حكم أخذ الرهن والكفيل من المسلم إليه .
مسألة : قال : ولا يجوز أن يأخذ رهنا ولا كفيلا من المسلم إليه .
اختلفت الرواية في الرهن والضمين في السلم فروى المروذي وابن القاسم وأبو طالب منع لك وهو اختيار الخرقي وأبي بكر وروت كراهة ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والأوزاعي وروى حنبل جوازه ورخص فيه عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار والحكم ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذرلقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين } إلى قوله : { فرهان مقبوضة } وقد روي عن ابن عباس وابن عمر أن المراد به السلم ولأن اللفظ عام فيدخل السلم في عمومه ولأنه أحد نوعي البيع فجاز أخذ الرهن بما في الذمة منه كبيوع الأعيان ووجه الأول أن الرهن الضمين أن أخذا برأس مال السلم فقد أخذا بما ليس بواجب ولا مآله إلى الوجوب لأن ذلك قد ملكه المسلم إليه إن أخذا بالمسلم فيه فالرهن إنما يجوز بشيء يمكن استيفاؤه من ثمن الرهن والمسلم فيه لا يمكن استيفاؤه من الرهن ولا من ذمة الضامن ولأنه لا يأمن هلاك الرهن في يده بعدوان فيصير مستوفيا لحقه من غير المسلم فيه وقد [ قال النبي A : من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره ] رواه أبو داود ولأنه يقيم ما في ذمة الضامن مقام ما في ذمة المضمون عنه فيكون في حكم أخذا العوض والبدل عنه وهذا لا يجوز .
فصل : فإن أخذ رهنا أو ضمينا بالمسلم فيه ثم تقايلا السلم أ وفسخ العقد لتعذر المسلم فيه بطل الرهن لزوال الدين الذي به الرهن وبرئ الضامن وعلى المسلم إليه رد رأس مال السلم في الحال ولا يشترط قبضه في المجلس لأنه ليس بعوض ولو أقرضه ألفا وأخذ به رهنا ثم صالحه من الألف على طعام معلوم في ذمته صح وزوال الرهن لزوال دينه من الذمة وبقي الطعام في الذمة ويشترط قبضه في المجلس كيلا يكون بيع دين بدين فإن تفرقا قبل القبض بطل الصلح روجع الألف إلى ذمته برهنه لأنه يعود على ما كان عليه كالعصير إذا تخمر ثم عاد خلا وهكذا لو صالحه عن الدراهم بدنانير في ذمته فالحكم مثل ما بينا في هذه المسألة .
فصل : وإذا حكمنا بصحة ضمان السلم فلصاحب الحق مطالبه من شاء منهما وأيهما قضاه برئت ذمتهما منه فإن سلم المسلم فيه إلى الضامن ليدفعه إلى المسلم جاز وكان مكيلا وإن قال : خذه عن الذي ضمت عني لم يصح وكان قبضا فاسدا مضمونا عليه لأنه إنما استحق الأخذ بعد الوفاء فإن أوصله إلى المسلم برئ بذل كلأنه سلم إليه ما سلطه المسلم إليه في التصرف فيه وإن أتلفه فعليه ضمانه لأنه قبضه على ذلك وإن صالح المسلم الضامن عن المسلم فيه بثمنه لم يصح لأن هذا إقالة فلا يصح من غير المسلم إليه وإن صالح المسلم إليه بثمنه صح وبرئت ذمته وذمة الضامن لأن هذا إقالة وإن صالح على غير صمنه لم يصح لأنه بيع المسلم فيه قبل القبض .
فصل : والذي يصح أخذ الرهن به كل دين ثابت في الذمة يصح استيفاؤه من الرهن كأثمان البياعات والأجرة في الإجارات والمهر وعوض الخلع والقرض وأرش الجنايات وقيم المتلفات ولا يجوز أخذ الرهن بما ليس بواجب ولا مآله إلى الوجوب كالدية على العاقلة قبل الحول لأنها لم تجب بعد ولا يعلم افضاؤها إلى الوجوب فإنهم لو جنوا أو افتقروا أو ماتوا لم تجب عليهم فلا يصح أخذ الرهن بها فأما بعد الحول فيجوز أخذ الرهن بها لأنها قد استقرت في ذمتهم ويحتلم جواز أخذ الرهن بها قبل الحلول لأن الأصل بقاء الحية واليسار والعقل ولا يجوز أخذ الرهن بالجعل في الجعالة قبل العمل لأنه لم يجب ولا يعلم إفضاؤها إلى الوجوب وقال القاضي : يحتمل أخذ الرهن به لأن مآله إلى الوجوب واللزوم فأشبهت أثمان البياعات والأولى أولى لأن قضاؤه إلى الوجوب محتمل فأشبهت الدية قبل الحول ويجوز أخذ الرهن به بعد العمل لأنه قد وجب ولا يجوز أخذ الرهن بمال الكتابة لأنه غبر لازم فإن للعبد تعجيز نفسه ولا يمكن استيفاء دينه من الرهن لأنه لو عجز صار الرهن للسيد لأه من جملة مال المكاتب وقال أبو حنيفة : يجوز .
