صيد المحرم وفروع في الصيد وفدية الهدي والأضاحي .
فصل : قال أصحابنا في كبير الصيد مثله من النعم وفي الصغير وفي الذكر ذكر وفي الأنثى أنثى وفي الصحيح صحيح وفي المعيب معيب وبهذا قال الشافعي وقال مالك في الصغير كبير وفي المعيب صحيح لأن الله تعالى قال : { هديا بالغ الكعبة } ولا يجزئ في الهدي صغير ولا معيب ولأنها كفارة متعلقة بقتل حيوان فلم تختلف صغيرة وكبيرة كقتل الآدمي .
ولنا قول الله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } ومثل الصغير صغير ولأن ما ضمن باليد والجناية اختلف ضمانه بالصغر والكبر كالبهيمة والهدي في الآية معتبر بالمثل وقد أجمع الصحابة على الضمان بما لا يصح هديا كالجفرة والعناق والجدي كفارة الآدمي ليست بدلا عنه ولا تجزي مجرى الضمان بدليل أنها لا تتبعض في أبعاضه فإن فدى المعيب بصحيح فهو أفضل وإن فداه بمعيب مثله جاز وإن اختلف العيب مثل أن فدى الأعرج بأعور والأعور بأعرج لم يجز لأنه ليس بمثله وإن فدى أعور من إحدى العينين بأعور من أخرى أو أعرج من قائمة بأعرج من أخرى جاز لأن هذا اختلاف يسير ونوع العيب واحد وإنما اختلف محله وإن فدى الذكر بأنثى جاز لأن لحمها أطيب وأرطب وإن فداها بذكر جاز في أحد الوجهين لأن لحمه أوفر فتساويا والآخر لا يجوز لأن زيادته عليها ليس هي من جنس زيادتها فأشبه فداء المعيب من نوع بمعيب من نوع .
فصل : فإن قتل ماخضا فقال القاضي : يضمنها بقيمة مثلها وهو مذهب الشافعي لأن قيمته أكثر من قيمة لحمه وقال أبو الخطاب يضمنها بما خض مثلها لأن الله تعالى قال : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } وإيجاب القيمة عدول عن المثل مع إمكانه فإن فداها بغير ماخض احتمل الجواز لأن هذه الصفة لا تزيد في لحمها بل ربما نقصها فلا يشترط وجودها في المثل كاللون والعيب وإن جنى على ماخض فأتلف جنينها وخرج ميتا ففيه ما نقضت أمه كما لو جرحها وإن خرج حيا لوقت يعيش لمثله ثم مات ضمنه بمثله وإن كان لوت لا يعيش لمثله فهو كالميت كجنين الآدمية .
فصل : وإن أتلف جزءا من الصيد وجب ضمانه لأن جملته مضمونة فكان بعضه مضمونا كالآدمي والأموال ول [ أن النبي A قال لا ينفر صيدها ] فالجرح أولى بالنهي والنهي يقتضي تحريمة وما كان محرما من الصيد وجب ضمانه كنفسه يضمن بمثله من مثله في أحد الوجهين لأن ما وجب ضمان جملته بالمثل وجب في بعضه مثله كالمكيلات والآخر يجب قيمة مقداره من مثله لأن الجزاء يشق إخراجه فيمنع إيجابه ولهذا عدل الشارع عن إيجاب جزء من بعير في خمس من الإبل إلى إيجاب شاة من غير جنس الإبل والأول أولى لأن المشقة ههنا غير ثابتة لوجود الخيرة له في العدول عن المثل إلى عدله من الطعام أو الصيام فيبقى المانع فيثبت مقتضى الأصل وهذا إذا اندمل الصيد ممتنعا فإن اندمل غير ممتنع ضمنه جميعه لأنه عطلة فصار كالتالف ولأنه مفض إلى تلفه فصار كالجارح له جرا يتيقن به موته وهذا مذهب أبي حنيفة ويتخرج إن يضمنه بما نقض لأنه لا يضمن ما لت يتلف ولم يتلف جميعه بدليل ما لو قتله محرم آخر لزمه الجزاء ومن أصلنا أن على المشتركين جزاء واحد وضمانه بجزاء كامل يفضي إلى إيجاب جزاءين وإن غاب غير مندمل ولم يعلم خبره والجراحة موجبة فعليه ضمان جميعه كما لو قتله وإن كان غير موجبة فعليه ضمان ما نقص ولا يضمن جميعه لأننا لا نعلم حصول التلف بفعله فمل يضمن كما لو رمى سهما إلى صيد فلم يعلم أوقع به أم لا وكذلك إن وجده ميتا ولم يعلم أمات من الجناية أم من غيرها ويحتلم أن يلزمه ضمانه ههنا لأنه وجد سبب اتلافه منه ولم يعلم له سبب آخر فوجب إحالته على السبب المعلوم كما لو وقع في الماء نجاسة فوجده متغيرا تغيرا يصلح أن يكون منها فإننا نحكم بنجاسته وكذلك لو رمى صيدا فغاب عن عينه ثم وجده ميتا لا أثر به غير سهمه حل أكله وإن صيرته الجناية غير ممتنع فلم يعلم أصار ممتنعا أم لان فعليه ضما جميعه لأن الأصل عدم الامتناع .
