أحكام القبض في المسلم فيه ومتى يجب ومتى لا يجب .
مسألة : قال : وإذا أسلم في شيء واحد على أن يقبضه في أوقات متفرقة أجزاء معلومة فجائز .
قال الأثرم قلت أبي عبد الله : الرجل يدفع إلى الرجل الدراهم في الشي يؤكل فيأخذ منه كل يوم من تلك السلعة شيئا فقال على معنى السلم إذا ؟ فقتل نعم قال : لا بأس ثم قال : مثل الرجل القصاب يعطيه الدينار على أن يأخذ منه كل يوم رطلا من لحم قد وصفه وبهذا قال مالك وقال الشافعي : إذا أسلم في جنس واحد إلى أجلين فيه قولان أحدهما : لا يصح لأن ما يقابل أبعدهما أجلا أقل مما يقابل الآخر وذلك مجهولا فلم يجز ولنا أن كل بيع جاز في أجل واحد جاز في أجلين وآجال كبيوع الأعيان فإذا قبض البعض وتعذر قبض الباقي ففسخ العقد رجع بقسطه من الثمن ولا يجعل للباقي فضلا عن المقبوض لأنه مبيع واحد متماثل الأجزاء فيسقط الثمن على أجزائه بالسوية كما لو اتفق أجله .
مسألة : قال : وإذا لم يكن السلم فيه كالحديد والرصاص وما لا يفسد ولا يختلف قديمه وحديثه لم يكن عليه قبضه قبل محله .
يعني بالسلم المسلم فيه سمي باسم المصدر كما يسمى المسروق سرقة والمرهون رهنا قال إبراهيم : خذ سلمك أو دون سلمك ولا تأخذ فوق سلمك ومتى أحضر المسلم فيه على الصفة المشروطة لم يخل من ثلاثة أحوال أحدها : أن يحضره في محله فيلزمه قبوله لأنه أتاه بحقه في محله قبوله كالمبيع المعين وسواء كتان عليه قي قبضه ضرر أو لم يكن فإن أبى قيل له إما أن تقبض حقك وأما إن تبرئ منه فإن امتنع قبضه الحاكم من المسلم إليه للمسلم وبرئت ذمته منه لأن الحاكم يقوم مقام الممتنع بولايته وليس له أن يبرئ لأنه لا يملك الإبراء .
الحال الثاني : أن يأتي به قبل محله فينظر فيه فإن كان مما في قبضه قبل محله ضرر إما لكونه مما يتغير كالفاكهة والأطعمة كلها أو كان قديمة دون حديثه كالحبوب ونحوها لم يلزم المسلم قبوله لأن له غرضا في تأخيره بأن يحتاج إلى أكله أو إطعامه في ذلك الوقت وكذلك الحيوان لأنه لا يأمن من تلفه ويحتاج إلى الإنفاق لعيه إلى ذلك الوقت وربما يحتاج إليه في ذلك الوقت دون ما قبله وهكذا إن كان مما يحتاج في حفظ إلى مؤنة كالقطن ونحوه أو كان الوقت مخوفا يخشى نهب ما يقبضه فلا يلزمه الأخذ في هذه الأحوال كلها لأن عليه ضررا في قبضه ولم يأت محل استحقاقه له فجرى مجرى نقص صفة فيه وإن كان ما لا ضرر في قبضه بأن يكون لا يتغير كالحديد والرصاص والنحاس فإنه يستوي قديمه وحديثه ونحو ذلك الزيت والعسل ولا في قبض ضرر الخوف ولا تحمل مؤنة فعليه قبضه لأن غرضه حاصل مع زيادة تعجل المنفعة فجرى مجرى زيادة الصفة وتعجيل الدين المؤجل الحال الثالث : أن يحضره بعد محل الوجوب فحكمه حكمن ما لو أحضر المبيع بعد تفرقهما .