ولنا أنها وثيقة لا يمكن استيفاء الحق منها فلم يصح كضمان الخمر ولا يجوز أخذ الرهن بعوض المسابقة لأنها جعالة ولم يعلم إفضاءها إلى الوجوب لأن الوجوب إنما يثبت بسبق غير المخرج وهذا غير معلوم ولا مظنون وقال بعض أصحابنا فيها وجهان هل هي إجارة أو جعالة ؟ فإن قلنا هي إجارة جاز أخذ الرهن بعضوها وقال القاضي : إن لم يكن فيها محلل فهي جعالة وإن كان فيها محلل فعلى وجهين وهذا كله يبعد لأن الجعل ليس هو ي مقابلة العمل بدليل أنه لا يستحقه إذا كان مسبوقا وقد عمل العمل وإنما هو عوض عن السبق ولا تعلم القدرة عليه ولأنه لا فائدة للجاعل فيه ولا هو مراد له وإذا لم تكن إجارة مع عدم المحلل فمع وجوده أولى لأن مستق الجعل هو السابق وهو غير معين ولا يجوز استئجار رجل غير معين ثم لو كانت إجارة لكن عوضها غير واجب في الحال و لا يعلم إفضاؤه إلى الوجوب ولا يظن فلم يجز أخذ الرهن به كالجعل في رد الآبق والقطة ولا يجوز أخذ الرهن بعضو غير ثابت في الذمة كالثمن المعين والأجرة المعينة في الإجارة والمعقود في الإجارة إذا كان منافع معينة مثل إجارة الدار والعبد المعين والجمل المعين مدة معلومة أو الحمل شيء معين إلى مكان معلوم لأن هذا حق تعلق بالعين لا بالذمة ولا يمكن استيفاؤه أحق من الرهن لأن منفعة العين لا يمكن استيفاؤها من غيرها وتبطل الإجارة بتلف العين وإن وقعت الإجارة على لمنفعة في الذمة كخياطة ثوب وبناء دار جاز الرهن به لأنه ثبات في الذمة ويمكن استيفاؤه من الرهن بأن يستأجر من ثمنه من يعمل ذلك العمل فجاز أخذ الرهن به كالدين ومذهب الشافعي في هذا كله كما قلنا .
فصل : فأما الأعيان المضمونة كالغصوب والعواري والمقبوض ببيع فاسد والمقبوض على وجه السوم ففيها وجهان أحدهما : لا يصح الرهن بها وهو مذهب الشافعي لأن الحق غير ثابت في الذمة فأشبه ما ذكرنا ولأنه إن رهنه على قيمتها إذا تلفت فهو رهن على ما ليس بواجب ولا يعلم إفضاؤه إلى الوجوب ون أخذ الرهن على عينها لم يصح لأنه لا يمكن استيفاؤه عينها من الرهن فأشبه أثمان البياعات المتعينة والثاني : يصح أخذ الرهن بها وهو مذهب أبي حنيفة وقال : كل عين كانت مضمونة بنفسها جاز أخذ الرهن بها يريد ما يضمن بمثله أو قيمته كالمبيع يجوز أخذ الرهن به لأنه مضمونه بفساد العقد لأن مقصود الرهن الوثيقة بالحق وهذا حاصل فإن الرهن بهذه الأعيان يحمل الراهن على أدائها وإن تعذر أداؤها استوفى بدلها من ثمن الرهن فأشبهت الدين في الذمة .
فصل : قال القاضي : كل ما جاز أخذ الرهن به جاز أخذ الضمين به وما لم يجز الرهن به لم يجز أخذ الضمين به إلا ثلاثة أشياء عهدة المبيع يصح ضمانها ولا يصح الرهن بها والكتابة لا يصح الرهن بدينها وفي ضمانها روايتان وما لم يجب لا يصح الرهن به ويصح ضمانه والفرق بنيهما من وجهين أحدهما أن الرهن بهذه الأشياء يبطل الإرفاق فإنه إذا باع عبده بألف ودفع رهنا يساوي ألفا فكأنه ما قبض ولا ارتفق به والمكاتب إذا دفع ما يساوي كتابته فما ارتفق بالأجل لأنه كان يمكنه بيع الرهن أو بقاء الكتابة ويستريح من تعطيل منافع عبده والضمان بخلاف هذا الثاني : أن اضرر الرهن يعم لأنه يدوم بقاؤه عند المشتري فيمنع البائع التصرف فيه والضمان بخلافه .
فصل : إذا اختلف المسلم والمسلم إليه في حلول الأجل فالقول قول المسلم إليه لأنه منكر وإن اختلفا في أداء المسلم فيه فالقول قول المسلم لذلك وإن اختلفا في قبض الثمن فالقول قول المسلم إليه لذلك وإن اتفقا عليه وقال أحدهما : كان في المجلس قبل الفرق وقال الآخر : بعده فالقول قول يدعي القبض في المجلس لأن معه سلامه العقد وإن أقام كل واحد من ما بينة بموجب دعواه قدمت أيضا بينته لأنها مثبته والأخرى نافية