اشتراط منفعة لأحد المتعاقدين .
فصل : ولا بد من كون المنفعة معلومة لهما ليصح اشتراطها لأننا نزلنا ذلك منزلة الإجارة فلو اشترط حمل الحطب إلى منزله والبائع لا يعرف منزله لم يصح ولو اشترط حذوها نعلا فلا بد من معرفة صفتها كما لو استأجره على ذلك ابتداء قال أحمد : في الرجل يشتري النعل على أن يحذوها جائز إذا أراد الشراك وإن تعذر العمل بتلف المبيع قبله أو بموت البائع انفسخت الإجارة ورجع المشتري عليه بعوض ذلك وإن تعذر بمعرض أقيم مقامه من يعمل العمل والأجرة عليه كقولنا في الإجارة .
فصل : ويصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة مثل أن يبيع دارا ويستثنى سكناها شهرا أو جملا ويشترط ظهره إلى مكان معلوم أو عبدا ويستثنى خدمته سنة نص على هذا أحمد وهو قول الأوزاعي و إسحاق و أبي ثور و ابن المنذر وقال الشافعي وأصحاب الرأي : لا يصح الشرط لنهي النبي A عن بيع وشرط ولأنه ينافي مقتضى البيع فأشبه ما لو شرط أن لا يسلمه وذلك لأنه شطر تأخير تسليم المبيع إلى أن يستوفي البائع منفعته ولأن مقتضى البيع ملك المبيع ومنافعه وهذا الشرط ينافيه وقال ابن عقيل : فيه رواية ثانية أنه يبطل البيع والشرط نقلها عبد الله بن محمد الفقيه في الرجل يشتري من الرجل جارية ويشترط أن تخدمه فالبيع باطل وهذا الرواية لا تدل على محل النزاع في هذه المسألة فإن اشتراط خدمة الجارية بالطل لوجهين أحدهما : أنها مجهولة وإطلاقها يقتضي خدمتها أبدا وهذا لا خلاف في بطلانه إنما الخلاف في اشتراط منفعة معلومة الثاني : أن يشترط خدمتها بعد زوال ملكه عنها فيقضي إلى الخلوة بها والخطر برؤيتها وصحبتها ولا يوجد هذا في غيرها ولذلك منع إعارة الجارية الشابة لغير محرمها وقال مالك : إذا اشترط ركوبا إلى مكان قريب جاز وإن كان إلى مكان بعيد كره لأن اليسير تدخله المسامحة ولنا ما [ روى جابر أنه باع النبي A جملا واشترط ظهره إلى المدنية ] وفي لفظ قال : [ فبعته بأوقية واستثنيت حملانه إلى أهلي ] متفق عليه وفي لفظ قال : [ فبعته منه بخمس أواق قال : قلت على أن لي ظهره إلى المدينة قال : ولك ظهره إلى المدنية ] ورواه مسلم ولأن النبي A نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وهذه معلومة ولأن المنفعة قد تقع مستثناة بالشرع على المشتري فيما إذا اشترى نخلة مؤبرة أو أرضا مزروعة أو دارا مؤجرة أو أمة مزوجة فجاز أن يستثنيها كما لو اشترط البائع الثمرة قبل التأبير ولم يصح نهي النبي A عن بيع وشرط وإنما نهي عن شرطين في بيع فمفهومه إباحة الشرط الواحد وقياسهم ينتقض باشتراط الخيار والتأجيل في الثمن .
فصل : وإن باعه أمة واستثنى وطأها مدة معلومة لم يجز لأن الوطء لا يباح في غير ملك أو نكاح لقوله تعالى : { والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } وفارق اشتراط وطء المكاتبة حيث نبيحه لأن المكاتبة مملوكة فيستباح وطؤها بالشرط في المحل المملوك و اختار ابن عقيل أنه لا يباح وطؤها أيضا وهو قول أكثر الفقهاء .
فصل : وإن باع المشتري العين المستثناة منفعتها صح البيع وتكون في يد المشتري الثاني مستثناة أيضا فإن كان عالما بذلك فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة فلم يثبت له خيار كما لو اشترى معيبا يعلم عيبه فإن لم يعلم فله خيار الفسخ لأنه عيب فهو كما لو اشترى أمة مزوجة أو دارا مؤجرة وإن أتلف المشتري العين فعليه أجرة المثل لتفويت المنفعة المستحقة لغيره وثمن المبيع وإن تلفت العين بتفريطه فهو كتلفها بفعله نص عليه أحمد وقال : يرجع البائع على المبتاع بأجرة المثل قال القاضي : معناه عندي القدر الذي نقصه البائع لأجل الشرط وظاهر كلام أحمد خلاف هذا لأنه يضمن ما فات بتفريطه فضمنه بعوضه وهو أجرة المثل فأما إن تلفت بغير فعله ولا بتفريطه لم يضمن قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله فعلى المشتري أن يحمله على غيره لأنه كان له حملان قال : لا إنما شطر هذا عليه بعينه ولأنه لم يملكها البائع من جهته فلم يلزمه عوضها كما لو تلفت النخلة المؤبرة بثمرتها أو غيره المؤبرة إذا اشترط البائع ثمرتها وكما لو باع حائطا واستثنى منه شجرة بعينها فتلفت وقال القاضي : عليه ضمانها أخذا من عموم كلام أحمد وإذا تلفت العين رجع البائع على المبتاع بأرجة المثل وهو محمول على حاله التفريط على ما ذكرنا .