فصل : وإذا جرح صيدا فتحامل فوقع في شيء تلف به ضمنه لأنه تلف بسببه وكذلك إن نفره فتلف في حال نفوره ضمنه فإن سكن في مكان وأمن من نفوره ثم تلف لم يضمنه وقد ذكرنا وجها آخر أنه يضمنه في المكان الذي انتقل إليه لما روى الشافعي في مسنده عن عمر Bه أنه دخل دار الندوة فألقى رداءه على واقف في البيت فوقع عليه طير من هذا الحمام فأطاره فوقع على واقف فانتهزته حية فقتلته فقال لعثمان بن عفان ونافع بن عبد الحارث : إني وجدت في نفسي إني أطرته من منزل كان فيه آمنا إلى موقعه كان فيها حتفه فقال نافع لعثمان : كيف ترى في غير تنبيه عقرا يحكم بها على أمير المؤمنين فقال : عثمان أ { ى ذلك فأمر بها عمر Bه .
فصل : وكل ما يضمن به الآدمي يضمن به الصيد من مباشرة أو بسب وما جنت عليه دابته بيدها أو فمها من الصيد فالضمان على راكبها أو قائدها أو سائقها وما جنت برجلها فلا ضمان عليه لأنه لا يمكن حفظ رجلها وقال القاضي : يضمن السائق جميع جنايتها لأن يده عليها ويشاهد رجلها وقال ابن عقيل : لا ضمان عليه في الرجل لأن النبي A قال : الرجل جبار وإن انقلبت فأتلفت صيدا لم يضمنه لأنه لا يد له عليها وقد قال النبي A العجماء جبار وكذلك لو أتلفت آدميا لم يضمنه ولو نصل المحرم شبكة أو حفر بئرا فوقع فيها صيد ضمنه لأنه بسببه كما يضمن الآدمي إلا أن يكون حفر البئر بحق كحفرة في داره أو في طريق واسع ينتفع بها المسلمون فينبغي أن لا يضمن ما تلف به كما لا يضمن الآدمي وإن نصب شبكة قبل إحرامه فوقع فيها صيد بعد إحرامه لم يضمنه لأنه لم يوجد منه بعد إحرامه تسبب إلى إتلافه أشبه ما لو صاده قبل إحرامه وتركه في منزله فتلف بعد إحرامه أو باعه وهو حلال فذبحه المشتري .
مسألة : قال : وإن كان طائرا فداه بقيمته في موضعه .
قوله : بقيمته في موضعه يعني يجب قيمته في المكان الذي أتلفه فيه لا خلاف بين أهل العلم في وجوب ضمان الصيد من الطير إلا ما حكي عن داود أنه لا يضمن ما كان أصغر من الحمام لأن الله تعالى قال : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } وهذا لا مثل له ولنا عموم قوله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } وقيل في قوله تعالى : { ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم } يعني الفرخ والبيض وما لا يقدر أن يفر من صغار الصيد ورماحكم يعني الكبار وقد روى عن عمر وابن عباس Bهما أنهما حكما في الجراد بجزاء ودلالة الآية على وجوب جزاء غيره لا يمنع من وجوب الجزاء في هذا بدليل آخر وضمان غير الحمام من الطير قيمته لأن الأصل في الضمان أن يضمن بقيمته أو بما يشتمل عليها بدليل سائر المضمونات لكن تركنا هذا الأصل بدليل ففيما عداه تجب القيمة بقضية الدليل وتعتبر القيمة في موضع إتلافه كما لو أتلف مال آدمي في موضع الإتلاف كذا ههنا .
