النهي عن تلقي الركبان والخيار فيما باعوه قبل دخول السوق .
مسألة : قال : ونهى عن تلقي الركبان .
فإن تلقوا واشترى منهم فهم بالخيار إذا دخلوا السوق وعرفوا أنهم قد غبنوا أن أحبوا أن يفسخوا البيع فسخوا روي أنهم كانوا يتلقون الأجلاب فيشترون منهم الأمتعة قبل أن تهبط الأسواق فربما غبنوهم غبنا بينا فيضربونهم وربما أضروا بأهل البلد لأن الركبان إذا وصلوا باعوا أمتعتهم والذين يتلقونهم لا يبيعونها سريعا ويتربصون بها السعر فهو في معنى بيع الحاضر للبادي فنهى النبي A عن ذلك وروى طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال : [ قال رسول الله A : لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد ] وعن أبي هريرة مثله متفق عليهما وكره أكثر أهل العلم منهم عمر بن عبد العزيز و مالك و الليث و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق وحكي عن أبي حنيفة أنه لم ير بذلك بأسا وسنة رسول الله A أحق أن تتبع فإن خالف وتلقى الركبان واشترى منهم فالبيع صحيح في قول الجميع قال ابن عبد البر وحكي عن أحمد رواية أخرى أن البيع فاسد لظاهر النهي والأول أصح لأن أبا هريرة روى [ أن رسول الله A قال : لا تلقوا الجلب فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار ] رواه مسلم والخيار لا يكون إلا في عقد صحيح ولأن النهي لا لمعنى في البيع بل يعود إلى ضرب من الخديعة يمكن استدراكها بإثبات الخيار فأشبه بيع المصراة وفارق بيع الحاضر للبادي فإنه لا يمكن استدراكه بالخيار إذ ليس الضرر عله إنما هو على المسلمين فإذا تقرر هذا فللبائع الخيار إذا علم أنه قد غبن وقال أصحاب الرأي : لا خيار له وقد روينا قول رسول الله A في هذا ولا قول لأحد مع قوله وظاهر المذهب أنه لا خيار له إلا مع الغبن لأنه إنما ثبت لأجل الخديعة ودفع الضرر ولا ضرر مع عدم وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحمل إطلاق الحديث في إثبات الخيار على هذا لعلمنا بمعناه ومراده لأنه معنى يتعلق الخيار بمثله ولأن النبي A جعل له الخيار إذا أتى السوق فيفهم منه أنه أشار إلى معرفته بالغبن في السوق ولولا ذلك لكان الخيار له من حين البيع ولم يقدر الخرقي الغبن المثبت للخيار وينبغي أن يتقيد بما يخرج عن العادة لأن ما دون ذلك لا ينضبط وقال أصحاب مالك : إنما نهي عن تلقي الركبان لما يفوت به من الرفق لأهل السوق لئلا يقطع عنهم ما له جلسوا من ابتغاء فضل الله تعالى قال ابن القاسم : فإن تلقاها متلق فاشتراها عرضت على أهل السوق فيشتركون فيها وقال ا لليث بن سعد : تباع في السوق وهذا مخالف لمدلول الحديث فإن النبي A جعل الخيار للبائع إذا دخل السوق ولم يجعلوا له خيارا وجعل النبي A الخيار له يدل على أن النهي عن تلقي الركبان لحقه لا حلق غيره ولأن المجالس في السوق كالمتلقي في أن كل واحد منهما مبتغ لفضل الله تعالى فلا يليق بالحكمة فسخ عقد أحدهما وإلحاق الضرر به دفعا للضرر عن مثله وليس رعاية حق المجالس أولى من رعاية حق المتلقي ولا يمكن اشتراك أهل السوق كلهم في سلعته فلا يعرج على مثل هذا والله أعلم .
فصل : فإن تلقى الركبان فباعهم شيئا فيه بمنزلة الشراء منهم ولهم الخيار إذا غبنم غبنا يخرج عن العادة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقالوا في الآخر النهي عن الشراء دون البيع فلا يدخل البيع فيه وهذا مقتضى قول أصحاب مال لأنه عللوا ذلك بما ذكرنا عنهم ولا يتحقق ذلك في البيع لهم ولنا قول النبي A : [ لا تلقوا الركبان ] والبائع داخل في هذا ولأن النهي عنه لما فيه من خديعتهم وغبنهم وهذا البيع كهو في الشراء والحديث قد جاء مطلقا ولو كان مختصا بالشراء لألحق به ما في معناه وهذا في معناه .
فصل : فإن خرج لغير قصد التلقي ركبا فقال القاضي : ليس له الابتياع منهم ولا الشراء وهاذ أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ويحتمل أن لا يحرم عليه ذلك وهو قول الليث بن سعد والوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأنه لم يقصد التلقي فلم يتناوله النهي ووجه الأول أنه إنهم نهى عن التلقي دفعا للخديعة والغبن عنهم وهذا متحقق سواء قصد التلقي أو لم يقصده فوجب المنع منه كما لو قصد .
فصل : وإن تلقى الجلب في أعلى الأسواق فلا بأس فإن ابن عمر روى [ أن النبي A نهى أن تتلقى السلع حتى يهبط بها الأسواق ] رواه البخاري ولأنه إذا صار في السوق فقد صار في محل البيع والشراء فلم يدخل في النهي كالذي وصل إلى وسطها