استثناء بعض المبيع في البيع .
مسألة : قال : وإذا باع حائطا واستثنى منه صاعا لم يجز وإن استثنى منه نخلة أو شجرة بعينها جاز .
الكلام في هذه المسألة في فصلين : .
الفصل الأول : أنه إذا باع ثمرة بستان واستثنى صاعا أو آصعا أو مدا أو أمدادا أو باع صبرة واستثنى منها مثل ذلك لم يجز وروي ذلك عن سعيد بن المسيب و الحسن و الشافعي و الأوزاعي و إسحاق و أبي ثور وأصحاب الرأي وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنه يجوز وهو قول ابن سيرين و سالم ابن عبد الله و مالك ل [ أن النبي A نهى عن بيع الثنيا إلا أن تعلم ] رواه الترمذي وقال : هو حديث حسن صحيح وهذه ثنيا معلومة ولأنه استثنى معلوما أشبه ما إذا استثنى منها جزاءا ولنا [ أن النبي A نهى عن الثنيا ] رواه البخاري ولأن المبيع معلوم بالمشاهدة لا بالقدر والاستثناء بغير حكم المشاهدة لأنه لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة فلم يجز ويخالف الجزء فإنه لا يغير حكم المشاهدة ولا يمنع المعرفة بها .
فصل : وإن باع شجرة أو نخلة واستثنى أرطالا معلومة فالحكم فيه كما لو باع حائطا واستثنى آصعا وقال القاضي في شرحه : يصح لأن الصحابة Bهم أجازوا استثناء سواقط الشاة والصحيح ما ذكرناه وهذا أشبه بمسألة الصاع من الحائط وإليها أقرب والمعنى الذي ذكرناه فيها متحقق ههنا فلا يصح والله أعلم .
الفصل الثاني : أنه إذا استثنى نخلة أو شجرة بعينها جاز ولا نعلم في ذلك خلافا وذلك لأن المستثنى معلوم ولا يؤدي إلى جهالة المستثنى منه وإن استثنى شجرة غير معينة لم يجز لأن الاستثناء غير معلوم فصار المبيع والمستثنى مجهولين وروي عن ابن عمر أنه باع ثمرته بأربعة آلاف واستثنى طعام القيان وهذا يحتمل أنه استثنى نخلا معينا بقدر طعام القيان لأنه لو حمل على غير ذلك كان مخالفا لنهي النبي A عن الثنيا إلا أن تعلم ولأن المستثنى متى كان مجهولا لزم أن يكون الباقي بعده مجهولا فلا يصح بيعه كما لو قال : بعتك من هذه الثمرة طعام القيان .
فصل : وإن استثنى جزءا معلوما من الصبرة أو الحائط مشاعا كثلث أو ربع أو أجزاء كسبعين أو ثلاثة أثمان صح البيع والاستثناء ذكره أصحابنا وهو مذهب الشافعي وقال أبو بكر و ابن أبي موسى : لا يجوز ولنا أنه لا يؤدي إلى جهالة المستثنى ولا المستثنى منه فصح كما لو اشترى شجرة بعينها وذلك لأن معنى بعتك هذه الصبرة إلا ثلثها أي بعتك ثلثيها وقوله إلا ربعها معناه بعتك ثلاثة أرباعها ولو باع حيوانا واستثنى ثلثه جاز وكان معناه بعتك ثلثيه ومنه منه القاضي أبو يعلى قياسا على استثناء الشحم ولا يصح لأن الشحم مجهول لا يصح إفراده بالبيع وهذا معلوم ويصح إفراده بالبيع فصح استثناؤه كالشجرة المعينة وقياس المعلوم على المجهول في الفساد لا يصح فعلى هذا يصيران شريكين فيه للمشتري ثلثاه وللبائع ثلثه .
فصل : فإن قال : بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلا مكوكا جاز لأن القفيز معلوم والمكوك معلوم فلا يفضي إلى جهالة ولو قال : بعتك هذه الثمرة بأربعة دراهم إلا بقدر درهم صح لأن قدره معلوم من المبيع وهو الربع فكأنه قال بعتك ثلاثة أرباع هذه الثمرة بأربعة دراهم ولو قال : إلا ما يساوي درهما لم يصح لأن ما يساوي الدرهم قد يكون الربع أو أكثر أو أقل فيكون مجهولا فيبطل .
فصل : وإن باع قطعيا واستثنى منه شاة بعينها صح وإن استثنى شاة غير معينة لم يصح نص عليه وهذا قول أكثر أهل العلم وقال مالك : يصح أن يبيع مائة شاة إلا شاة يختارها ثمرة حائطه ويستثنى ثمرة نخلات يعدها ولنا أن النبي A نهى عن الثنيا إلا أن تعلم ونهى عن بيع الغرر مجهول فلم يصح كما لو قال : إلا شاة مطلقة ولأنه مبيع مجهول فلم يصح كما لو قال بعتك شاة تختارها من القطيع وضابط هذا الباب أنه لا يصح استثناءه ما لا يصح بيعه مفردا أو بيع ما عداه منفردا عن المستثنى نحو هذا مذهب أبي حنيفة و الشافعي لا أن أصحابنا استثنوا من هذا سواقط الشاة وجلدها للأثر الوارد فيه والحمل على رواية الجواز لفعل ابن عمر وما عداه هذا فيبقى على الأصل .