فصل : ويضمن بيض الصيد بقيمته أي صيد كان قال ابن عباس في بيض النعام قيمته وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وبه قال النخعي و الزهري و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي لأنه يروى [ أن رسول الله A قال : في بيض النعام قيمته ] مع أن النعام من ذوات الأمثال فغيره أولى ولأن البيض لا مثل له فيجب قيمته كصغار الطير فإن لم يكن له قيمته لكونه مذرا أو لأن فرخه ميت فلا شيء فيه قال أصحابنا : إلا بيض النعام فإن القشرة قيمة الصحيح أنه لا شيء فيه لأنه إذا لم يكن فيه حيوان ولا مآله إلى أن يصير منه حيوان صار كالأحجار والخشب وسائر ما له قيمة من غير الصيد ألا ترى أنه لو نقب بيضه فأخرج ما فيها لزمه جزاء جميعها ثم لو كسرها هو أو غيره لم يلزمه لذلك شيء ومن كسر بيضة فخرج منها فرخ حي فعاش فلا شيء فيه وإن مات فهي ما في صغار أولاد المتلف بيضه ففي فرخ الحمام صغير أولاد الغنم وفي فرخ النعمة حوار وفيما عداها قيمته ولا يحل لمحرم أكل بيض الصيد إذا كسره هو أو محرم سواه وإن كسره حلال فهو كلحم الصيد إن كان أخذه لأجل المحرم لم يبح له أكله ولا أبيح وإن كسر بيض صيد لم يحرم على الحلال لأن حله له لا يقف على كسره ولا يعتبر له أهليه بل لو كسره مجوسي أو وثني أو بغير تسمية لم يحرم فأشبه قطع اللحم وطبخه وقال القاضي : يحرم على الحلال أكله كما لو ذبح الصد لأن كسره جرى مجرى الذبح حله للمحرم بكسر الحلال له وإن نقل بيض صيد فجعله تحت آخر أو ترك مع بيض الصيد بيضا آخر أو شيئا نفره عن بيضه حتى فسد فعليه ضما لأنه تلف بسببه وإن صح وفرخ فلا ضمان عليه وإن باض الصيد على فراشه فنقله برفق ففسد ففيه وجهان بناء على أن الجراد إذا انفرش في طريقه وحكم بيض الجراد وإن احتلب لبن صيد ففيه قيمت كما لو حلب لبن حيوان مغصوب .
فصل : وإن نتف محرم ريش طائر ففيه ما نقص وبها قال الشافعي وأبو ثور وأوجب مالك و أبو حنيفة فيه الجزاء جميعه ولنا أنه نقصه نقصا يمكن زواله فلم يضمنه بكماله كما لو جرحه فإن حفظه وأطعمه وسقاه حتى عاد ريشه فلا ضمان عليه لأن النقص زال فأشبه ما لو اندمل الجرح وقيل : عليه قيمته الريش لأن الثاني غير الأول فإن صار غير ممتنع بنتف ريشه واندمل غير ممتنع فعليه جزاء جميعه كالجرح فإن غاب مندمل ففيه ما نقص كالجرح سواء وقد ذكرنا ثم احتمالا فههنا مثله .
مسألة : قال : إلا أن تكون نعامة فيكون فيها بدنة أو حمامة وما أشبهها فيكون في كل واحد منها شاة .
هذا متعلق بقوله : وإن كان طائرا فداه بقيمته في موضعه واستثنى النعامة من الطائر لأنها ذات جناحين وتبيض فهي كالدجاج والأوز وأوجب فيه بدنه لأن عمر وعليا وعثمان وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية Bهم حكموا فيها ببدنة وبه قال عطاء و مجاهد و مالك و الشافعي وأكثر أهل العلم وحكي عن النخعي أن فيها قيمتها وبه قال أبو حنيفة وخالفه صاحباه واتباع النص في قوله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } والآثار أولى ولأن النعامة تشبه البعير في خلقته فكن مثلا فها فيدخل في عموم النص في الحمام شاة حكم به عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن الحارث في حمام الحرم وبه قال سعيد بن المسيب و عطاء و عروة و قتادة و الشافعي و إسحاق وقال أبو حنيفة و مالك : فيه قيمته إلا أن مالكا وافق في حمام الحرم لحكم الصحابة ففيما عداه يبقى على الأصل قلنا : روى عن ابن عباس في الحمام حال الإحرام كمذهبنا ولأنها حمامة مضمونة لحق الله تعالى فضمنت بشاة كحمامة الحرم ولأنها متى كانت الشاة مثلا لها في الحرم فكذلك في الحل فيجب ضمانها بها لقول الله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } وقياس الحمام على الحمام أولى من قياسه على غيره وقول الخرقي : وما أشبهها يعني ما يشبه الحمامة في أنه يعب الماء أي يضع منقاره فيه فيكرع كما تكرع الشاة ولا يأخذ قطرة قطرة كالدجاج والعصافير وإنما أوجبوا فيه شاة لشبه بها في كرع الماء مثلها ولا يشرب مثل شرب بقية الطيور قال أحمد في رواية أبي القاسم وشندي : كل طير يعب الماء ويشرب مثل الحمام ففيه شاة فيدخل في هذا الفواخت والوراشين والساقين والقمري والدبسي والقطا لأن كل واحد من هذه تسميه العرب حماما وقد روي عن الكسائي أنه قال : كل مطوق حمام وعلى هذا القول الحجل حمام لأنه مطوق .