فصل : ولا يخلو أما أن يحضر المسلم فيه على صفته أو دونها أو أجود منها فإن أحضره على صفته لزم قبوله لأنه حقه وإن أتى به دون صفته لم يلزمه قبوله لأن فيه إسقاط حقه فإن تراضيا على ذلك وكان من جنسه جاز وإن كان من غير جنسه لم يجز لما تقدم وإن اتفقا على أن يعطيه دون حقه ويزيده شيئا لم يجز لأنه أفرد صفة الجودة بالبيع وذلك لا يجز لأنه بالبيع وذلك لا يجوز ولأن البيع المسلم فيه قبل قبضه غير جائز فبيع وصفه أولى الثالث : أن يحضره أجود من الموصوف فينظر فيه فإن أتاه به من نوعه لزمه قبوله لأنه أتى بما تناوله العقد وزيادة تابعه له فينفعه ولا يضره إذ لا يفوته غرض فإن أتى به من نوع آخر لم يلزمه قبولهن لأن العقد تناول ما وصفاه على الصفة التي شرطاها وقد فات بعض الصفات فإن النوع صفة وقد فات فأشبه ما لو فات غيره من الصفات وقال القاضي : يلزمه قبوله لأنهما جنس واحد يضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة فأشبه الزيادة في الصفة مع اتفاق النوع والألو أجود لأن أحدهما يصلح لما لا يصلح له الآخر فإذا فوته لعيه فوت عليه الغرض المتعلق به فلم يلزمه قبوله كما لو فوت عليه صفة الجودة وهذا مذهب الشافعي فإن تراضيا على أخذ النوع بدلا عن النوع الآخر جاز لأنهما جنس واحد لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ويضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة فجاز أخذ أحدهما عن الآخر كالنوع الواحد وقال بعض أصحاب الشافعي : لا يجوز له أخذه للمعنى الذي منع لزوم أخذه وقال إبراهيم : لا تأخذ فرق سلمك في كيل ولا صفة ولنا أنهما تراضيا على دفع المسلم فيه من جنسه فجاز كما لو تراضيا على دفع الرديء مكان الجيد أو الجيد مكان الرديء وبهذا ينتقض ما ذكروه فإنه لا يلزم أخذ الرديء ويجوز أخذه ولأن المسلم أسقط حقه من النوع فلم يبق بنيهما إلا صفة الجودة وقد سمح بها صاحبها .
فصل : إذا جاءه بالأجود فقال خذه وزدني درهما لم يصح وقال أبو حنيفة : يصح كما لو أسلم في عشرة فجاءه بأحد عشر لنا أن الجودة صفة فلا يجوز إفرادها بالعقد كما لوكا مكيلا أو موزونا فإن جاءه بزيادة في القدر فقال خذه وزدني درهما ففعلا صح لأن الزيادة ههنا يجوز افرادها بالعقد .
فصل : وليس له إلا أقل ما تقع عليه الصفة لأنه إذا أسلم إليه ذلك فقد سلم إليه ما تناوله العقد فبرئت ذمته منه وعليه أن يسلم إليه الحنطة نفيه من التبن والقصل والشعير ونحوه مما لا يتناوله اسم الحنطة وإن كان فيه تراب كثير يأخذ موضعا من المكيال لم يجز وإن كان يسيرا لا يؤثر في المكيال لولا يعيبها لزمه أخذه ولا يلزمه أخذ التمر إلا جافا ولا يلزم أن يتناهى جفافه لأنه يقع عليه الاسم ولا يلزمه أن يقبل معيبا بحال ومتى قبض المسلم فيه فوجده معيبا فله المطالبة بالبدل أو الأرش كالمبيع سواء .
فصل : ولا يقبض المكيل إلا بالكيل ولا الموزون إلا بالوزن ولا يقبضه جزافا ولا بغير ما يقدر به لأن الكيل والوزن يختلفان فإن قبضه بذلك فهو كقبضه جزافا فيقدره بما أسلم يه ويأخذ قدر حقه ويرد الباقي ويطالب بالعوض وهل له أن يتصرف في قدر حقه منه قبل أ يعتبره ؟ على وجهين مضى ذكرهما في بيوع الأعيان واختلفا في قدره فالقول قول القابض مع يمينه قال القاضي : ويسلم إليه ملء المكيال وما يحمله ولا يكون ممسوحا ولا يدق ولا يهز لأن قوله أسلمت إليك في قفيز يقتضي ما يسعه المكيال وما يحمله وهو ما ذكرنا