الشروط التي تشترط في البيع والصحيح والفاسد منها .
فصل : والشروط تنقسم إلى أربعة أقسام أحدها : ما هو من مقتضى العقد كاشتراط التسليم وخيار المجلس والتقابض في الحال فهذا وجوده كعدمه لا يفيد حكما ولا يؤثر في العقد الثاني : تتعلق به مصلحة العاقدين كالأجل والخيار والرهن والضمين والشهادة أو اشترط صفة مقصودة في المبيع كالصناعة والكتابة ونحوها فهذا شرط جائز يلزم الوفاء به ولا نعلم في صحة هذين القسمين خلافا الثالث : ما ليس من مقتضاه ولا من مصلحته ولا ينافي مقتضاه وهو نوعان أحدهما : اشتراط منفعة البائع في المبيع فهذا قد مضى ذكره الثاني : أن يشترط عقدا في عقد نحو أن يبيعه شيئا بشرط أن يبيعه شيئا آخر أو يشتري منه أو يؤجره أو يزوجه أو يسلفه أو يصرف له الثمن أو غيره فهذا شرط فاسد يفسد به البيع سواء اشترطه البائع أو المشتري وسنذكره إن شاء الله تعالى الرابع : اشتراط ما ينفيا مقتضى البيع وهو على ضرين أحدهما : اشتراط ما بني على التغليب والسراية مثل أن يشترط البائع على المشتري عتق العبد فهل يصح ؟ على روايتين إحداهما : يصح وهو مذهب مالك وظاهر مذهب الشافعي لأن عائشة Bه اشترت بريرة وشرط أهلاه عليه عقتها وولاءها فأنكر النبي A شرط الولاء دون العتق والثانية : الشرط فاسد وهو مذهب أبي حنيفة لأنه شرط ينافي مقتضى العقد أشبه إذا شرط أن لا يبيعه لأنه شرط عليه إزالة ملكه عنه أشبه ما لو شرط أن يبيعه وليس في حديث عائشة أنها شرطت لهم العتق وإنما أخبرتهم بإرادتهم لذلك من غير شرط فاشترطوا الولاء فإذا حكمنا بفساده فحكمه حكم سائر الشروط الفاسدة التي يأتي ذكرها وإن حكمنا بصحته فأعتقه المشتري فقد وفى بما شرط لعيه وإن لم يعتقه ففيه وجهان أحدهما : يجبر لأن شرط العتق إذا صح تعلق بعينه فيجبر لعيه كما لو نذر عتقه والثاني : لا يجبر لأن الشرط لا يوجب فعل المشروط بدليل ما لو شرط الرهن والضمين فعلى هذا يثبت للبائع خيار الفسخ لأنه لم يسلم له ما شرطه له أشبه ما لو شرط عليه رهنا وإن تعيب المبيع أ وكان أمة فأحبلها أعتقه وأجزأه لأن الرق باق فليه وإن استغله أو أخذ من كسبه شيئا فهو له وإن مات المبيع رجع البائع على المشتري بما نقصه شرط العتق فيقال كم قيمته لو بيع مطلقا وكم يساوي إذا بيع بشرط العتق ؟ فيرجع بقسط ذلك من ثمنه في أحد الوجهين وفي الآخر يضمن ما نق من قيمته .
الضرب الثاني : أن يشترط غير العتق مثل أن يشترط أن لا يبيع ولا يهب ولا يعتق ولا يطأ أو يشترط عليه أن يبيعه أو يقفه أو متى نفق المبيع وإلا رده أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن وإن أعتقه فالولاء له فهذه وما أشبهها شروط فاسدة وهل يفسد بها البيع ؟ على روايتين قال القاضي : المنصوص عن أحمد : أن البيع صحيح وهو ظاهر كلام الخرقي ههنا وهو قول الحسن و الشعبي و النخعي و الحكم و ابن أبي ليلى و أبي ثور والثانية : البيع فاسد وهو مذهب أبي حنيفة و الشافعي لأن النبي A نهى عن بيع وشرط ولأه شطر فاسد فأفسد البيع كما لو شرط فيه عقدا آخر ولأن الشرط إذا فسد وجب الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن وذلك مجهول فيصير الثمن مجهولا ولأن البائع إنما رضي بزوال ملكه عن المبيع بشرط والمشتري كذلك إذا كان الشرط له فلو صح البيع بدونه لزال ملكه بغير رضاه والبيع من شرطه التراضي .
