واز رهن الجارية ورهن ما يسرع إليه الفساد والعصير .
فصل : ويجوز رهن الجارية دون ولدها ورهن ولدها دونها لأن الرهن لا يزيل الملك فلا يحصل بذلك تفرقة ولأنه يمكن تسليم الولد مع أمة والأم مع ولدها فإن دعت الحاجة إلى بيعها في الدين بيع ولدها معها لأن الجمع في العقد ممكن والتفريق بينهما حرام فوجب بيعه معها فإذا بيعها معا تعلق حق المرتهن من ذلك بقدر قيمته الجارية من الثمن فإذا كانت قيمتها مائة مع أنها ذات ولد وقيمة الولد خمسون فحصتها ثلثا الثمن وإن لم يعلم المرتهن بالولد ثم علم فله الخيار في الرد والإمساك لأن الولد عيب فيها لكونه لا يمكن بيعها بدونه فإن أسمك فهو كما لو علم حال العقد ولا شيء له غيرها وإن ردها فله فسخ البيع إن كانت مشروطة فيه .
فصل : ويصح رهن ما يسر إليه الفساد سواء كان مما يمكن إصلاحه بالتجفيف كالعنب والرطب أو لا يمكن كالبطيخ والطبيخ ثم إن كان مما يجفف فعلى الراهن تجفيفه لأنه من مؤنة حفظه وتبقيته فيلزم الراهن كنفقة الحيوان وإن كان مما لا يجفف فإنه يباع ويقضي الدين من ثمنه إن كان حالا أو يحل قبل فساده وإن كان لا يحل قبل فساده جعل ثمنه مكانه رهنا سواء شرط في الرهن بيعه أو أطلق وقال أصحاب الشافعي : إن كان مما يفسد قبل محل الدين فشرط المرتهن على الراهن بيعه وجعل ثمنه مكانه صح وإن أطلق فعلى قولين أحدهما : لا يصح لأن بيع الرهن قبل حلول الحق لا يقتضيه عقد الرهن فلم يجب ولم يصح رهنه كما لو شرط أن لا يبيعه وذكر القاضي فيه وجهين كالقولين .
ولنا أن العرف يقتضي ذلك لأن المالك لا يعرض ملكه للتلف والهلاك فإذا تعين حفظه في بيعه حمل عليه مطلق العقد كتجفيف ما يجف والانفاق على الحيوان وحرز ما يحتاج إلى حرز وأما إذا شرط أن لا يباع فلا يصح لأنه شرط ما يتضمن فساده وفوات المقصود فأشبه ما لو شرط أن لا يجفف ما يجف أو لا ينفق على الحيوان وإذا ثبت ما ذكرناه فإنه إن شرط للمرتهن بيعه أو أذن له في بيعه بعد العقد أو اتفقا على أن يبيعه الراهن أو غره باعه وإن لم يكن ذلك باعه والحاكم وجعل ثمنه رهنا ولا يقتضي الدين من ثمنه لأنه ليس له تعجيل وفاء الدين قبل حلوله وكذلك الحكم إن رهنه ثيابا فخاف تلفها أو حيوانا وخاف موته قال أحمد فيمن رهن ثيابا يخاف فسادها كالصوف أتى السلطان فأمره ببيعها .
فصل : ويجوز رهن العصير لأنه يجوز بيعه وتعرضه للخروج عن المالية لا يمنع صحة رهنه كالمريض والجاني ثم ان استحال إلى حال لا يخرج فيها عن المالية كالخل فالرهن بحاله وإن صار خمرا زال لزوم العقد ووجبت اراقته فإن أريق بطل العقد فيه ولا خيار للمرتهن لأن التلف حصل في يده وإن عاد خلا عاد اللزوم بحكم العقد السابق كما لو زالت يد المرتهن عن الرهن ثم عادت إليه وإن استحال خمرا قبل القبض المرتهن له بطل الرهن ولم يعد بعوده خلا لأنه عقد ضعيف لعدم القبض فيه فأشبه إسلام أحد الزوجين قبل الدخول وذكر القاضي أن العصير إذا استحال خمرا بعد القبض بطل الرهن ثم إذا عاد خلا عاد ملكا لصحابه مرهونا بالعقد السابق لأنه يعود مملوكا بحكم الملك الأول فيعود حكم الرهن أيضا لأنه زال بزوال الملك فيعود بعودة وهذا مذهب الشافعي وقال مالك و أبو حنيفة : هو رهن بحاله لأنه كانت له قيمة حاله كونه عصيرا ويجوز أن يصير له قيمة فلا يجوز أن يزول الملك عنه كما لو ارتد الجاني ولأن اليد لم تزل عنه حكما ولهذا لو غصبه غاصب فتخلل في يده كان ملكا للمغصوب منه ولو زالت يده لكان ملكا للغاصب كما لو أراقه فجمعه إنسان فتخلل في يده كان له دون من أراقه وهذا القول هو قولنا الأول في المعنى إلا أن يقولوا ببقاء اللزوم فيه حال كونه خمرا ولم يظهر لي فائدة الخلاف بعد اتفاقهم على عوده رهنا باستحالة خلا وأرى القول ببقائه رهنا أقرب إلى الصحة لأن العقد لو طبل لما عاد صحيحا من غير ابتداء عقد فإن قالوا يمكن عوده صحيحا لعود المعنى الذي بطل بزواله كما أن الزوجة الكافر إذا أسلمت خرجت من حكم العقد لاختلاف دينهما فإذا أسلم الزوج في العدة عادة الزوجة بالعقد الأول لزوال الاختلاف في الدين قلنا هناك ما زالت الزوجية ولا يبطل العقد ولو بطل بانقضاء العدة لما عاد إلا بعقد جديد وإنما العقد كان موقوفا مراعى فإذا أسلم في العدة تبينا أنه لم يبطل وإن يسلم تبينا أنه كان قد بطل وههنا قد جزمتم ببطلانه