الخيار بعد التصرف في المبيع المعيب وبيان أخذ الأرش .
مسألة : قال : ولو باع المشتري بعضها ثم ظهر على عيب كان مخيرا بين أن يرد ملكه منها بمقداره من الثمن أو يأخذ أرش العيب بقدر ملكه فيها .
الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة : .
الفصل الأول : أنه إذا اشترى معيبا باعه سقط رده لأنه قد زال ملكه عنه فإن عاد إليه فأراده رده بالعيب الأول نظرنا فإن كان باعه عالما بالعيب أو وجد منه ما يدل على رضاه به فليس له رده لأن تصرفه رضا بالعيب وإن لم يكن علم بالعيب فله رده على بائعه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : ليس له رده إلا أن يكون المشتري فسخ لحكم الحاكم لأنه سقط حقه من الرد ببيعه فأشبه ما لو علم بعيبه ولنا أنه أمكنه استدراك ظلامته برده فلم ذلك كما لو فسخ الثاني بحكم الحاكم أو كما لو لم يزل ملكه عنه ولا نسلم سقوط حقه وإنما امتنع لعجزه عن رده فإذا عاد إليه زال المانع فظهر جواز الرد كما لو امتنع الرد لغيبه البائع أو لمعنى سواه وسواء رجع إلى المشتري الأول بالعيب الأول أو بإقالة أو هبة أو شراء ثان أو ميراث في ظاهر كلام القاضي : وقال أصحاب الشافعي : إن رجع بغير الفسخ بالعيب الأول ففيه وجهان أحدهما : ليس له رده لأنه استدرك ظلامته ببيعه ولم يزل بفسخه ولنا أن سبب استحقاق الرد قائم وإنما امتنع لتعذره بزوال ملكه فإذا زال المانع وجب أن يجوز الرد كما لو رد عليه بالعيب فعلى هذا إذا باعها المشتري لبائعها الأول فوجد بها عيبا كان موجودا حال العقد الأول فله الرد على البائع الثاني ثم للثاني رده عليه وفائدة الرد ههنا اختلاف الثمنين فإنه قد يكون الثمن الثاني أكثر .
الفصل الثاني : إنه إذا باع المعيب ثم أراد أخذ أرشه فظاهر كلام الخرقي أنه لا أرش له سواء باعه عالما بعيبه أو غير عالم وهذا مذهب أبو حنيفة و الشافعي لأن امتناع الرد كان بفعله فأشبه ما لو أتلف المبيع ولأنه قد استدرك ظلامته ببيعه فلم يكن له أرش كما لو زال العيب وقال القاضي : إن باعه مع علمه بالعيب فلا أرش له لرضاه به معيبا وإن باعه غير عالم بالعيب فله الأرش نص عليه أحمد لأنه البائع لم يوفه ما أوجبه له العقد ولم يوجد منه الرضا به ناقصا فكان له الرجوع عليه كما لو أعتقه وقياس المذهب أن له الأرش لك حال سواء باعه بعيبه أو جاهلا به لأننا خيرناه ابتداء بين رده وإمساكه وأخذ الأرش فبيعه والتصرف فيه بمنزلة إمساكه ولأن الأرش عوض الجزء الفائت من المبيع فلم يسقط ببيعه ولا رضاه كما لو باعه عشرة أقفزة وسلم إليه تسعة فباعها المشتري وقولهم إنه استدرك ظلامته لا يصح فإن ظلامته من البائع ولم يستدركها منه وإنما ظلم المشتري فلم يسقط حقه بذلك من الظالم له وهذا هو الصحيح من قول مالك وذكر أبو الخطاب عن أحمد في رجوعه بائع المعيب بالأرش روايتين من غير تفريق بين عالم البائع بالعيب وجهله به وعلى قول من قال لا يستحق الأرش فإذا علم به المشتري الثاني فرده به أو أخذ أرشه منه فللأول أخذ أرشه وهو قول الشافعي إذا امتنع على المشتري الثاني رده بعيب حدث عند لأه مل نستردك ظلامته وكل واحد من المشترين يرجع بحصة العيب من الثمن الذي اشتراه به على ما ذكرناه فيما تقدم .