فصل : وما كان أكبر من الحمام كالحباري والكركي والكروان والحجل والأوز الكبير من طير الماء ففيه وجهان أحدهما : فيه شاة لأنه روي عن ابن عباس و جابر و عطاء أنهم قالوا في الحجلة والقطاة والحباري شاة شاة وزاد عطاء في الكركي والكروان وابن الماء ودجاج الحبش والحرب شاة شاة - والحرب هو فرخ الحباري - لأن إيجاب الشاة في الحمام تنبيه على إيجابها فيما هو أكبر منه والوجه الثاني : فيه قيمته وهو مذهب الشافعي لأن القياس يقتضي وجوبها في جميع الطير تركناه في الحمام لإجماع الصحابة Bهم ففي غيره يرجع إلى الأصل .
مسألة : قال : وهو مخير إن شاء فداه بالنظير أو قوم النظير بدراهم ونظركم يجيء به طعاما فأطعم كل مسكين مدا أو صام عن كل مد يوما معسرا كان أو موسرا .
في هذه المسألة أربعة فصول : .
الفصل الأول : إن قاتل الصيد مخير في الجزاء بأحد هذه الثلاثة بأيها شاء كفر موسرا كان أو معسرا وبهذا قال مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية ثانية أنها على الترتيب فيجب المثل أولا فإن لم يجد أطعم فإن لم يجد صام وروي هذا عن ابن عباس والثوري لأن هدي المتعة على الترتيب وهذا أوكد منه لأنه بفعل محظور وعنه رواية ثالثة أنه لا اطعام في الكفارة وإنما ذكر في الآية ليعدل الصيام لأن من قدر على الإطعام قدر على الذبح هكذا قال ابن عباس وهذا قول الشعبي وأبي عياض .
ولنا وقل الله تعالى : { هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } وأو في الأمر للتخيير وري عن ابن عباس أنه قال : كل شيء أو أو فهو مخير وأما ما كان فإن لم يوجد فهو الأول الأول ولأن عطف هذه الخصال بعضها على بعض بأو فكان مخيرا بين ثلاثتها كفدية الأداء وقد سمى الله الطعام كفارة ولا يكون كفارة ما لم يجب إخراجه وجعله طعاما للمساكين وإلا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاما لهم وعطف الطعام على الهدي ثم عطف الصيام إليه ولو ملم يكن خصلة من خصالها لم يجز ذلك فيه ولأنها كفارة ذكر فيها الطعام فكان من خصالها كسائر الكفارات وقولهم : إنها وجبت بفعل محظور يبطل بفدية الأذى على أن لفظ النص صريح في التخيير فليس ترك قياسا على هدي المتعة بأولى من العكس فلا يجوز قياس هدي المتعة في التخيير على هذا لما يتضمنه من ترك النص كذا هذا .
الفصل الثاني : إذا اختار المثل ذبحه وتصدق به على مساكين الحرم لأن الله تعالى قال : { هديا بالغ الكعبة } ولا يجزئه أن يتصدق به حيا على المساكين لأن الله تعالى سماه هديا والهدي يجب ذبحه وله ذبحه أي وقت شاء ولا يختص ذلك بأيام النحر .