فصل : وإذا اشترط البائع منفعة المبيع وأراد المشتري أن يعطيه ما يقوم مقام المبيع في المنفعة أو يعوضه عنها لم يلزمه قبوله وله استيفاء المنفعة من غير المبيع نص عليه أحمد لأن حقه تعلق بها فأشبه ما لو استأجر عينا فبذل له الآخر مثلها ولأن البائع قد يكون له غرض في استيفاء منافع تلك العين فلا يجبر علي قبول عوضها فإن تراضيا على ذلك جاز لأن الحق لهما ولا يخرج عنهما وإن أراد البائع إعارة العين أو إجارتها لمن يقوم مقامه فله ذلك في قياس المذهب لأنها منافع مستحقة له فملك ذلك فيها كمنافع الدار المستأجرة والموصى بمنافعها ولا يجوز إجارتها إلا لمثله في الانتفاع فإن أراد إجارتها أو إعارتها لمن يضر بالعين بانتفاعه لم يجز ذلك لكما لا يجوز له إجارة العين المستأجرة لمن لا يقوم مقامه ذكر ذلك ابن عقيل .
فصل : إذا اشترط المشتري منفعة البائع في المبيع فأقام البائع مقامه من يعمل العمل فله ذلك لأنه ههنا بمنزلة الأجير المشترك يجوز أن يعمل العمل بنفسه وبمن يقوم مقامه وإن أراد بذلك العوض عن ذلك لم يلزم المشتري قبوله وإن أراد المشتري أخذ العوض عنه لم يلزم البائع بذلة لأن المعاوضة عقد تراض فلم يجبر عليه أحد وإن تراضيا عليه احتمل الجواز لأنها منفعة يجوز أخذ العوض عنها لو لم يشترطها فإذا ملكها المشتري جاز له أخذ العوض عنها كما لو استأجرها وكما يجوز أن يؤجر المنافع الموصى بها من ورثة الموصى ويحتلم أن لا يجوز لأنه مشترط بتحكم العادة والاستحسان لأجل الحاجة فلم يجز أخذ العوض عنه كالقرض فإنه يجوز أن يرد في الخبز والخمير أقل أو أكثر ولو أراد أن يأخذ بقدر خبزه وكسره بقدر الزيادة الجائزة لم يجز ولأنه أخذ عوض عن مرفق معتاد جرت العادة بالعفو عنه دون أخذ العوض فأشبه المنافع المستثناة شرعا وهو ما لو باع أرضا فيها زرع للبائع واستحق تبقيته إلى حين الحصاد فلو أخذه قصيلا لينتفع بالأرض إلى وقت الحصاد لم يكن له ذلك .
فصل : ولو قال : بعتك هذه الدار وأجرتكها شهرا لم يصح لأنه إذا باعه فقد ملك المشتري المنافع فإذا أجره إياها فقد شرط أن يكون له بدل في مقابلة ما ملكه المشتري فلم يصح قال ابن عقيل : وقد [ نهى النبي A عن قفيز الطحان ] ومعناه أن يستأجر طحانا ليطحن له كراء بقفيز منه فيصير كأنه شرط عمله في القفيز عوضا عن عمله في باقي الكراء المطحون ويحتمل الجواز بناء على اشتراط منفعة البائع في المبيع .
فصل : وإن شرط في المبيع إن هو باعه فالبائع أحق به بالثمن فروى المروذي عنه أنه قال في معنى حديث النبي A : [ لا شرطان في بيع ] يعني أنه فاسد لأنه شرط أن يبيعه إياه وأن يعطيه إياه بالثمن الأول فهما شرطان في بيع نهي عنهما ولأنه ينافي مقتضى العقد لأنه شرط أن لا يبيعه لغيره إذا أعطاه ثمنه فهو كما لو شرط أن لا يبيعه إلا من فلان أو أن لا يبيعه أصلا وروى عنه إسماعيل بن سعيد البيع جائز لما روي عن ابن مسعود أنه قال : ابتعت من امرأتي زينب الثقفية جارية وشرطت لها أن بعتها فهي لها بالثمن الذي ابتعتها به فذكرت ذلك لعمر فقال لا تقربها ولأحد فيها شرط قال إسماعيل : فذكرت أحمد الحديث فقال : البيع جائز ولا تقربها لأنه كان فيها شرط واحد للمرأة ولم يقل عمر في ذلك البيع فاسد فحمل الحديث على ظاهره وأخذه به وقد اتفق عمر وابن مسعود على صحته والقياس يقتضي فساده ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في رواية المروذي على فساد الشرط وفي رواية إسماعيل بن سعيد على جواز البيع فيكون البيع صحيحا والشرط فاسدا كما لو اشتراها بشرط أن لا يبيعها وقول أحمد لا تقربها قد روي مثله فيمن اشترط في الأمة أن لا يبيعها ولا يهبها أو شرط عليه ولاءها ولا يقربها والبيع جائز واحتج بحديث عمر لا تقربها ولا حد فيها مثنوبة قال القاضي : وهذا على الكراهة لا على التحريم قال ابن عقيل : عندي أنه إنما منع من الوطء لمكان الخلاف في العقد لكون يفسد بفساد الشرط في بعض المذاهب