ما تحرم فيه النسيئة .
فصل : وكل ما حرم فيه التفاضل حرم فيه النساء بغير خلاف نعلمه ويحرم التفرق قبل القبض لقول النبي A : [ عينا بعين ] وقوله : [ يدا بيد ] ولأن تحريم النساء آكد ولذلك جرى في الجنسين المختلفين فإذا حرم التفاضل فالنساء أولى بالتحريم .
مسألة : قال : وما كان من جنسين فجائز التفاضل فيه يدا بيد ولا يجوز نسيئة .
لا خلاف في جواز التفاضل في الجنسين نعلمه إلا عن سعيد بن جبير أنه قال : ما يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز التفاضل بهما وهذا يرده قول النبي A : [ بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد وبيعوا الشعير بالشعير كيف شئتم يدا بيد ] وفي لفظ : [ إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ] رواه مسلم و أبو داود ولأنهما جنسان فجاز التفاضل فيهما كما لو تباعدت منافعهما ولا خلاف في إباحة التفاضل في الذهب بالفضة مع تقارب منافعهما فأما النساء فكل جنسين يجري فيهما الربا بعلة واحدة كالمكيل والموزون بالموزون والمطعوم بالمطعوم عند من يعلل به فإنه يحرم بيع أحدهما بالآخر نساء بغير خلاف نعلمه وذلك لقوله عليه السلام : [ فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد ] وفي لفظ [ لا بأس ببيع الذهب بالفضة أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد وأما النسيئة فلا ] رواه أبو داود إلا أن يكون أحد العوضين ثمنا والآخر مثمنا فإنه يجوز النساء بينهما بغير خلاف لأن الشرع أرخص في السلم والأصل في رأس المال الدراهم والدنانير فلو حرم النساء هنا لانسد باب السلم في الموزونات في الغالب فأما إن اختلفت علتهما كالمكيل بالموزون مثل بيع اللحم بالبر ففيهما روايتان إحداهما : يحرم النساء فيهما وهو الذي ذكره الخرقي ههنا لأنهما مالان من أموال فحرم النساء فيهما كالمكيل والثانية : يجوز النساء فيهما وهو قول النخعي لأنهما يجتمعا في أحد وصفي علة ربا الفضل فجاز النساء فيهما كالثياب بالحيوان .
فصل : وإذا باع شيئا من مال الربا بغير جنسه وعلة ربا الفضل فيهما واحدة لا يجز التفرق قبل القبض فإن فعلا بطل العقد وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يشترط التقابض فيهما كغير أموال الربا وكبيع ذلك بأحد النقدين .
ولنا قول النبي A : [ الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد ] رواه مسلم و [ قال عليه السلام : فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد ] وروى مالك بن أوس بن الحدثان أنه التمس صرفا بمائة دينار قال فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف منى فأخذ يقبلها في يديه ثم قال : حتى يأتي خازني من الغابة وعمر يسمع ذلك فقال : لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه [ قال رسول الله A : الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء ] متفق عليه والمراد به القبض بدليل أن المراد به ذلك في الذهب والفضة ولهذا فسره عمر به ولأنهما مالان من أموال الربا علتهما واحدة فحرم التفرق فيهما قبل القبض كالذهب بالفضة فأما إن اختلفت علتهما كالمكيل بالموزون عند من يعلل بهما فقال أبو خطاب يجوز التفرق فيهما قبل القبض رواية واحدة لأن علتهما مختلفة فجاز التفرق قبل القبض كالثمن بالثمن وبهذا قال الشافعي : إلا أنه لا يتصور عنده ذلك إلا في بيع الأثمان بغيرها ويحتمل كلام الخرقي وجوب التقابض على كل حال لقوله [ يدا بيد ] .
مسألة : قال : وما كان مما لا يكال ولا يوزن فجائز التفاضل فيه يدا بيد ولا يجوز نسيئة .