الفصل الثالث : إذا باع المشتري بعض المعيب ثم ظهر على عيب فله الأرش لما بقي في يده من المبيع وفي الأرش لما باعه ما ذكرنا من الخلاف فيما إذا باع الجميع وإن أراد رد الباقي بحصته من الثمن فالذي ذكره الخرقي ههنا أن له ذلك وقد نص عليه أحمد والصحيح أنه إن كان المبيع عينا واحدا أو عينين ينقصهما التفريق كمصراعي باب وزوجي خف أنه لا يملك الرد لما فيه من الضرر على البائع بنقص القيمة أو ضرر الشركة وامتناع الانتفاع بها على الكمال كإباحة الوطء والاستخدام وبهذا قال شريح و الشعبي و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي وقد ذكرنا أصحابنا في غير هذا الموضع فيما إذا كان المبيع عينين ينقصهما والتفريق أنه لا يجوز رد إحداهما دون الأخرى لما فيه من الضرر وفيما لو اشترى معيبا فتعيب عند إنه لا يملك رده إلا أن يرد أرش العيب الحادث عند فلا يجوز أن يرجه في مسألتنا معيبا بعيب الشركة أو نقص القيمة بغير شيء إلا أن يكون الخرقي أراد ما إذا دلس البائع العيب فإن ذلك عنده لا يسقط عن المشتري ضمان ما حدث عنده من العيب على ما ذكرنا فيما مضى وإن كان المبيع عينين لا ينقصهما التفريق فباع إحداهما ثم وجد بالأخرى عيبا أو علم أنهما كانتا معيبتين فهل له رد الباقية في ملكه ؟ يخرج على الروايتين في تفريق الصفقة وقال القاضي : المسألة مبنية على تفريق الصفقة سواء كان المبيع عينا واحدة أو عينين والتفصيل الذي ذكرنا أولى .
فصل : وإن اشترى عينين فوجد بإحداهما عيبا وكانا مما لا ينقصهما التفريق أو مما لا يجوز التفريق بينهما كالولد مع أمه فليس له إلا ردهما جميعا أو إمساكهما وأخذ الأرش وإن لم يكونا كذلك ففيهما روايتان إحداهما : ليس له إلا ردهما أو أخذ الأرش مع إمساكها وهو ظاهر قول الشافعي وقول أبي حنيفة فيما قبل القبض لأن الرد يبعض الصفقة من المشتري فلم يكن له ذلك لكما لو كانا مما ينقصه التفريق والثانية ك له رد المعيب وإمساك الصحيح وهذا قول الحارث العكلي و الأوزاعي و إسحاق وهو قول أبي حنيفة فيما بعد القبض لأنه رد المعيب على وجه لا ضرر فيه على البائع فجاز كما لو رد الجميع وفارق ما ينقص بالتفريق فإن فيه ضررا وإن تلف أحد المبيعين أو تعيب أو وجد بالآخر أو بهما عيبا فأراد رده فالحكم فيه على ما ذكرنا من التفصيل والخلاف وإن اختلفا في قيمة التالف فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه منكر لما يدعيه البائع من زيادة قيمته ولأنه بمنزلة الغارم لأن قيمة التالف إذا زادت زاد قدر ما يغرمة فهو بمنزلة المستعير والغاصب فأما إن كان المبيعان باقيين معيبين لم يوجد في أحدهما ما يمنع رده فأراد رد أحدهما دون الآخر فقال القاضي : ليس له ذلك ولم يذكر فيه سوى المنع من رد أحدهما والقياس أنها كالتي قبلها إذ لو كان إمساك أحدهما مانعا من الرد فيما إذا كانا معيبين لمنع منه إذا كان صحيحا