فوات الوقوف بعرفة ووجوب الهدي .
مسألة : قال : ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر تحلل بعمرة وذبح إن كان معه هدي وحج من قابل وأتى بدم .
الكلام في هذه المسألة في أربعة فصول : .
فصل الأول : إن آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفج يومئذ فاته الحج لا نعلم فيه خلافا [ قال جابر : لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع قال أبو الزبير فقلت له : أقال رسول الله A ذلك ؟ قال : نعم ] رواه الأثرم بإسناده وقول النبي A : [ الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه ] يدل على فواته بخروج ليلة جمع وروي ابن عمر [ أن رسول الله قال : من وقف بعرفات بليل فقد أدرك الحج ومن فاته عرفات بليل فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل ] رواه الدارقطني وضعفه .
الفصل الثاني : إن من فاته الحج يتحلل بطواف وسعي وحلاق هذا الصحيح من المذهب وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه وزيد بن ثابت وابن عباس وابن الزبير ومروان بن الحكم وهو قول مالك و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن أبي موسى في المسألة روايتان إحداهما : كما ذكرنا والثانية : يمضي في حج فاسد وهو قول المزني قال : يلزمه جميع أفعال الحج لأن سقوط ما فات وقته لا يمنع ما لم يفت ولنا قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا فكان إجماعا وروى الشافعي في مسنده أن عمر قال لأبي أيوب حين فاته الحج : اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت فإن أدركت الحج قابلا فحج واهد ما استيسر من الهدي وروي أيضا عن ابن عمر نحو ذلك وروى الأثرم بإسناده عن سليمان بن يسار أن هبار ابن الأسود حج من الشام فقدم يوم النحر فقال له عمر : ما حسبك ؟ قال : حسبت أن اليوم يوم عرفة قال : فانطلق إلى البيت فطف به سبعا وإن كان معك هدية فانحرها ثم إذا كان عام قابل فاحجج فإن وجدت سعة فاهد فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله تعالى وروى النجاد بإسناده عن عطاء [ أن النبي A قال : من فاته الحج فعليه دم وليجعلها عمرة وليحج من قابل ] ولأنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة من غير فوات فمع الفوات أولى إذا ثبت هذا فإنه يجعل إحرامه بعمرة وهذا ظاهر كلام الخرقي ونص عليه أحمد واختاره أبو بكر وهو قول ابن عباس وابن الزبير و عطاء وأصحاب الرأي وقال ابن حامد لا يصير إحرامه بعمرة بل بتحلل لطواف وسعي وحلق وهو مذهب مالك و الشافعي لأن إحرامه انعقد بأحد النسكين فلم ينقلب إلى الآخر كما لو أحرم بالعمرة ويحتمل أن من قال : يجعل إحرامه عمرة أراد به يفعل المعتمر وهو الطواف والسعي ولا يكون بين القولين خلاف ويحتمل أن يصير إحرام الحج إحراما بعمرة بحيث يجزئه عن عمرة الإسلام إن لم يكن اعتمر ولو أدخل الحج عليها لصار قارنا إلا أنه لا يمكنه الحج بذلك الإحرام إلا أن يصير محرما به في غير أشهره فيصير كمن أحرم بالحج في غير أشهره ولأن قلب لحج إلى العمرة يجوز من غير سبب على ما قررناه في فسخ الحج فمنع الحاجة أولى ويخرج على هذا قلب العمرة إلى الحج فإنه لا يجوز ولأن العمرة لا يفوت وقتها فلا حاجة إلى انقلاب إحرامها بخلاف الحج .