الفصل الثالث : أن متى اختار الإطعام فإنه يقوم المثل بدراهم والدراهم بطعام ويتصدق به على المساكين وبهذا قال الشافعي وقال مالك : يقوم الصيد لا مثل لأن التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف قوم المتلف كالذي لا مثل له ولنا أن كل ما تلف وجب فيه المثل إذا قوم لزمت قيمة مثله كالمثلي من مال الآدمي ويعتبر قيمة المثل في الحرم لأنه يحل إحرامه ولا يجزئ إخراج القيمة لأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء ليست القيمة منها والطعام المخرج هو الذي يخرج في الفطرة وفدية الأذى وهو الحنطة والشعير والتمر والزبيب ويحتمل أن يجزئ كل ما يسمى طعاما لدخوله في إطلاق اللفظ ويعطي كل مسكين مدا من البر كما يدفع إليه في كفارة اليمين فأما بقية الأصناف فنصف صاع لكل مسكين نص عليه أحمد فقال في إطعام المساكين في الفدية وجزاء كفارة اليمين إن أطعم برا فمد طعام لكل مسكين نص عليه أحمد فقال في إطعام المساكين في الفدية وجزاء كفارة اليمين إن أطعم برا فمد طعام لكل مسكين وإن أطعم تمرا فنصف صاع لكل مسكين وأطلق الخرقي لكل مسكين ولم فرق والأولى أنه لا يجزئ من غير البر أقل من نصف صاع إذ لم يرد الشرع في موضع بأقل من ذلك في طعمه المساكين ولا توقيف فيه فيرد إلى طائره ولا يجزئ إخراج المساكين الحرم لأن قيمة الهدي الواجب لهم فيكون أيضا لهم كقيمة المثلي من مال الآدمي .
الفصل الرابع في الصيام : فعن أحمد أنه يصوم عن كل مد يوما وهو ظاهر قول عطاء و مالك و الشافعي لأنها كفارة دخلها الصيام والإطعام فكان اليوم في مقابلة المد ككفارة الظهار وعن أحمد أنه يصوم عن كل نصف صاع يوما وهو قول ابن عقيل والحسن و النخعي و الثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر قال القاضي : المسألة رواية واحدة واليوم عن مد بر أو نصف صاع من غيره وكلام أحمد في الروايتين محمول على اختلاف الحالين لأن صوم اليوم مقابل بإطعام المسكين وإطعام المسكين مد بر أو نصف صاع من غبره ولأن الله تعالى جعل اليوم في كفارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين فكذا ههنا وروي عن أبي ثور أن جزاء الصيد من الطعام والصيام مثل كفارة الأذى وروي ذلك عن ابن عباس ولنا أنه جزاء عن متلف فاختلف باختلافه كبدل مال الآدمي وإذا بقي ما لا يعدل كدون المد صام يوما كاملا كذلك قال عطاء و النخعي و حماد و الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم أحدا خالفهم لأن الصوم لا يتبعض فيجب تكميله لا يجب التتابع في الصيام وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي فإن الله تعالى أمر به مطلقا فلا يتقيد بالتتابع من غير دليل ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم عن بعض نص عليه أحمد وبه قال الشافعي و الثوري و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر وجوزه محمد بن الحسن إذا عجز عن بعض الإطعام ولا يصح لأنها كفارة واحدة فلا يؤدي بعضها بالإطعام وبعضها بالصيام كسائر الكفارات .
فصل : وما لا مثل له من الصيد يخير قاتله بين أن يشتري بقيمته طعاما فيطعمه للمساكين وبين أن يصوم وهل يجوز إخراج القيمة ؟ فيه احتمالان أحدهما : لا يجوز وهو ظهر قول أحمد في رواية حنبل فإنه قال : إذا أصاب المحرم صيدا ولم يصب له عدلا يحكم به عليه قوم طعاما إن قدر على طعام وإلا صام كلن صف صاع يوما هكذا يروى عن ابن عباس ولأنه جزاء صيد فلم يجز إخراج القيمة لأن عمر Bه قال لكعب : ما جعلت على نفسك ؟ قال درهمين قال اجعل ما جعلت على نفسك وقال عطاء في العصفور نصف درهم وظاهره إخراج الدراهم الواجبة .
مسألة : قال : وكلما قتل صيدا حكم عليه .