ولنا ما [ روت عائشة قالت : جاءتني بريرة فقالت كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقيه فأعينيني فقلت إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة ويكون لي ولاؤك فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها فجاءت من عندهم ورسول الله A جالس فقالت إني عرضت عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع النبي A فأخبرت عائشة النبي A فقال : خذيها واشترطي الولاء فإنما الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة ثم قام رسول الله A في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد : ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق ] متفق عليه فأبطل الشرط ولم يبطل العقد قال ابن المنذر : خبر بريرة ثابت ولا نعلم خبرا يعارضه فالقول به يجب فإن قيل المراد بقوله اشترطي لهم الولاء لها بإعتاقها بدليل أنه أمرها به ولا يأمرها بفاسد قلنا لا يصح هذا التأويل لوجهين أحدهما : أن الولاء لها بإعتاقها فلا حاجة إلى اشتراطه الثاني : أنهم أبو البيع إلا أن يشترط الولاء لهم فكيف يأمرها بما يعلم أنهم لا يقبلونه منها ؟ وأما أمره بذلك فليس هو أمرا على الحقيقة وإنما هو صيغة الأمر بمعنى التسوية بين الاشتراط وتركه كقوله تعالى : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم } وقوله : { اصبروا أو لا تصبروا } والتقدير واشتراطي لهم الولاء أو لا تشترطي ولهذا قال عقيبه فإنما الولاء لمن أعتق وحديثهم لا أصل له على ما ذكرنا وما ذكروه من المعنى في المقابلة النص غير مقبول .
فصل : فإن حكمنا بصحة البيع فللبائع الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن ذكره القاضي وللمشتري الرجوع بزيادة الثمن إن هو المشترط لأن البائع إنما سمح ببيعها بهذا الثمن لما يحصل له من الغرض بالشرط والمشتري إنما سمح بزيادة الثمن من أجل شرطه فإذا لم يحصل غرضه ينبغي أن يرجع بما سمح به كما لو وجد معيبا .
فصل : فإن حكمنا بفساد العق لم يحصل به ملك سواء اتصل به القبض أو لم يتصل ولا ينفذ تصرف المشتري فيه ببيع ولا هبة ولا عتق ولا غيره وبهذا الشافعي وذهب أبو حنيفة إلى أن الملك يثبت فيه إذا اتصل به القبض وللبائع الرجوع فيه فيأخذه مع الزيادة المنفصلة إلا أن يتصرف فيه المشتري تصرفا يمنع الرجوع فيه فيأخذ قيمته : واحتج بحديث بريرة فإن عائشة اشترتها بشرط الولاء فأعتقتها فأجاز النبي A العتق والبيع فاسد ولأن المشتري على صفة يملك المبيع ابتداء بعقد وقد حصل عليه الضمان للبدل عن عقد فيه تسليط فوجب أن يملكه كما لو كان العقد صحيحا .
ولنا أنه مقبوض بعقد فاسد فلم يملكه كما لو كان الثمن أو دما فأما حديث بريرة فإنما يدل على صحة العقد لا على ما ذكروه وليس في الحديث أن عائشة اشترتها بهذا الشرط بل الظاهر أن أهل بريرة حين بلغهم إنكار النبي صلى الله عليه وسل هذا الشرط تركوه ويحتمل أن الشرط كان سابقا للعقد فلم يؤثر فيه .
فصل : وعليه رد البيع مع نمائه المتصل والمنفصل وأجرة مثله مدة بقائه في يده وإن قص ضمن نقصه لأنها جملة مضمونة فأجزاؤا تكون مضمونة أيضا فإن تلف المبيع في يد المشتري فعليه ضمانه بقيمته يوم التلف قاله القاضي ولأن أحمد نص عليه في الغصب ولأنه قبضه بإذن مالكه فأشبه العارية وذكر الخرقي في الغصب أنه يلزمه قيمته أكثر ما كانت فيخرج ههنا كذلك وهو أولى لأن العين كانت على ملك صاحبها في حال زيادتها وعليه ضمان نقصها مع زيادتها فكذلك في حال تلفها كما لو أتلفها بالجناية ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين .
فصل : فإن كان المبيع أمة فوطئها المشتري فلا حد عليه لاعتقاده أنها ملكه ولأن في الملك اختلافا وعليه مهر مثلها لأن الحد إذا سقط للشبهة وجب المهر ولأن الوطء في ملك الغير يوجب المهر وعليه أرش البكارة إن كانت بكرا فإن قيل أليس إذا تزوج امرأة تزويجا فاسدا فوطئها فأزال بكارتها لا يضمن البكارة ؟ قلنا لأن النكاح تضمن الاذن في الوطء المذهب للبكارة لأنه معقود على الوطء ولا كذلك البيع فإنه ليس بمعقود على الوطء بدليل أنه يجوز شراء من لا يحل وطؤها ولا يحل نكاحها فإن قيل فإذا أوجبتم مهر بكر فكيف توجبون ضمان البكارة وقد دخل ضمانها في المهر ؟ وإذا أوجبتم ضمان البكارة فكيف توجبون مهر البكر وقد أدى عوض البكارة بضمانه لها فجرى مجرى من أزال بكارتها بأصبعه ثم وطئها ؟ قلنا لأن مهر البكر ضمان المنفعة وأرش البكارة ضمان جزء فلذلك اجتمعا وأما الثاني فإنه إذا وطئها بكرا فقد استوفى نفع هذا الجزء فوجبت قيمته بما استوفى من نفعه فإذا أتلفه وجب الضمان عينه ولا يجوز أن يضمن العين ويسقط ضمان المنفعة كما لو غصب عينا ذات منفعة فاستوفى منفعتها ثم أتلفها أو غصب ثوبا فلبسه حتى أبلاه وأتلفه فإن يضمن القيمة والمنفعة كذا ههنا .
