كل ما كيل أو وزن من سائر الأشياء فلا يجوز التفاضل فيه إذا كان جنسا واحدا .
مسألة : قال أبو القاسم C : وكل ما كيل أو وزن من سائر الأشياء فلا يجوز التفاضل فيه إذا كان جنسا واحدا .
قوله من سائر الأشياء يعني من جميعها وضع سائر موضع جميع تجوزا وموضوعها الأصلي لباقي الشيء وقد روي عن النبي A في الربا أحاديث كثيرة ومن أتمها ما روى عبادة بن الصامت [ عن النبي A أنه قال : الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل والتمر بالتمر مثلا بمثل والبر بالبر مثلا بمثل والملح بالملح مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل فمن زاد أو ازداد فقد أربى بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد ] رواه مسلم فهذه الأعيان المنصوص عليها يثبت الربا فيها بالنص والإجماع واختلف أهل العلم فيم سواها فحكي عن طاوس و قتادة أنها قصرا الربا عليها وقالا لا يجري في غيرها وبه قال داود ونفاه القياس وقالوا : ما عداها على أصل الإباحة لقول الله تعالى : { وأحل الله البيع } واتفق القائلون بالقياس على أن ثبوت الربا فيها بعلة وإنه يثبت في كل ما وجدت فيه علتها لأن القياس دليل شرعي فيجب استخراج علة هذا الحكم وإثباته في كل موضع وجدت علته فيه وقول الله تعالى : { وحرم الربا } يقتضي تحريم كل زيادة إذ الربا في اللغة الزيادة إلا ما أجمعنا على تخصيصه وهذا يعارض ما ذكروه ثم اتفق أهل العلم على أن ربا الفضل لا يجري إلا في الجنس الواحد إلا سعيد بن جبير فإنه قال : كل شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا كالحنطة بالشعير والتمر بالزبيت والذرة بالدهن لأنهما يتقارب نفعهما فجريا مجرى نوعي جنس واحد وهذا يخالف قول النبي A : [ بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم ] فلا يعول عليه ثم يبطل بالذهب بالفضة فإنه يجوز التفاضل فيهما مع تقاربهما واتفق المعللون على أن علة الذهب والفضة واحدة وعلة الأعيان الأربعة واحدة ثم اختلفوا في علة كل واحد منهما فروي عن أحمد في ذلك ثلاث روايات أشهرهن أن علة الربا في الذهب والفضة كونه موزون جنس وعلة الأعيان الأربعة مكيل جنس نقلها عن أحمد الجماعة وذكرها الخرقي و ابن أبي موسى وأكثر الأصحاب وهو قول النخعي و الزهري و الثوري و إسحاق وأصحاب الرأي فعلى هذه الرواية يجري الربا في كل مكيل أو موزون بجنسه مطعوما كان أو غير مطعوم كالحبوب والأشنان والنورة والقطن والصوف والكتان والورس والحناء والعصفر والحديد والنحاس ونحو ذلك ولا يجري في مطعوم لا يكال ولا يوزن لما روى ابن عمر قال : [ قال رسول الله A : لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين فإني أخاف عليكم الرماء وهو الربا فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل ؟ فقال : لا بأس إذا كان يدا بيد ] رواه الإمام أحمد في المسند عن ابن حيان عن أبيه عن ابن عمر .
وعن أنس [ أن النبي A قال : ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا وما كيل مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا ] رواه الدارقطني ورواه عن ابن صاعد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أحمد بن محمد بن أيوب عن أبي بكر بن عياش عن صبيح عن الحسن عن عبادة وأنس عن النبي A وقال : لم يروه عن أبي بكر هكذا غير محمد بن أحمد بن أيوب وخالفه غيره فرواه بلفظ آخر وعن عمار أنه قال : العبد خير من العبدين والثوب خير من الثوبين فما كان يدا بيد فلا بأس به إنما الربا في النساء إلا ما كيل أو وزن ولأن قضية البيع المساواة والمؤثر في تحقيقها الكيل والوزن والجنس فإن الوزن أو الكيل يسوي بينهما صورة والجنس يسوي بينهما معنى فكانا علة ووجدنا الزيادة في الكيل محرمة دون الزيادة في الطعم بدليل بيع الثقيلة بالخفيفة فإنه جائز إذا تساويا في الكيل .