الفصل الثالث : أنه يلزمه القضاء من قابل سواء كان الفائت واجبا أو تطوعا روي ذلك عن عمر وابنه وزيد وابن عباس وابن الزبير ومروان وهو قول مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد لا قضاء عليه بل إن كانت فرضا فعلها بالوجوب السابق وإن كانت نفلا سقطت وروي هذا عن عطاء وهو أحدى الروايتين عن مالك لأن النبي A لما سئل عن الحج أكثر من مرة قال : بل مرة واحدة ولو أوجبنا القضاء كان أكثر من مرة ولأنه معذور في ترك إتمام حجة فلم يلزمه القضاء كالمحرم ولأنها عبادة تطوع فلم يجب قضاؤها كسائر التطوعات ووجه الرواية الأولى ما ذكرنا من الحديث وإجماع الصحابة وروى الدارقطني بإسناده عن ابن عباس قال : [ قال رسول الله A : من فاته عرفات فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج قابل ] ولأن الحج يلزم بالشروع فيه فيصير كالمنذر بخلاف سائر التطوعات وأما الحديث فإنه أراد الواجب بأصل الشرع حجة واحدة وهذه إنما تجب بإيجابه لها بالشروع فيها كالمنذورة وأما المحصر فإنه غير منسوب إلى التفريط بخلاف من فاته الحج وإذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة لا نعلم في هذا خلافا لأن الحجة المقضية لو تمت لأجزأت عن الواجبة عليه فكذلك قضاؤها لأن القضاء يقوم مقام الأداء .
الفصل الرابع : إن الهدي يلزم من فاته الحج في أصح الروايتين وهو قول من سمينا من الصحابة والفقهاء إلا أصحاب الرأي فإنهم قالوا : لا هدي عليه وهي الرواية الثانية عن أحمد لأنه لو كان الفوات سببا لوجوب الهدي للزم المحرم هديان للفوات والإحصار ولنا حديث عطاء وإجماع الصحابة ولأنه حل من إحرامه قبل إتمامه فلزمه هدي كالمحرم ولم يفت حجه فإنه يحل قبل فواته إذا ثبت هذا فإنه يخرج الهدي في سنة القضاء إن قلنا بوجوب القضاء وإلا أخرجه في عامة وإذا كان معه هدي قد ساقه نحره ولا يجزئه إن قلنا بوجوب القضاء بل عليه في السنة الثانية هدي أيضا نص عليه أحمد وذلك لحديث عمر الذي ذكرناه والهدي ما استيسر مثل هدي المتعة لحديث عمر أيضا والمتمتع والمفرد والقارن والمكي وغيره سواء فيما ذكرنا لأن الفوات يشمل الجميع .
فصل : فإن اختار من فاته الحج البقاء على إحرامه ليحج م نقابل فله ذلك روي ذلك عن مالك لأن تطاول المدة بين الإحرام وفعل النسك لا يمنع إتمامه كالعمرة والمحرم بالحج في غيره أشهره ويحتمل أنه ليس له ذلك وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي و ابن المنذر ورواية عن مالك لظاهر الخبر وقول الصحابة Bهم لأن إحرام الحج يصير في غره أشهره فصار كالمحرم بالعبادة قبل وقتها .
فصل : وإذا فات القارن الحد حل وعليه مثل ما أهل به من قابل نص عليه أحمد وهو قول مالك و الشافعي و أبي ثور و إسحاق ويحتمل أن يجزئه ما فعل عن عمرة الإسلام ولا يلزمه إلا قضاء الحج لأنه لم يفته غيره وقال أصحاب الرأي و الثوري : يطوف ويسعى لعمرته ثم لا يحل حتى يطوف ويسعى لحجة إلا أن سفيان قال : يهريق دما والوجه الأول أن يذبح القضاء على حسب الأداء في صورته ومعناه فيجب أن يكون هنا كذلك ويلزمه هديان لقرانه وفواته وبه قال مالك و الشافعي وقيل يلزمه هدي ثالث القضاء وليس بشيء فإن القضاء لا يجب له هدي وإنما يجب الهدي الذي في سنة القضاء للفوات وكذلك لم يأمر الصحابة بأكثر من هدي واحد والله أعلم .
فصل : إذا أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير ليلة عرفة أجزأهم ذلك لما روى الدارقطني بإسناده عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال : [ قال رسول الله صلى عليه وسلم : يوم عرفة الذي يعرف فيه الناس ] فإن اختلفوا فأصاب بعضهم وأخطأ بعض وقت الوقوف لم يجزئهم لأنهم غير معذورين في هذا وروى أبو هريرة [ أن رسول الله A قال : فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون ] رواه الدارقطني وغيره