اختلفت الرواية في تحريم النساء في غير المكيل والموزون على أربع روايات إحداهن : لا يحرم النساء في شيء من ذلك سواء بيع بجنسه أو بغيره متساويا أو متفاضلا إلا على قولنا أن العلة الطعم فيحرم النساء في المطعوم ولا يحرم في غيره وهذا مذهب الشافعي واختار القاضي هذه الرواية لما روى أبو داود [ عن عبد الله ابن عمرو أن رسول الله A أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة ] رواه أبو داود وروى سعيد في سننه عن أبي معشر عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد أن عليا باع بعيرا له يقال له عصيفير بأربعة أبعرة إلى أجل ولأنهما مالان لا يجري فيهما ربا الفضل فجاز النساء فيهما كالعرض بالدينار ولأن السناء أحد نوعي الربا فلم يجز في الأموال كلها كالنوع الآخر والرواية الثانية : يحرم النساء في كل مال بيع بجنسه كالحيوان بالحيوان والثياب بالثياب ولا يحرم في غير ذلك وهذا مذهب أبي حنيفة وممن كره بيع الحيوان نساء ابن الحنفية و عبد الله بن عمير و عطاء و عكرمة بن خالد و ابن سيرين و الثوري وروي ذلك عن عمار و ابن عمر لما روى سمرة [ أن النبي A نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ولأن الجنس أحد وصفي علة ربا الفضل فحرم النساء كالكيل والوزن والثالثة : لا يحرم النساء إلا فيما بيع بجنسه متفاضلا فأما مع التماثل فلا لما روى جابر [ أن النبي A قال : الحيوان اثنين بواحد لا يصلح نساء ولا بأس به يدا بيد ] قال الترمذي : هذا حديث حسن وروى ابن عمر [ أن رجلا قال : يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل ؟ فقال : لا بأس إذا كان يدا بيد ] من المسند وهذا يدل على إباحة النساء مع التماثل بمفهومة والرابعة : يحرم النساء في كل مال بيع بمال آخر سواء كان من جنسه أو من غير جنسه وهذا ظاهر كلام الخرقي ويحتمل أنه أراد الرواية الثالثة لأنه بيع عرض بعرض فحرم النساء بينهما كالجنسين من أموال الربا قال القاضي : فعلى هذا لو باع عرضا بعرض ومع أحدهما دراهم العروض نقدا والدراهم نسيئة جاز وإن كانت الدراهم نقدا والعروض نسيئة لم يجز لأنه يفضي إلى النسيئة في العروض وهذه الرواية ضعيفة جدا لأنه إثبات حكم يخالف الأصل بغير نص ولا إجماع ولا قياس صحيح فإن في المحل المجمع عليه أو المنصوص عليه أوصافا لها أثر في تحريم الفضل فلا يجوز حذفها عن درجة الاعتبار وما هذا سبيله لا يجوز إثبات الحكم فيه وإن لم يخالف أصلا فكيف يثبت مع مخالفة الأصل في حل البيع ؟ وأصح الروايات هي الأولى لموافقتها الأصل والأحاديث المخالفة لها قال أبو عبد الله ليس فيها حديث يعتمد عليه ويعجبني أن يتوقاه وذكر له حديث ابن عباس وابن عمر في هذا فقال هما مرسلان وحديث سمرة يرويه الحسن عن سمرة قال الأثرم قال أبو عبد الله : لا يصحح سماع الحسن من سمرة وحديث جابر قال أبو عبد الله : هذا حجاج زاد فيه نساء و ليث بن سعد سمعه من أبي الزبير ولا يذكر فيه نساء وحجاج هذا هو حجاج بن أرطاة قال يعقوب بن شيبة : هو واهي الحديث وهو صدوق وإن كان أحد المبيعين مما لا ربا فيه والآخر في ربا كالمكيل بالمعدود ففيه روايتان إحداهما : يحرم النساء فيهما والثانية : لا يحرم كما لو باع معدودا بمعدود من غير جنسه