ومعناه أنه يجب الجزاء بقتل الصيد الثاني كما يجب عليه إذا قتله ابتداء وفي هذه المسألة عن أحمد ثلاث روايات إحداهن : أنه يجب في كل صيد جزاء وهذا ظاهر المذهب قال أبو بكر : هذا أولى القولين بأبي عبد الله وبه قال الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وأصحاب الرأي والثانية : لا يجب إلا في المرة الأولى وري ذلك عن ابن عباس وبه قال شريح و الحسن و سعيد بن جبر و مجاهد و النخعي و قتادة لأن الله تعالى قال : { ومن عاد فينتقم الله منه } ولم يوجب جزاء والثالثة : إن كفر عن الأول فعليه للثاني كفارة وإلا فلا شيء للثاني لأنها كفارة تجب بفعل محظور في الإحرام فيدخل جزاؤها قبل التكفير كاللبس والطيب ولنا أنها كفارة عن قتل فاستوى فيه المبتدئ والعائد كقتل الآدمي ولأنها بدل متلف يجب به المثل أو القيمة فأشبه لدل مال الآدمي قال أحمد : روي عن عمر وغيره أنهم حكموا في الخطأ وفيمن قتل ولم يسألوه هل كان قتل قبل هذا أو لا ؟ وإنما هذا يعني لتخصيص الإحرام ومكانه والآية اقتضت الجزاء على العائد بعمومها وذكر العقوبة في الثاني لا يمنع الوجوب كما قال الله تعالى : { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وقد ثبت أن العائد لو انتهى كان له ما سلف وأمره إلى الله ولا يصح قياس جزاء الصيد على غيره ولان جزاءه مقدر به ويختلف بصغره وكبره ولو أتلف صيدين معا وجب جزاؤها فكذلك إذا تفرقا بخلاف غيره من المحظورات .
فصل : ويجوز إخراج جزاء الصيد بعد جرحه وقبل موته نص عليه أحمد لأنها كفارة فجاز تقديمها على الموت ككفارة قتل الآدمي ولأنها كفارة فأشبهت كفارة الظهار واليمين .
مسألة : قال : ولو اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد .
يروى عن أحمد في هذه المسألة ثلاث روايات إحداهن : إن الواجب جزاء واحد وهو الصحيح ويروى هذا عن عمر بن الخطاب وابن عباس وابن عمر Bهم وبه قال عطاء و الزهري و النخعي و الشعبي و الشافعي و إسحاق والثانية : على كل واحد جزاء رواهما ابن أبي موسى واختارها أبو بكر وبه قال مالك و الثوري و أبو حنيفة ويروى عن الحسن لأنها كفارة قتل يدخلها الصوم أشبهت كفارة قتل الآدمي والثالثة : إن كان صوما صام كل واحد صوما تاما وإن كان غير ذلك فجزاء واحد ن وإن كان أحدهما هدي والآخر صوم فعلى المهدي بحصته وعلى الآخر صوم تام لأن الجزاء ليس بكفارة وإنما هو يدل بدليل أن الله تعالى عطف عليه الكفارة فقال تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } والصوم كفارة ككفارة قتل الآدمي ولنا قول الله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } والجماعة قد قتلوا صيدا فيلزمهم مثله والزائد خارج عن المثل فلا يجب ومتى ثبت اتخاذ الجزاء في الهدي وجب اتخاذه في الصيام لأن الله تعالى قال : { أو عدل ذلك صياما } والاتفاق حاصل على أنه معدول بالقيمة إما قيمة المتلف وأما قيمة مثله فإيجاب الزائد على عدل القيمة خلاف النص وأيضا ما روى عمن سمينا من الصحابة إنهم قالوا كمذهبنا ولأنه جزاء عن مقتول يختلف باختلافه فكان واحدا كالدية أو كما لو كان القاتل واحدا أو بدل المحل فاتحدت باتحاده الدية وكفارة الآدمي لنا فيها منع ولا يتبعض في إبعاضه ولا يختلف باختلافه فلا يتبعض على الجماعة بخلاف مسألتنا .
فصل : فإن كان شريك المحرم حلالا أو سبعا فلا شيء على الحلال ويحكم على الحرام ثم إن كان جرح أحدهما قبل صاحبه والسابق الحلال أو السبع فعلى المحرم جزاؤه مجروحا وإن كان السابق المحرم فعليه جزاء جره على ما مضى وإن كان جرحها في حال واحدة ففيه وجها أحدهما : على المحرم بقسطه كما لو كان شريكه محرما لأنه أتلف البعض والثاني : عليه جزاء جميعه لأنه تعذر إيجاب الجزاء على شريكه فأشبه ما لو كان أحدهما دالا والآخر مدلولا أو أحدهما ممسكا والآخر فإن الجزاء على المحرم أيهما كان لتعذر إيجاب الجزاء على الآخر .
