تحديد الاجل في السلم واشتراط العلم به .
الفصل الثاني : أنه لا بد من كون الأجل معلوما لقوله تعالى : { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى } وقول النبي A : [ إلى أجل معلوم ] ولا نعلم في اشتراط العلم في الجملة اختلافا فأما كيفيته فإنه يحتاج أن يعلمه بزمان بعينه لا يختلف ولا يصح أن يؤجله بالحصاد والجزاز وما أشبه ؟ وكذلك قال ابن عباس و أبو حنيفة و الشافعي و ابن المنذر وعن أحمد رواية أخرى أنه قال : أرجو أن لا يكون به بأس وبه قال مالك و أبو ثور وعن ابن عمر أنه كان يبتاع إلى العطاء وبه قال ابن أبي ليلى وقال أحمد : إن كان شيء يعرف فأرجو وكذلك إن قال قدوم الغزاة وهذا محمول على أنه أراد وقت العطاء لأن ذلك معلوم فأما نفس العطاء فهو في نفسه مجهول يختلف ويتقدم ويتأخر ويحتمل أنه أراد نفس العطاء لكونه يتفاوت تفاوتا كثيرا فأشبه إذا قال إلى رأس السنة .
ولنا ما روى عن ابن عباس أنه قال : لا تتبايعوا إلى الحصاد والدياس ولا تتبايعوا إلا إلى شهر معلوم ولأن ذلك يختلف ويقرب فلا يجوز أن يكون أجلا كقدوم زيد فإن قيل فقد روي عن عائشة أنها قالت [ إن رسول الله A بعث إلى يهودي : أن ابعث إلي بثوبين إلى الميسرة ] قلنا قال ابن المنذر : رواه حرمي بن عمارة قال أحمد : فيه غفلة هو صدوق قال ابن المنذر : فأخاف أن يكون من غفلاته إذا لم يتابع عليه ثم لا خلاف في أنه لو جعل الأجل إلى الميسرة لم يصح .
فصل : إذا جعل الأجل إلى شهر تعلق بأوله وإن جعل الأجل اسما يتناول شيئين كجمادى وربيع ويوم النفر تعلق بأولهما وإن قال : إلى ثلاثة أشهر كان إلى انقضائها لأنه إذا ذكر ثلاثة أشهر مبهمة وجب أن يكون ابتداؤها من حين لفظه بها وكذلك لو قال إلى شهر كان إلى آخر وينصرف ذلك إلى الأشهر الهلالية بدليل قوله تعالى : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم } وأراد الهلالية وإن كان في اثناء عشر شهرا كملنا شهرين بالهلال وشهرا بالعدد ثلاثين يوما وقيل تكون الثلاثة كلها عدديه وقد ذكرنا هذا في غير هذا الموضع وإن قال محله شهر كذا أو يوم كذا صح وتعلق بأوله وقيل لا يصح لأنه جعل ذلك طرفا فيحتمل أوله وآخره والصحيح الأول فإنه لو قال لامرأته أنت طالق في شهر كذا تعلق بأوله وهو نظير مسألتنا فإن قيل الطلاق يتعلق بالاخطار والاغرار ويجوز تعليقه على مجهول كنزول المطر وقدوم زيد بخلاف مسألتنا قلنا إلا أنه إذا جعل محله في شهر تعلق بأوله فلا يكون مجهولا وكذا السلم .
فصل : ومن شرط الأجل أن يكون مدة لها وقع في الثمن كالشهر وما قاربه وقال أصحاب أبي حنيفة لو قدره بنصف يوم جاز وقدره بعضهم بثلاثة أيام وهو قول الأوزاعي لأنها مدة يجوز فيها خيار الشرط ولأنها آخر حد القلة ويتعلق بها عندهم إباحة رخص السفر وقال الآخرون إنما اعتبر التأجيل لأن المسلم فيه معدوم في الأصل لكون السلم إنما ثبت رخصة في حق المالفيس فلا بد من الأجل ليحصل ويسلم وهذا يتحقق بأقل مدة ويتصور فيها ولنا أن الأجل إنما اعتبر ليتحقق المرفق الذي شرع من أجله السلم ولا يصح ذلك بالمدة التي لا وقع لها في الثمن ولا يصح اعتباره بمدة الخيار لأن الخيار يجوز ساعة وهذا لا يجوز والأجل يجوز أن يكون أعواما وهم لا يجيزون الخيار أكثر من ثلاث وكونها آخر خد القلة لا يقتضي التقدير بها وقولهم أن المقصود يحصل بأقل مدة غير صحيح فإن السلم إنما يكون الحاجة المفاليس الذين لهم ثمارا أو زرع أو تجارات ينتظرون حصولها ولا تحصل هذه في المدة اليسيرة