والرواية الثانية : أن العلة في الأثمان الثمنية وفيما عداها كونه مطعوم جنس فيختص بالمطعومات ويخرج منه ما عداها قال أبو بكر : روى ذلك عن أحمد جماعة ونحو هذا قال الشافعي فإنه قال العلة الطعم والجنس شرط والعلة في الذهب والفضة جوهرية الثمينة غالبا فيختص بالذهب والفضة لما روى معمر بن عبد الله [ أن النبي A نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل ] رواه مسلم ولأن الطعم وصف شرف إذ به قوام الأبدان والثمنية وصف شرف إذ بها قوام الأموال فيقتضي التعليل بهما ولأنه لو كانت العلة في الأثمان الوزن لم يجز إسلامهما في الموزونات لأن أحد وصفي علة ربا الفضل يكفي في تحريم النساء والرواية الثالثة : العلة فيما عدا الذهب والفضة كونه مطعوم جنس مكيلا أو موزونا فلا يجري الربا في مطعوم لا يكال ولا يوزن كالتفاح والرمان والخوخ والبطيخ والكمثرى والأترج والسفرجل والأجاص والخيار والجوز والبيض ولا فيما ليس بمطعوم كالزعفران والأشنان والحديد والرصاص ونحوه ويروى ذلك عن سعيد بن المسيب وهو قديم قولي الشافعي لما روي عن سعيد بن المسيب [ عن رسول الله A أنه قال : لا ربا إلا فيما كيل أو وزن مما يؤكل أو يشرب ] أخرجه الدراقطني وقال : الصحيح أنه من قول سعيد ومن رفعه فقد وهم ولأن لكل واحد من هذه الأصناف أثرا والحكم مقرون بجميعها في المنصوص عليه فلا يجوز حذفه ولأن الكيل والوزن والجنس لا يقتضي وجوب المماثلة وإنما أثره في تحقيقها في العلة ما يقتضي ثبوت الحكم لا ما تحقق شرطه والطعم بمجرده لا تتحقق المماثلة به لعدم المعيار الشرعي فيه وإنما تجب المماثلة في المعيار الشرعي وهو الكيل والوزن ولهذا وجبت المساواة في المكيل كيلا وفي الموزون وزنا فوجب أن يكون الطعم معتبرا في المكيل الموزون دون غيرهما والأحاديث الواردة في هذا الباب يجب الجمع بينهما وتقييد كل واحد منها بالآخر فنهي النبي A عن بيع الطعام إلا مثلا بمثل يتقيد بما فيه معيار شرعي وهو الكيل والوزن ونهيه عن بيع الصاع بالصاعين يتقيد بالمطعوم المنهي عن التفاضل فيه وقال مالك : العلة أو القوت أو ما يصلح به القوت من جنس واحد من المدخرات وقال ربيعة : يجري الربا فيما تجب فيه الزكاة دون غيره وقال ابن سيرين : الجنس الواحد علة وهذا القول لا يصح لقول النبي A في بيع الفرس والأفراس والنجيبة بالإبل [ لا بأس به إذا كان يدا بيد ] و [ روي أن النبي A ابتاع عبدا بعبدين ] رواه أبو داود و الترمذي وقال هو حديث حسن صحيح وقول مالك ينتقض بالحطب والادام يستصلح به القوت ولا ربا فيه عنده وتعليل ربيعة ينعكس بالملح والعكس لازم عند اتحاد العلة .
والحاصل أن ما اجتمع فيه الكيل والوزن والطعم من جنس واحد ففيه الربا رواية واحدة كالأرز والدخن والذرة والقطنيات والدهن والخل واللبن واللحم ونحوه وهذا قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر : هذا قول علماء الأمصار في القديم والحديث سوى قتادة فإنه بلغني أنه شذ عن جماعة الناس فقصر تحريم التفاضل على الستة الأشياء وما انعدم فيه الكيل والوزن والطعم واختلف جنسه فلا ربا فيه رواية واحدة وهو قول أكثر أهل العلم كالتين والنوى والقت والماء والطين الأرمني فإنه يؤكل دواء فيكون موزونا مأكولا فهو إذا من القسم الأول وما عداه إنما يؤكل سفها فجرى مجرى الرمل والحصا وقد [ روي عن النبي A أنه قال لعائشة : لا تأكلي الطين فإنه يصفر اللون ] وما وجد فيه الطعم وحده أن الكيل أو الوزن من جنس واحد ففيه روايتان واختلف أهل العلم فيه والأولى إن شاء الله تعالى حله إذ ليس في تحريمه دليل موثوق به ولا معنى يقوي التمسك به وهي مع ضعفها يعارض بعضها بعضا فوجب اطراحها أو الجمع بينها والرجوع إلى أصل الحل الذي يقتضيه الكتاب والسنة والاعتبار ولا فرق في المطعومات بين ما يؤكل قوتا كالأزر والذرة والدخن أو أدما كالقطنيات واللبن واللحم أو تفكها كالثمار أو تداوما كالأهليج والسقمونيا فإن الكل في باب الربا واحد