جواز بيع الفهد والصقر المعلم وكل ما فيه منفعة .
مسألة : قال : وبيع الفهد والصقر المعلم جائز وكذلك بيع الهر وكل ما فيه المنفعة .
وجملة ذلك أن كل مملوك أبيح الانتفاع به يجوز بيعه لا ما استثناه الشرع من الكلب وأم الولد والوقف وفي المدبر والمكاتب والزيت النجس اختلاف نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى ولأن الملك سبب الإطلاق التصرف والمنفعة المباحة يباح له استيفاؤها فجاز له أخذ عوضها وأبيح لغيره بذل ماله فيها توصلا إليها ودفعا لحاجته بها كسائر ما أبيح بيعه وسواء في هذا ما كان طاهرا كالثياب والعقار وبهيمة الأنعام الخيل والصيود أو مختلفا في نجاسته كالبغل والحمار وسباع البهائم وجوارح الطير التي تصلح للصيد كالفهد الصقر والبازي والشاهين والعقاب والطير المقصود صوته كالهزار والبلبل والببغا وأشباه ذلك فكله يجوز بيعه وبهذا قال ا لشافعي وقال أبو بكر عبد العزيز و ابن أبي موسى : لا يجوز بيع الفهد والصقر ونحوهما لأنها نجسة فلم يجز بيعها كالكلب ولنا أنه حيوان أبيح قتناؤه وفي نفه مباح من غير وعيد في حبسه فأبيح بيعه كالبغل وما ذكراه يبطل بالبغل والحمار فإنه لا خلاف في إباحة بيعهما وحكمهما حكم سباع البهائم في الطهارة والنجاسة وإباحة الاقتناء والانتفاع وأما الكلب فإن الشرع توعد على اقتنائه وحرمه إلا في حال الحاجة فصارت إباحته ثباته بطريق الضرورة بخلاف غيره ولأن الأصل الإباحة بدليل قول الله تعالى : { وأحل الله البيع } ولما ذكرنا في المعنى خرج منه ما استثناه الشرع لمعان غير موجودة في هذا فبقي على أصل الإباحة وأما الهر فقال الخرقي : يجوز بيعها وبه قال ابن عباس و الحسن و ابن سيرين و الحكم و حماد و الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي وعن أحمد أنه كره ثمنها وروي ذلك عن أبي هريرة و طاوس و مجاهد و جابر بن زيد واختاره أبو بكر لما روى مسلم [ عن جابر أنه سئل عن ثمن السنور فقال : زجر النبي A عن ذلك ] وفي لفظ رواه أبو داود عن جابر [ أن النبي A نهى عن ثمن السنور ] قال الترمذي : هذا حديث حسن وفي إسناده اضطراب ولنا ما ذكرنا فيما يصاد به من السباع ويحمل الحديث على غير المملوك منها أو ما لا نفع فيه منها بدليل ما ذكرنا ولأن البيع شرط طريقا للتوصل إلى قضاء الحاجة واستيفاء المنفعة المباحة ليصل كل واحد إلى الانتفاع بما في يد صاحبه فما يباح الانتفاع به ينبغي أن يجوز بيعه .
فصل : فإن كان الفهد والصقر ونحوهما مما ليس بمعلم ولا يقبل التعليم لم يجز بيعه لعدم النفع به وإن كان مما يمكن تعليمه جاز بيعه لأن مآله إلى الانتفاع فأشبه الجحش الصغير .
فصل : فأما ما يصاد عليه كالبومة التي يجعلها شباشا لتجتمع الطير إليها فيصديه الصياد فيحتمل جواز بيعها للنفع الحاصل منها ويحتمل المنع لأن ذلك مكروه لما فيه من تعذيب الحيوان وكذلك اللقلق ونحوه .
فصل : فأما بيض ما لا يؤكل لحمه من الطير فإن كان مما لا نفع فيه لم يجز بيعه طاهرا كان أو نجسا وإن كان ينتفع به بأن يصير فرخا وكان طاهرا جاز بيعه لأنه طاهر منتفع به أشبه أصله وإن كان نجسا كبيض البازي والصقر ونحوه فحكمه حكم فرخه وقال القاضي : لا يجوز بيعه لأنه نجس لا ينتفع به في الحال وهذا ملغي بفرخه وبالجحش الصغير .
فصل : قال أحمد : أكره بيع القرد قال ابن عقيل : هذا محمول على بيع للاطافة به واللعب فأما بيعه لمن ينتفع به كحفظ المتاع والد كان ونحوه فيجوز لأنه كالصقر والبازي وهذا مذهب الشافعي وقياس قول أبي بكر وابن أبي موسى المنع من بيعه مطلقا .
فصل : وفي بيع العلق التي ينتفع بها مثل التي تعلق على وجه صاحب الكلف فتمص الدم والديدان التي تترك في الشص فيصاد بها السمك وجهان أصحهما : جواز بيعها لحصول نفعها فهي كالسمك والثاني : لا يجوز لأنه إلا ينتفع بها إلا نادرا فأشبهت ما لا نفع فيه .
فصل : ويجوز بيع دود القز وبزره وقال أبو حنيفة في رواية عنه : إن كان مع دود القز قز جاز بيعه وإلا فلا لأنه لا ينتفع بيعه فهو كالحشرات وقيل لا يجوز بيع بزره .
ولنا أن الدود حيوان طاهر يجوز اقتناؤه الملك ما خرج منه أشبه البهائم ولأن الدود ويزره طاهر منتفع به فجاز بيعه كالثوب وقول لا ينتفع بعينه يبطل بالبهائم التي لا يحصل منها نفع سوى النتاج يفارق الحشرات التي لا نفع فيها أصلا فإن نفع هذه كثير لأن الحرير الذي هو أشرف ملابس الدنيا إنما يحصل منها