النجش منهي عنه وهو الزيادة في السلعة دون أن يكون مشتريا لها وحرمة سوم المبيع بعد سوم الغير له وبيع التلجئة .
مسألة : قال : والنجش منهي عنه وهو أن يزيد في السلعة وليس هو مشتريا لها .
النجش أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليقتدي به المستام فيظن أنه لم يزد فيها هذا القدر إلا وهي تساوية فيغتر بذلك فهذا حرام وخداع قال البخاري : الناجش آكل ربا خائن وهو خداع باطل لا يحل وروى ابن عمر [ أن رسول الله A نهى عن النجش ] وعن أبي هريرة [ أن رسول الله A قال تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا ولا يبع حاضر لباد ] متفق عليهما ولأن في ذلك تغريرا بالمشتري وخديعة له وقد [ قال النبي A الخديعة في النار ] فإن النار اشترى مع النجش فالشراء صحيح في قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد أن البيع باطل اختاره أبو بكر وهو قول مالك لأن النهي يقتضي الفساد .
ولنا أن النهي عاد إلى الناجش لا إلى العقد فلم يؤثر في البيع ولأن النهي لحق الآدمي فلم يفسد العقد كتلقي الركبان وبيع المعيب والمدلس وفارق ما كان لحق الله تعالى لأن الحق الآدمي يمكن جبره بالخيار أو زيادة في الثمن لكن إن كان في البيع غيبن لم تجر العادة بمثله فلا خيار فللمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء كما في تلقي الركبان وإن كان بتغابن بمثله فال خيار له وسواء كان النجش بمواطأة من البائع أو لم يكن وقال أصحاب الشافعي : إن لم يكن ذلك بمواطأة البائع وعلمه فلا خيار له واختلفوا فيما إذا كان بمواطأة منه فقال بعضهم : لا خيار للمشتري لأن التفريط منه حيث اشترى ما لا يعرف قيمته ولنا أنه تغرير بالعاقد فإذا كان مغبونا ثبت له الخيار كما في تلقي الركبان ويبطل ما ذكره بتلقي الركبان .
فصل : ولو قال البائع : أعطيت بهذه السلعة كذا وكذا فصدقه المشتري واشتراها بذلك ثم بان كاذبا فالبيع وللمشتري الخيار أيضا لأنه في معنى النجش .
فصل : وقوله عليه السلام : [ لا يبع بعضكم على بيع بعض ] معناه أن الرجلين إذا تبايعا فجاء آخر إلى المشتري في مدة الخيار فقال : أنا أبيعك مثل هذه السلعة بدون هذا الثمن أو أبيعك خيرا منها بثمنها أو دونه أو عرض عليه سلعة رغب فيها المشتري ففسخ البيع واشترى هذه فهذا غير جائز لنهي النبي A عنه ولما فيه من الأضرار بالمسلم والإفساد عليه وكذلك إن اشترى على شراء أخيه وهو أن يجيء إلى البائع قبل لزوم العقد فيدفع في المبيع أكثر من الثمن الذي اشتري به فهو محرم أيضا لأنه في معنى المنهي عنه ولأن الشراء يسمى بيعا فيدخل في النهي ولأن النبي A نهى أن يخطب على خطبة أخيه وهو في معنى الخاطب فإن خالف وعقد فالبيع باطل لأنه منهي عن والنهي يقتضي الفساد ويحتمل أنه صحيح لأن المحرم هو عرض سلعته على المشتري أو قوله الذي فسخ البيع من أجله وذلك سابق على البيع ولأنه إذا صح الفسخ الذي حصل به الضرر فالبيع المحصل للمصلحة أولى ولأن النهي لحق آدمي فأشبه بيع النجش وهذا مذهب الشافعي .
فصل : وروي مسلم عن أبي هريرة [ أن رسول الله A قال : لا يسم الرجل على سوم أخيه ] ولا يخلو من أربعة أقسام أحدها : أن ويجد من البائع تصريح بالرضا بالمبيع فهذا يحرم السوم على غير ذلك المشتري وهو الذي تناوله النهي الثاني : أن يظهر منه ما يدلع على عدم الرضا فلا يحرم السوم لأن النبي A باع في من يزيد فروى أنس [ أن رجلا من الأنصار شكا إلى النبي A الشدة والجهد فقال له : أما بقي لك شيء ؟ فقال بلى قدح وحلس قال : فائتني بهما فأتاه بهما فقال : من يبتاعهما ؟ فقال رجل : أخذتهما بدرهم فقال النبي A من يزيد على درهم من يزيد على درهم فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه ] رواه الترمذي وقال حديث حسن وهذا أيضا إجماع المسلمين يبيعون في أسواقهم بالمزايدة الثالث : أن لا يوجد منه ما يدل على الرضا ولا على عدمه فلا يجوز له السوم أيضا ولا الزيادة استدلالا بحديث فاطمة بينت قيس حين ذكرت للنبي A أن معاوية وأبا جهنم خطباها فأمرها أن تنكح أسامه وقد نهى عن الخطبة على خطبة أخيه كما نهى عن السوم على سوم أخيه فما أبيح في الآخر الرابع : أن يظهر منه ما يدل على الرضا من غير تصريح فقال القاضي : لا تحرم المساومة وذكر أن أحمد نص عليه في الخطبة استدلالا بحديث فاطمة ولأن الأصل إباحة السوم الخطبة فحرم منع ما وجد فيه التصريح بالرضا وما عداه يبقى على الأصل ولو قيل بالتحريم ههنا لكان وجها حسنا فإن النهي عام خرجت منه الصور المخصوصة بأدلتها فتبقى هذه الصورة على مقتضى العموم ولأنه وجد منه دليل الرضا أشبه ما لو صرح به ولا يضر اختلاف الدليل بعد التساوي في الدلالة وليس في حديث فاطمة ما يدل على الرضا لأنها جاءت مستشيرة للنبي وليس ذلك دليلا على الرضا فيكف ترضى وقد نهاها النبي A بقوله : [ لا تفوتينا بنفسك ] فلم تكن تفعل شيئا قبل مراجعة النبي A والحكم في الفساد كالحكم في البيع على بيع أخيه في الموضع الذي حكمنا بالتحريم فيه .
فصل : بيع التلجئة باطل وبه قال أبو يوسف و محمد وقال أبو حنيفة و الشافعي : هو صحيح لأن البيع تم بأركانه وشروطه خاليا عن مقارنة مفسد فصح كما لو اتفقنا على شرط فاسد ثم عقدا البيع بغير شرط .
ولنا أنهما ما قصد يصح منهما كالهازلين ومعنى بيع التلجئة أن يخاف أن يأخذ السلطان أو غيره ملكة فيوطئ رجلا على أن يظهرا أنه اشتراه منه ليحتمي بذل كولا يريدان بيعا حقيقيا