فصل : وإن ولدت كان ولدها حرا لأنه وطئها بشبهة ويلحق به النسب لذلك ولا ولاء عليه لأنه حر الأصل وعلى الواطئ قيمته يوم وضعه لأنه يوم الحيلولة بينه وبين صاحبه فإن سقط ميتا لم يضمن لأنه إنما يضمنه حين وضعه ولا قيمة له حينئذ فإن قيل فلو ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا وجب ضمانه قلنا الضارب يجب عليه غرة وههنا يضمنه بقيمته ولأن الجاني أتلفه وقطع نماءه وههنا يضمنه بالحيلولة بينه وبني سيده ووقت الحيلولة وقت السقوط وكان ميتا فلم يجب ضماه وعليه ضمان نقص الولادة وإن ضرب بطنه أجنبي فألقت جنينا ميتا فعلى الضارب غرة عبد أو أمة للسيد منها أقل الأمرين من أرش الجنين أو قيمته يوم سقط لأن ضمان الضارب له قام مقام خروجه حيا ولذلك ضمنه البائع إنما كان للسيد أقل المرين لأن الغرة إن كانت أكثر من القيمة فالباقي منها لورثته لأنه حصل بالحرية فلا يستحق السيد منها شيئا وإن كانت أقل لم يكن على الضارب أكثر منها لأنه بسبب ذلك ضمن وإن ضرب الوطئ بطنها فألقت الجنين ميتا فعليه الغرة أيضا ولا يرث منها شيئا وللسيد أقل الأمرين كما ذكرنا وإن سلم الجارية المبيعة إلى البائع حالما فولدت عنده ضمن نقص الولادة وإن تلف بذلك ضمنها لأن تلفها بسبب منه وإن ملكها الواطئ لم تصر بذلك أم ولد على الصحيح من المذهب لأنها علقت منه في غير ملكه فأشبه الزوجة وهكذا كل موضع حبلت في ملك غيره ولا تصير له أم ولده بهذا .
فصل : إذا باع المشتري المبيع الفاسد لم يصح لأنه باع ملك غيره بغير إذنه وعلى المشتري رده على البائع الأول لأنه مالك ولبائعه أخذه حيث وجده ويرجع المتري الثاني بالثمن على الذي باعه ويرجع الأول على بائعه فإن تلف في يد الثاني فللبائع مطالبه من شاء منهما لأن الأول ضامن والثاني قبضه من يد ضامنه بغير إذن صاحبه فكان ضامنا فإن كانت قيمته أكثر من ثمنه فضمن الثاني لم يرجع بالفضل على الأول لأن التلف في يه فاستقر الضمان عليه فإن ضمن الأول رجع بالفضل على الثاني .
فصل : وإن زاد المبيع في يد المشتري بسمن أو نحوه ثم نقص حتى عاد إلى ما كنا عليه أو ولدت الأمة في يد المشتري ثم مات ولدها احتمل أن يضمن تلك الزيادة في عين مضمونة أشبهت الزيادة في المغصوب واحتمل أن لا يضمنها لأنه دخل على أن لا يكون في مقابلة الزيادة عوض فعلى هذا تكون الزيادة أمانة في يده فإن تلفت بتفريطه أو عدوانه ضمنها وإلا فلا وإن تلف العين بعد زيادتها أسقط تلك الزيادة من القيمة وضمنها بما بقي من القيمة حين أتلف قال القاضي : وهذا ظاهر كلام أحمد .
فصل : إذا باع بيعا فاسدا وتقابضا ثم ألتف البائع الثمن ثم أفلس فله الرجوع في المبيع وللمشتري أسوة الغرماء وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : المشتري أحق بالمبيع من سائر الغرماء لأنه في يده فكان أحق به كالمرتهن ولنا أنه لم يقبضه وثيقة فلم يكن أحق به كما لو كان وديعة عنده بخلاف المرتهن فإنه قبضه على أنه وثيقة بحقه .
فصل : إذا قال : بع عبدك من فلان على أن علي خمسمائة فباعه بهذا الشرط فالبيع لأن الثمن يجب أن يكون جميعه على المشتري فإذا شرط كون بعضه على غيره لم يصح لأنه لا يملك المنع والثمن على غيره ولا يشبه هذا ما لو قال : أعتق عبدك أو طلق امرأتك وعلي خمسمائة لكون هذا عوضا في مقابلة فك الزوجية ورقبته العبد ولذلك لم يجز في النكاح أما في مسألتنا فإنه معاوضة في مقابلة نقل الملك فلا يثبت لمن العضو على غيره وإن كان هذا القول على وجه الضمان صح البيع ولزم الضمان