فصل : وإن اشترك حرام وحلال في صيد حرمي فالجزاء بينهما نصفين لأن الإتلاف ينسب إلى كل واحد منهما نصفه ولا يزداد الواجب على المحرم باجتماع حرمه الإحرام فيكون الواجب على كل واحد منهما النصف وهذا الاشتراك الذي هذا حكمه هو الذي يقع به الفعل منهما معا وإن سبق أحدهما صاحبه فحكمه ما ذكرناه فيما ما مضى .
فصل : إذا أحرم الرجل وفي ملكه صيد لم يزل ملكه عنه ولا يده الحكمية مثل أن يكون في بلده أو في يد نائب له في غير مكانه ولا شيء عليه إن مات وله التصرف فيه بالبيع والهبة وغيرها ومن غصبه لزمه رده ويلزمه إزالة يده المشاهدة عنه ومعناه إذا كان في قبضته أو رحلة أو خيمته أو قفص معه أو مربوطا بحبل معه لزمه إرساله وبهذا قال مالك وأصحاب الرأي وقال الثوري : هو ضامن لما في بيته أيضا .
وحكي نحو ذلك عن الشافعي وقال أبو ثور : ليس عليه إرسال ما في يده وهو أحد قولي الشافعي لأنه في يده أشبه ما لو كان في يده الحكمية ولأنه لا يلزم من منع ابتداء الصيد المنع من استدامته بدليل الصيد في الحرم ولنا على أنه لا يلزمه إزالة يده الحكمية أنه لم يفعل في الصيد فعلا قلم يلزمه شيء كما لو كان في ملك غيره وعكس هذا إذا كن في يده المشاهدة فإنه فعل الإمساك في الصيد فكان ممنوعا منه كحالة الابتداء فإن استدامة الإمساك إمساك بدليل أنه لو حلف لا يمسك شيئا فاستدام امساكه حنث إذا ثبت هذا فإنه متى أرسله لم يزل ملكه عنه ومن أخذه رجه إلى حل ومن قتله ضمنه له لأن ملكه كان عليه وإزالة الأثر لا يزيل الملك بدليل الغصب والعارية فإن تلف في يده قبل إرساله بعد إمكانه ضمنه لأنه تلف تحت اليد العادية فلزمه الضما كمال الآدمي وإن كان قبل إمكان إرسال إنسان من يده فلا ضمان عليه لأنه فعل ما يلزمه فعله ولأن اليد قد زال حكمها وحرمتها فإن أمسكه حتى حل فملكه باق عليه لأن ملكه لم يزل بالإحرام وإنما زال حكم المشاهدة فصار كالعصير يتخمر ثم يتخلل قبل إراقته .
فصل : ولا يملك المحرم الصيد ابتداء بالبيع ولا بالهبة ونحوهما من الأسباب ف [ إن الصعب بن جثامة أهدى إلى رسول الله A حمارا وحشيا فرده عليه وقال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ] فإن أخذه بأحد هذه الأسباب ثم تلف فعليه جزاؤه وإن كان مبيعا فعليه القيمة أو رده إلى مالكه فإن أرسله فعليه ضمانه كما لو أتلفه وليس عليه جزاء وعليه در المبيع أيضا ويحتمل أن يلزمه إرساله كما لو كان مملوكا له لأنه لا يجوز له إثبات يده الشاهدة على الصيد وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا يسترد المحرم الصيد الذي باعه وهو حلال مختار ولا عيب في ثمنه ولا غيرهما لأنه ابتداء ملك على الصيد وهو ممنوع منه وإن رده المشتري عليه بعيب أو خيرا فله ذلك لأن سبب الرد متحقق ثم لا يدخل في ملك المحرم ويلزمه إرساله .
فصل : وإن ورث المحرم صيدا ملكه لأن الملك بالإرث ليس بفعل من جهته وإنما يدخل في ملكه حكما اختار ذلك أو كرهه ولهذا يدخل في ملك الصبي والمجنون ويدخل به المسلم في ملك الكافر فجزى مجرى الاستدامة ويحتمل أن لا يملك به لأنه من جهات التملك فأشبه البيع وغيره فعلى هذا يكون أحق به من غير ثبوت ملكه عليه فإذا حل ملكه