراهن مع ميميه لأنه منكر وإن شهد المرتهن للمعير قبلت شهادته لأنه لا يجر بها نفعا ولا يدفع بها ضررا وإن قالت : أذنت لي في رهنه بعشرة قال : بل بخمسة فالقول قول المالك لأنه منكر للزيادة وبهذا قال الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي وإن كان الدين مؤجلا فقضاه حالا بإذنه رجع به حالا وإن قضاه بغير إذنه فقال القاضي : يرجع به حالا أيضا لأنه له المطالبة بفكاك عبد في الحال .
فصل : ولو استعار من رجل عبدا ليرهنه بمائة فرهنه عند رجلين صح لأن تعيين ما يرهن به ليس بشرط فكذلك من يرهن عنده ولأن رهنه من رجلين أقل ضررا من رهنه عند واحد لأنه ينفك منه بعضه بقضاء بعض الدين بخلاف ما لو كان رهنا عند واحد فعلى هذا إذا قضى أحدهما ما عليه من الدين خرج نصيبه من الرهن لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان في الحقيقة ولو استعار عبدا من رجلين فرهنه عند واحد بمائة فقضاه نصفها عن أحد النصيبين ففيه وجهان أحدهما : لا ينفك من الرهن شيء لأنه عقد واحد منهما إنما أذن في الرهن نصيبه بخمسين فلا يكون رهنا بأكثر منها كما لو صرح له بذلك فقال : ارهن نصيبي بخمسين لا تزد عليها فعلى هذا الوجه إن كان المرتهن عالما بذلك فلا خيار له وإن لم يكن عالما بذلك والرهن مشروط في بيع احتمل أن يكون له الخيار لأنه دخل على أن يكون جزء من الرهن وثيقة بجميع الدين وقد فاته ذلك ولو كان رهن هذا العبد عند رجلين فقضى أحدهما انفك نصيب كل واحد من المعيرين من نصفه وإن قضى نصف دين أحدهما انفك في نصيب أحدهما على أحد الوجهين وفي الآخر ينفك نصف نصيب كل واحد منهما والله أعلم .
فصل : ولو كان لرجلين عبدان فأذن لك واحد منهما لشريكه في رهن نصيبه من أحد العبدين فرهناهما عند رجل مطلقا صح فإن شرط أحدهما انني متى قضيت ما علي من الدين انفك الرهن في العبد الذي رهنته وفي العبد الآخر وفي قدر نصيبي من العبد الآخر فهذا شرط فاسد لأنه شرط أن ينفك بقضاء الدين رهن على دين آخر ويفسد الرهن لأن في هذا الشرط نقصا على المرتهن وكل شرط فاسد ينقص حق المرتهن يفسد الرهن فأما إن شرط أنه لا ينفك شيء من العبد حتى يقضي جميع الدين فهو فاسد أيضا لأنه شرط أن يبقى الرهن محبوسا بغير الدين الذي هو رهن به لكنه لا ينقص حق المرتهن فهل يفسد الرهن بذلك ؟ على وجهين .
فصل : ولا يصح رهن ما لا يصح بيعه كأم الولد والوقف والعين المرهونة لأن المقصود الرهن استيفاء الدين من ثمنه وما لا يجوز بيعه لا يمكن ذلك فيه ولو رهن العين المرهونة عند المرتهن لم يجز فلو قال الراهن للمرتهن زدني مالا ليكون الرهن الذي عند رهنا به وبالدين الأول لم يجز وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد وهو أحد قولي الشافعي وقال مالك وأبو يوسف وأبو ثور والمزني وابن المنذر : يجوز ذلك لأنه لو زاده رهنا جاز فكذلك إذا زاد في يدن الرهن ولأنه لو فدى المرتهن العبد الجاني بإذن الراهن ليكون رهنا بالمال الأول وبما فداه به جاز فكذلك ههنا ولأنها وثيقة محضة فجازت الزيادة فيها كالضمان .
ولنا أنها عين مرهونة فلم يجز رهنا بدين آخر كما لو رهنها عن غير المرتهن فأما الزيادة في الرهن فيجوز لأنه زيادة استيثاق بخلاف مسألتنا وأما العبد لاجاني فيصح فداؤه ليكون رهنا بالفداء والمال الأول لكون الرهن لا يمنع تعلق الأرش بالجاني لكون الجناية أقوى ولأن لولي الجناية المطالبة ببيع الرهن وإخراجه من ارهن فصار بمنزلة الرهن الجائز قبل قبضه ويجوز أن يزيده في الرهن الجائز حقا قبل لزومه فكذلك إذا صار جائز بالجناية ويفارق الرهن الضمان فإنه يجوز أن يضمن لغيره إذا ثبت هذا فرهنه بحق ثان كان رهنا بالأول خاصة فإن شهد بذلك شاهدان يعتقدان فساده لم ين لهما أن يشهدا به وإن اعتقدوا صحته لم يكن لهما أن يشهدا أنه رهنه بالحقين مطلقا بل يشهدان بكيفية الحال ليرى الحاك فيه رأيه .
فصل : وأما رهن سواد العراق والأرض الموقوفة على المسلمين فالصحيح في المذهب أهلا يجوز بيعها فكذلك رهنها وهذا منصوص الشافعي وما كان فيها من بنائها فحكمه حكمها وما كان فيها نم غير ترابها أو الشجر المجدد فيها إن أفراده بالبيع وارهن فهل يصح ؟ على روايتين نص عليهما في البيع إحداهما : يصح لأنه طلق والثانية : لا يجوز لأنه تابع لما لا يجوز بيعه ولا رهنه فهو كأساسات الحيطان وإن رهنه مع الأرض بطل في الأرض وهل يجوز في الأشجار والبناء على الرواية التي يجوز رهنها منفردة ؟ يخرج على الروايتين في تفريق الصفقة وهذا مذهب الشافعي Bه .
فصل : ولا يصح رهن المجهول لأنه لا يصح بيعه فلو قال : رهنتك هذا الجراب أو البيت أو الخريطة بما فيها لا يصح لأنه مجهول وإن لم يقل بما فيها صح رهنا للعلم بها إلا أن يكون ذلك مما لا قيمة له كالجراب الخلق ونحوه ولو قال رهنتك أحد العبدين لم يصح لعدم التعيين وفي الجملة أنه يعتبر للعلم في الرهن ما يعتبر في البيع وكذلك القدرة على التسليم فلا يحص رهن الآبق ولا الجمل الشارد ولا غير مملوك .
فصل : ولو رهن عبدا يعتقده مغصوبا فبان ملكه مثل أن رهن عبد أبيه فبان أن أباه قد مات وصار العبد ملكه بالميراث أو وكل إنسانا يشتري له بعدا من سيده ثم أن الموكل باع العبد أو رهنه يعتقده لسيده الأول فبان أن تصرفه بعد شراء الوكيل له ونحو ذلك صح تصرفه لأنه تصرف صدر من أهله وصادف ملكه فصح كما لو علم ويحتمل أن لا يصح لأنه اعتقده باطلا