فصل : وإن باع حيوانا مأكولا واستثنى رأسه وجلده وسواقطه صح نص عليه أحمد وقال مالك : يصح في السفر دون الحضر لأن المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط فجوز له شراء اللحم دونها وقال أبو حنيفة و الشافعي : لا يجوز لأنه لا يجوز إفراده بالعقد فلم يجز استثناؤه كالحمل ولنا [ أن النبي A نهى عن الثنيا إلا أن تعلم ] وهذه معلومة و [ روي أن النبي A لما هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مروا براعي غنم فذهب أبو بكر وعامر فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها ] وروى أبو بكر في الشافي بإسناده عن جابر عن الشعبي قال قضي زيد بن ثابت وأصحاب رسول الله A في بقرة باعها رجل واشترط رأسها فقضى بالشروى يعني أن يعطى رأسا مثل رأس ولأن المستثنى والمستثنى منه معلومان فصح كما لو باع حائطا واستثنى منه نخلة معنية وكونه لا يجوز إفراده بالبيع يبطل بالثمرة قبل التأبير لا يجوز إفرادها بالبيع بشرط التبقية ويجوز استثناؤها والحمل مجهول ولنا فيه منع فإن امتنع المشتري من ذبحها لم يجبر عليه ويلزمه قيمة ذلك على التقريب نص عليه لما روي عن علي Bه أنه قضى في رجل اشترى ناقة وشرط ثنياها فقال : اذهبوا إلى السوق فإذا بلغت أقصى ثمنها فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها .
فصل : فإن استثنى شحم الحيوان لم يصح نص عليه أحمد قال أبو بكر : لايختلفون عن أبي عبد الله أنه لا يجوز ذلك لأن النبي A نهى عن الثنيا إلا أن تعلم ولأنه مجهول لا يصح إفراده بالبيع فلم يصح استثناؤه كفخذها وإن استثنى الحمل لم يصح استثناؤه لذلك وهذا قول أبي حنيفة و مالك و الثوري و الشافعي وقد نقل عن أحمد صحته وبه قال الحسن و النخعي و إسحاق و أبو ثور لما روى نافع عن ابن عمر أنه باع جارية واستثنى ما في بطنها ولأنه يصح استئناؤه في العتق فصح في البيع قياسا عليه ولنا ما تقدم والصحيح من حديث ابن عمر أنه أعتق جارية واستثنى ما في بطنها لأن الثقاة الحفاظ حدثوا الحديث فقالوا أعتق جارية والإسناد واحد قاله أبو بكر ولا يلزم من الصحة في العتق الصحة في البيع لأن العتق لا تمنعه الجهالة ولا العجز عن التسليم ولا يعتبر فيه شروط البيع .
فصل : وإن باع جارية حاملا بحر فقال القاضي : لا يصح وهو مذهب الشافعي لأنه لا يدخل في البيع فكأنه مستثنى والأولى صحته لأن المبيع معلوم وجهالة الحمل لا تضر من حيث إنه ليس بمبيع ولا مستثنى باللفظ وقد يستثنى بالشرع ما لا يصح استثناؤه باللفظ كما لو باع أمة مزوجة صح ووقعت منفعة البضع مستثناة بالشرع ولو استثناها باللفظ لم يجز ولو باع أرضا فيها زرع للبائع أو نخلة مؤبرة لوقعت منفعتها مستثناة مدة بقاء الزرع والثمرة ولو استثناها بقوله لم يجز .
فصل : ولو باع دارا إلا ذراعا وهما يعلمان ذرعان الدار جاز وكان مستثنيا جزءا مشاعا منها لأنه جزء معلوم يصح إفراده بالبيع فجاز استثناؤه كثلثها وربعها وإن لم يعلما لم يجز لأنه مجهول لا يجوز إفراده بالبيع ولأنه استثنى معلوم المقدار من مبيع معلوم بالمشاهدة فلم يجز كاستثناء الصاع من ثمرة الحائط والقفيز من الصبرة وهكذا الحكم إذا باعه ضيعة الاجريبا فمتى عليما جربان الضيعة صح وإلا فلا .
فصل : وإذا باع سمسما واستثنى الكسب لم يجز لأنه قد باعه الشيرج في الحقيقة وهو غير معلوم فإنه غير معين ولا موصوف ولأن النبي A نهى عن الثنيا إلا أن تعلمغير معلوم ولو باعه السمسم واستثنى الشيرج لم يجز كذلك .
فصل : ولو باعه بدينار إلا درهما أو إلا قفيزا من حنطة أو شعيرا لم يصح البيع لأنه قصد رفع قدر المستثنى منه وقدر ذلك مجهول فيصير الثمن مجهولا